-
سلب الممتلكات كأداة للتهجير القسري في مناطق شمال سوريا
استخدمت تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري تدمير وسلب الممتلكات وسيلة أساسية لدفع السكان الأصليين على الهجرة والنزوح.
ملخص تنفيذي:
يتناول هذا التقرير انتهاكات الجيش الوطني السوري والقوات التركية الممنهجة لحقوق السكن والأرض والملكية (HLP) في عفرين (تم احتلالها في آذار 2018) وتل أبيض ورأس العين (تم احتلالهما في تشرين الأول 2019) شمالي سوريا، ويخلص إلى أن هذه الانتهاكات كانت وسيلة أساسية لتهجير السكان الأصليين، وبخاصة الأكراد منهم وتغيير التركيبة الديموغرافية في هذه المناطق.
يوضح هذا التقرير أن عمليات الإبعاد والتهجير القسريين تمت من خلال الاستيلاء على ممتلكات السكان أو تدميرها، ومنعهم من الوصول إلى ممتلكاتهم وسبل عيشهم، ولا سيما المنازل والأراضي الزراعية، حيث تم تجريف الكثير منها وخاصة أشجار الزيتون، ونهب محتويات المنازل، وبيعها أو إتلافها وحرقها. كذلك تم تحويل بعض العقارات إلى قواعد ومقرات عسكرية للجيش التركي أو لفصائل الجيش الوطني السوري، أو إلى مستودعات لبيع الأغراض المسروقة.
أوردت الشهادات التي استند عليها هذا التقرير أن عدداً من الضحايا تعرضوا إلى التهديد، بحدوث عواقب وخيمة لهم في حال التفكير في العودة، والمطالبة بممتلكاتهم المسلوبة. وقد جاءت أقول الضحايا في كثير من الحالات متوافقة مع ما ورد في تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، ومع تقارير بعض المنظمات الحقوقية العاملة في مجال توثيق الانتهاكات.
تعزز نتائج هذا التقرير، ما توصلت إليه لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، في تقريرها الذي نُشر بتاريخ 14 آب/أغسطس 2020 (A/HRC/45/31)، والذي أكّد وجود عمليات نهب واستيلاء على الممتلكات بطريقة منظمة وواسعة النطاق في منطقة رأس العين/سري كانيه. (ب – الفقرة 49).
تخرق الأفعال الواردة في هذا التقرير مجموعة من قوانين الحرب، إضافة إلى بنود عديدة من “الاتفاق التاريخي” بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا حول وقف إطلاق النار عقب الغزو التركي لشمال وشرق سوريا، منها البند الرابع الذي نصّ على حماية المجتمعات الدينية والعرقية، وتعهّد تركيا بعد إلحاق الضرر بالمدنيين وضمان سلامة ورفاه المقيمين في جميع المراكز السكانية (البند السابع). إنّ الشهادات الواردة في هذا التقرير تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ تركيا لم تلتزم بالتعهدات التي وقعتها في الاتفاقية مع الولايات المتحدة، بل غضّت النظر وقامت أحياناً بأفعال يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب وربّما جرائم ضد الإنسانية.
يبين التقرير أبرز الآثار السلبية التي ستخلفها جريمة التهجير القسري على حقوق النازحين والمهجرين الأساسية، حيث أن حقوق الانسان متداخلة ومترابطة مع بعضها البعض، وتحقيق إحداها يتوقف غالباً على تفعيل الحقوق الأخرى. كذلك سيشكل هذا الانتهاك عاملاً معرقلاً للحل السياسي المرسوم وفقاً للقرار الأممي 2254 لعام 2015، وسيؤدي أيضاً إلى تغيير التركيبة الديموغرافية على الجغرافية السورية، وما قد ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة مستقبلاً.
وبهدف تجنب كل تلك التداعيات، أو التخفيف منها على أقل تقدير، توصل التقرير إلى بعض المطالب أو التوصيات التي يجب العمل عليها وتحقيقها، سواءً على مستوى المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الملف السوري، أو على مستوى الحكومة السورية، القائمة حالياً أو التي قد تؤسس مستقبلاً، أو على مستوى المعارضة السورية المتمثلة حالياً بالائتلاف والحكومة المؤقتة، كونهما موجودتان في مناطق الاحتلال التركي، أوعلى مستوى المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام.
منهجية التقرير:
اعتمد التقرير على تحليل ومراجعة 164 شهادة لضحايا عمليات التهجير القسري التي تمت على أيدي فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، حيث تم الاستماع لشهادات الضحايا من قبل الباحثين الميدانيين لمنظمة “بيل”، وبشكل فيزيائي مباشر.
وتم تفريغ تلك الشهادات في استمارات تم إعدادها مسبقاً من قبل الفريق القانوني والإداري لمنظمة بيل، وتضمنت الاستمارة أسئلة تتعلق بهوية الضحية ومكان إقامته السابقة والحالية، والأسباب التي دفعته للهجرة، وكذلك الأسباب التي منعته من العودة لموطنه، والممتلكات التي كان يملكها قبل النزوح، وعن مصيرها بعد النزوح، ومعلومات عن الجهة أو الجهات المتورطة في تلك الانتهاكات، وغيرها من الأسئلة الهادفة إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية للنزوح.
تم تدعيم تلك الاستمارات بالوثائق والأوراق الداعمة لملكيات الضحايا/ الشهود، وكذلك بالصور الفوتوغرافية لبعض الملكيات المستولى عليها، وتم الاستدلال أيضاً على قسم من تلك الملكيات من خلال خرائط غوغل، كما تم الرجوع إلى المصادر المفتوحة التي تناولت الانتهاكات في مناطق الاحتلال التركي، ولا سيما تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، ليتضح لنا بأن ما ورد على لسان الضحايا يتقاطع كثيراً مع ما أوردته اللجنة في تقاريرها.
كما تم أخذ الموافقات المستنيرة من الضحايا الراغبين في استخدام شهاداتهم، أو مشاركتها مستقبلاً مع الجهات الفاعلة والمهتمة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والساعية إلى توثيق الانتهاكات المرتكبة في سوريا، كـ لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، وكذلك الآلية الدولية المستقلة المحايدة الخاصة بسوريا، ومع الجهات القضائية، الدولية أو الوطنية، التي قد ينعقد لها الاختصاص مستقبلاً في التحقيق في الجرائم الأكثر خطورة المرتكبة في سوريا، ومقاضاة مرتكبيها.
ومراعاةً للحساسية الجندرية بالنسبة للضحايا الإناث، فقد تضمن فريق الباحثين الميدانيين لـ “بيل” باحثتين إناث من أصل العدد الكلي للباحثين البالغ خمسة.
تم تحليل الشهادات التي تم بناء هذا التقرير على أساسها، وقد تبين بشكل واضح أن الغاية الأساسية من سلب الممتلكات وتدميرها في المناطق المذكورة هي دفع السكان الأصليين على الهجرة والنزوح، ومنعهم من التفكير لاحقاً في العودة لديارهم، لذلك تم اختيار مسألة “سلب الممتلكات كأحد أساليب التهجير القسري”، كمضمون لهذا التقرير طالما إنها قد ارتكبت في إطار ممنهج وواسع النطاق. وقد ذكرت لجنة التحقيق الدولية بأن فصائل الجيش الوطني السوري كثيراً ما نفذت عمليات اعتقال واحتجاز للأفراد، بالتزامن مع الاستيلاء على الممتلكات، بما فيها الأراضي الزراعية، مما أجبر العديد من السكان في نهاية المطاف على مغادرة المنطقة، ومواصلة عدم السماح لهم بالعودة[1].
في هذا التقرير، سيتم إخفاء هوية الضحايا وبعض المعلومات الأخرى التي قد تكون دالة على هوياتهم، وهذا سيكون حتى بالنسبة للضحايا الذين لم يمانعوا في التعريف بهم، وذلك حفاظاً على سلامتهم وسلامة ذويهم وأحبابهم، أن فكروا يوماً بالعودة لموطنهم والمطالبة بحقوقهم.
ولأنه ليس بوسع هذا التقرير أن يحتوي كل الشهادات التي تم جمعها وتوثيقها، فقد تم ذكر قسم منها، كنماذج تؤكد تعرض الضحايا للتهجير القسري، نتيجة الانتهاكات التي ارتكبت بحق ممتلكاتهم.
المصدر: PÊL- Civil Waves بيل - الأمواج المدنية
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!