الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
هل يحق لأنقرة اتهام باريس بزعزعة الاستقرار في ليبيا؟
هل يحق لأنقرة إتهام باريس بزعزعة الاستقرار في ليبيا؟

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


ألقت تركيا أمس الأربعاء، باللوم على فرنسا بسبب عدم الاستقرار في ليبيا، بعد أن اتّهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره التركي رجب طيّب إردوغان بـ"عدم احترام كلامه" لوقف التدخّل الخارجي في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة التركيّة حامي أقصوي في بيان أنّ "فرنسا هي الفاعل الرئيسيّ المسؤول عن المشكلات في ليبيا منذ بدء الأزمة في العام 2011".


وأضاف "لم يعد سرًّا بالنسبة إلى أحد أنّ هذه البلاد (فرنسا) تُقدّم دعماً لا مشروط لقوّات حفتر، لتكون صاحبة الكلمة على موارد ليبيا الطبيعيّة"، مدعياً أنّ دعم فرنسا ودول أخرى لحفتر الذي يشنّ هجومًا ضدّ "الحكومة الشرعيّة"، يُشكّل "أكبر تهديد لوحدة أراضي ليبيا وسيادتها"، وأردف "إذا كانت فرنسا تُريد المساهمة في تنفيذ قرارات مؤتمر (برلين)، فيتوجّب عليها أوّلاً إنهاء دعمها لحفتر".


لماذا أتهمت فرنسا تركيا؟


ويأتي التنديد الفرنسي بعدما أكدت وسائل الإعلام عديدة، بأنه قد نزل جنود أتراك في ميناء طرابلس فجر الأربعاء المصادف للرابع والعشرين من يناير، حيث وصلوا على متن بارجتين حربيتين تركيتين، حيث رافقهما سفينة شحن قامت بإنزال دبابات وشاحنات عسكرية، وذلك لأول مرة منذ إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عزمه دعم “الوفاق”، رغم تعهده في “مؤتمر برلين” عدم التدخل في ليبيا أو إرسال قوات أو مرتزقة.


ذلك الفعل، دفع ماكرون لاتهام إردوغان بـ"عدم احترام وعده الذي قطعه" والمتعلّق بإنهاء التدخّل الخارجي في الأزمة الليبيّة ولا سيّما عدم إرسال سفن تركيّة تقلّ مرتزقة إلى ليبيا، وقال الرئيس الفرنسي خلال استقباله رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في باريس: "نرى في الأيّام الأخيرة سفناً تركيّة تُرافق مرتزقة سوريين يصلون إلى الأراضي الليبيّة"، معتبراً أنّ ذلك "يتعارض صراحةً مع ما التزم الرئيس إردوغان القيام به أثناء مؤتمر برلين. إنّه عدم احترام لكلامه".


إقرأ أيضاً: عفرين بعد عامين.. بوابةٌ فتحت أمام التوسع التركي فمتى تُغلق؟


وأضاف في تصريحات إلى جانب ميتسوتاكيس "إنّ ذلك يمسّ بأمن جميع الأوروبيين وشعوب دول الساحل"، وأكّد أنّه يدعم مع شركائه الأوروبيين اليونان وقبرص "من خلال إدانة تدخّلات تركيا واستفزازاتها"، وتابع: "ندين بأشدّ العبارات الاتّفاق الأخير المبرم" بين حكومة الوفاق الوطني الليبية وتركيا المتعلّق بإرسال قوّات تركيّة إلى ليبيا، وذلك عقب أن كانت فرنسا قد طلبت في 19 من يناير، خلال القمّة حول ليبيا في برلين "وقف" إرسال مقاتلين سوريّين موالين لتركيا إلى ليبيا.


سلسلة من المواجهات


ولا يعد التلاسن الفرنسي التركي جديداً، فسبق أن شنّ رئيس التركي في نهاية نوفمبر 2019، هجوماً حاداً على نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، داعياً إياه إلى فحص "حالة الموت الدماغي لديه" قبل أن يتحدث عن "موت دماغي للناتو"، وقال أردوغان، في كلمة تعليقاً على حديث الرئيس الفرنسي عن "موت دماغي لحلف الناتو": "السيد ماكرون، عليك أن تتوجه بنفسك إلى طبيب لفحص حالة الموت السريري لديك قبل كل شيء. أؤكد هذا من تركيا وسأتحدث عن ذلك خلال قمة الناتو المقبلة".


حديثٌ دفع الرئاسة الفرنسية حينها، لاستدعاء السفير التركي في باريس حيث طالبت الرئاسة الفرنسية توضيحات حول الطريقة الاستفزازية من قبل أردوغان في كلامه عن ماكرون، وأكد مسؤول بالرئاسة أن تجاوزات جانب الرئيس التركي لا تعد تصريحات بل إهانات، وتابع قائلًا: “نحن نتوقع توضيحاً من الرئيس أردوغان”.


من جانبه، اتهم وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو الرئيس الفرنسي بدعم الإرهاب، وتابع قائلاً للصحفيين في البرلمان: “بالفعل الراعي للمنظمة الإرهابية ويستضيفهم باستمرار في قصر الإليزيه، إذا قال إن حليفه هو المنظمة الإرهابية.. فليس هناك ما يُقال أكثر بالفعل”، وجاء حديث الوزير التركي للإشارة إلى استقبال الرئيس الفرنسي ماكرون خلال أكتوبر2019، لـ جيهان أحمد، المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية، ليعبر عن تضامن فرنسا معهم في نضالهم ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وفي وجه الهجوم التركي لمناطق شمال سوريا.


إقرأ أيضاً: مؤتمر برلين: محاولة تركية لكسب الوقت ودعم طرابلس بـ”المرتزقة”


واستكمالاً للمواجهات الفرنسية التركية، وجّه الرئيس الفرنسي في الثالث من ديسمبر 2019، انتقادات لاذعة للرئيس التركي، وذلك في مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في لندن قبيل اجتماع قادة حلف الناتو في الذكرى السبعين لتأسيسه، حيث كان لافتاً توجيهه ماكرون أصابع الاتهام لتركيا بتعاملها ودعمها لداعش، بقوله "إن تركيا تعاملت مع مقاتلين مرتبطين بـ داعش"، وطالب ماكرون بضرورة أن يكون هناك تعريف واحد للإرهاب ضمن حلف شمال الأطلسي.


وتابع ماكرون: "القتال في سوريا والعراق لم ينته، وعدم الاستقرار في المنطقة يجعل حربنا على تنظيم داعش الإرهابي أصعب"، وأوضح أنه "يجب الاتفاق على خطر الإرهاب، لكن للأسف ليس لدينا نفس التفسير له، فتركيا تقاتل، الذين قاتلوا تنظيم داعش الإرهابي إلى جانبنا"، وأضاف: "ليس مفهوماً كيف يمكن أن تكون تركيا جزءاً من تحالف الناتو وتشتري "إس - 400" من روسيا".


تحذيرات من سوريا ثانية


وفي غضون ذلك، ومع استمرار الدعم التركي لمليشيات طرابلس، تضاعفت المخاوف الغربية من تدهور الأوضاع في ليبيا لتصبح مماثلة للوضع في سوريا، التي باتت نقطة قوة لتركيا تهدد بها أوروبا بموجات اللاجئين، فيما لو لم تقبل بالتعاون معها في مخططاتها لإقامة ما تسمى بـ "المنطقة الآمنة" شمال سوريا، حيث حذّرت صحيفة "أوبينيون انترناسيونال" الفرنسية، في الثامن من ديسمبر 2019، من أن أردوغان بدعمه لحكومة الوفاق وتقديم الدعم المالي والأسلحة إلى المليشيات في ليبيا، فإنه يتبع النهج نفسه الذي تدخل به في سوريا لتمزيقها.


وأشارت إلى توقيع أردوغان اتفاقين الأول (أمني) والثاني لتقسيم الحدود البحرية مع فايز السراج، الذي وصفته بـ”الدمية”، ورأت الصحيفة الفرنسية أن “الاتفاق الخبيث الموقع بين تركيا والسراج فاقد للشرعية لكونه تم خارج إطار الجمعية الوطنية الليبية (البرلمان)، والذي لم يقره بدوره”.


إقرأ أيضاً: مؤسسات ليبية جديدة تنخرط في مُواجهة الوجود التركي على أرضهم


ورغم حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، يؤكد الليبيون أن أنقرة سلمت مركبات مدرعة وأسلحة وطائرات بدون طيار إلى مليشيات طرابلس المسلحة، حتى أن ضباطًا أتراك حضروا بأنفسهم وتم اعتراضهم من قبل الجيش الوطني وإعادتهم إلى بلادهم، وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن هذا الدعم الضخم للمليشيات الليبية يستهدف إسقاط طرابلس، ووقوعها بالكامل في أيدي "الإرهابيين" وإنهاء الحرب المستعرة منذ أكثر من 5 سنوات لصالح النفوذ التركي.


ونبّهت أوبينيون انترناسيونال إلى أن "التهديدات الإرهابية" في ليبيا بدعم أردوغان سيجعل فرنسا قريبة من الدخول في جبهة جديدة ضد الإرهاب بقارة أفريقيا؛ حيث رسمت باريس خط الدفاع الأول في منطقة الساحل الأفريقي ثم الثاني سيكون في ليبيا دعماً للجيش الوطني، وقالت إن العاصمة طرابلس باتت معقلاً للإرهابيين والمتطرفين، والذي يريد “ديكتاتور مضيق البوسفور” -في إشارة إلى أردوغان- إنقاذهم من عمليات الجيش الليبي، منددة باللعبة المزدوجة للرئيس التركي، واختتمت الصحيفة الفرنسية تقريرها، بسؤال استنكاري: “بعد ترك أردوغان يخلق فوضى في سوريا، هل ندعه يكررها في ليبيا؟”.


المشتركات بين سوريا وليبيا


ولعل أهم المشتركات بين الحالتين السورية والليبية، هو أن أنقرة كانت تدعم على مدار سنوات مليشيات مسلحة بشكل موارب في البلدين لتنفيذ طموحاتها التوسعية، لكنها عمدت مؤخراً إلى الدخول إلى البلدين بصفة رسمية، إذ هاجمت الأراضي السورية متذرعة بحماية السوريين وطلبهم، ورفعت علمها على عشرات البلدات السورية وطبقت فيها سياسة تتريكية واضحة من خلال إبراز الرموز والأعلام التركية، وتغيير أسماء المدن والمعالم الرئيسية فيها كالمدارس والمشافي إلى أسماء تركية، وفي السياق، العسكري كان ذلك واضحاً من خلال التحول من الدعم السرّي إلى الدعم العلني، في محاولة من أنقرة لتثبيت القدم وكسب النقاط على حساب الخصوم.


ومنها جاء تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في الخامس عشر من يناير، بإعلانه أن فريق تدريب وتعاون تركي يعمل في ليبيا، فيما أكد الرئيس التركي إن تركيا بدأت بإرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس، وأردف أردوغان أن بلاده ستستمر في استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والعسكرية لضمان الاستقرار إلى الجنوب من أراضيها بما في ذلك ليبيا.


ولا يكتفي الجانب التركي بشنّ هجمات عسكرية على الليبيين، بل يعززها بأخرى في إطار الحرب الكلامية، فقد شنّ الرئيس التركي في الثامن والعشرين من يناير، هجوماً حاداً على قائد "الجيش الوطني الليبي" المشير خليفة حفتر، قائلاً إنه "مجرد جندي مدفوع الأجر يستعين بدعم خارجي ومرتزقة للسيطرة على العاصمة طرابلس، وقال أردوغان إن "حفتر شخص خان في حينه، قيادته المتمثلة بـ (معمر القذافي)، ثم فرّ إلى الولايات المتحدة، ويحاول اليوم الإطاحة بالسلطة الشرعية في ليبيا".


إقرأ أيضاً: تركيا الرافضة لإقرار ترامب بيهودية “القدس” أقرت قبله بذلك!


وأشار أردوغان إلى أن حفتر يشنّ حملاته العسكرية في ليبيا، بفضل الدعم الخارجي، وتحديداً من الإمارات ومصر، قائلاً: "تقدم أبو ظبي والقاهرة لخليفة حفتر جميع أنواع الدعم، على الرغم من عدم شرعيته"، وأضاف: "حفتر مرتزق، وجندي مدفوع الأجر.. ويستعين بعناصر من مجموعة "فاغنر"، والجميع يعلم من يقف وارءه، إنهم مرتزقة".


وفي الوقت الذي يدعي فيه الأتراك بأن باريس كانت لها اليد الطولى في عدم الاستقرار في ليبيا، يبدو جلياً الدور المخرّب لتركيا في المشهد السوري والذي بات يمتد إلى اللوحة الليبية، حيث يدرك كثير من السوريين ممن لم ينجرّوا إلى خانة التخندق التركي، أن التدخل التركي كان السبب الأول في عدم التقائهم على مشتركات وطنية لعل أولها كان يجب أن يكون حرمة دم السوريين على بعضهم، مهما كانت المبررات والمسوغات، خاصة أن لا تاريخاً للتصارع المسلح بين السوريين إلا عقب تورط بعضهم في الأجندة التركية.


ولعل الحال هي ذاتها في ليبيا، فما الذي قد يمنع الليبين من الالتقاء، سوى التدخل التركي الداعم لفريق على حساب آخر، وهو في كل الحالات السورية أو الليبية أو غيرها، لا يصب في مصلحة ذاك الفريق، أكثر من كونه أداة لتحقيق مصالح أنقرة ومخططاتها التوسعية.



 

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!