الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • عفرين بعد عامين.. بوابةٌ فتحت أمام التوسع التركي فمتى تُغلق؟

عفرين بعد عامين.. بوابةٌ فتحت أمام التوسع التركي فمتى تُغلق؟
عفرين عقب عامين بوابةٌ فتحت أمام التوسع التركي فمتى تُغلق

في العشرين من يناير العام 2018، كان الحدث الجلل في شمال سوريا عبر إطلاق تركيا ما أسمته بـ عملية "غصن الزيتون" بهدف السيطرة على منطقة عفرين ذات الغالبية الكُردية، فعقب عامين من حصوله، بدى ذلك الهجوم بأنه رسمٌ لوجهاً جديد للشرق الأوسط، ربما لم يتخيله كثيرون حينها بأنه بتلك الأهمية وذاك المعنى.


فحتى الذين صفقوا وهللوا للتركي وهو يغزو ديارهم، بات يتلمس رأسه آلان بحثاً عن إجابات، لماذا هاجمنا عفرين وهجرنا أهلها، ولعل الجواب وإن غاب عن البعض، أو حاول البعض الآخر تغييه، لكنه كان مختصراً ومفيداً لدى "أحمد كرمو الشهابي"، المتزعم في مليشيات "الجيش الوطني السوري"، الذي قالها جهاراً نهاراً قبل يومين، إنهم خدمٌ للخلافة العثمانية.


فأقر "كرمو" ناطقاً باسم من يتزعمهم، وهم ثلة غير قليلة، بالدوافع التي جعلتهم يغزون أرض شركائهم المفترضين في الوطن، حيث شارك 25 ألف مسلح في الهجوم على عفرين، وهو تعدادٌ ربما كان كافياً لفتح جبهة حلب ومعها إدلب واللاذقية ضد عدوهم المفترض الذي يدعون الثورة عليه أي (النظام السوري).


المبررات..


برر الأتراك ومن خلفهم من يتبع أنقرة في سوريا، عملية "غصن الزيتون" بمحاربة الإرهاب، وكان المستهدف فيها "قوات سوريا الديمقراطية"، ليطرح السؤال ذاته، عن أي إرهاب يتحدث الأتراك ومن معهم، فالقوة الأخيرة أي "قسد"، شكلها سوريون من مختلف المكونات العرقية والدينية السورية (سواءاً أختلف البعض بعضها أم توافق)، وهي بذلك تخالف قوات النظام التي تقودها فئة طائفية معينة، وقوات المعارضة المسلحة أو ربما المعارضات المسلحة التي يقودها مكونٌ واحد هو الآخر، ولكن من لونً طائفي آخر.


وإلى جانب التعددية التي تمتعت بها "قسد"، لم تسجل أي عمليات إرهابية من قبل قسد وفق التصنيف الدولي، واتسمت بالانضباط مقارنة مع قوات المعارضة وحتى النظام (اللذين توجد في سجلاتهما العديد من المجازر الموثقة بحق طوائف تعيش في مناطق الخصم)، بل أن قسد ذاتها هي شريك مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة واشنطن، وهو ما يعني أن أمريكا وفق تركيا تتشارك مع الإرهابيين لقتال الإرهابيين الدواعش، وهي حجة لم تقنع الكثيرين، سوى القوميين الأتراك وأنصارهم من تيار الإخوان المسلمين في سوريا.


الأهداف..


وكان الهدف التركي المعلن هو "تحرير" عفرين من الإرهاب المزعوم وإعادتها إلى سكانها الأصليين، مع العلم أن غالبية سكان عفرين تاريخياً هم الكُرد بنسبة تفوق الـ95 %، وفق معظم المصادر، وخلال الحرب السورية، كانت "الإدارة الذاتية" في عفرين قد قالت أنها تحتضن 300 ألف سوري من مختلف المناطق، وعقب بدء الهجوم عليها، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن نسبة الكُرد في عفرين هي 40%، وهو تصريح أثار حينها كثيراً من الأستهجان والاستغراب، وفي الوقت الذي خمّن فيه البعض بأن الرئيس التركي لديه معلومات مغلوطة، كانت الحقيقة هي أن تركيا سوف تجعل نسبة الكُرد في عفرين 40%، وهو ما تمكنت من الوصول إليه.


الاتفاق مع روسيا..  


ولتحقيق ذلك الهدف، نسّقت تركيا مع روسيا وبجانبها إيران ضمن اجتماعات الأستانة، والتي جرت فيها عمليات مقايضة بين القوى المتحكمة بالقرار السوري، وجرى خلالها الاتفاق بين روسيا وتركيا على تبادل المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما، دون أدنى اعتبار للقيم الإنسانية، وفي انتهاك صارخ لحقوق السوريين، عبر هندسة الديموغرافية السورية تبعاً لما يرضي موسكو وأنقرة، من خلال تهجير سكان مناطق كـ الغوطة وأرياف حمص وحماه وإدلب من جهة، وعفرين من الجهة المقابلة.


وعقب فترة من الاشتباكات، أعلن يوم العشرين من يناير سقوط مطار أبو الظهور العسكري بريف إدلب الشرقي، رغم أن ترجيحات المعارضين كانت تؤكد قدرته على الصمود لشهور لو قاوم المسلحون، لكن المسلحين وفق ما تبين قد انسحبوا بقرار تركي، فظهيرة ذات اليوم، بدأت الطائرات التركية بشنّ أولى طلعاتها الحربية على المنطقة السورية التي لا تتعدى مساحتها الجغرافية أكثر من 2000كم2.


وأعلنت تركيا بأنها بدأت الهجوم على عفرين بقصف الطيران الحربي، حيث شاهد أهالي عفرين مشهداً لم يتخيلوه في أسوء كوابيسهم، عندما حلّقت 72 طائرة تركية وفقاً للجيش التركي نفسه، فوق المنطقة وبدأت بدك مئات المواقع العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية والمرافق الحيوية في المنطقة، فلم تستنثي منها أي مكان، وباتت عفرين التي كانت آمنة على مدار سبع سنوات من الحرب المستعرة في محيطها، ككرة لهب يتقاذفها النظام السوري وتركيا والروس، عبر إلقاء كل منهم اللوم على الآخر، ومحاولة البحث عن الذرائع التي تبرر صمتهم، في ظل عدم رغبة أي طرف الإقرار بالمقايضة التي تمت على حساب السوريين وتطلعاتهم المشروعة بوطن يحتضن جميع أبنائه.


النظام المُنكفئ..  


لم يتسجب النظام للنداءات التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية بغية الدفاع المشترك عن عفرين، وفي الوقت الذي تأمل فيه أهالي عفرين مساندتهم من قبل النظام، كان الأخير قد وقع مع تركيا بوساطة روسية خلال اجتماعات الأستانة على عقود بيع المنطقة وشراء الغوطة وريف حمص ومطار أبو الظهور العسكري من تركيا وفق ما يراه مراقبون.


وفي هذا السياق، وجهت "الإدارة الذاتية" في عفرين شمال سوريا، نداءاً لحكومة النظام السوري بالتدخل لوقف الهجمات التركية على المنطقة، ودعت في بيان "النظام للقيام بواجباته السيادية اتجاه عفرين وحماية حدودها مع تركيا من الهجمات التي تتعرض لها"، مردفة أن النظام "لم يقم بواجباته حتى الآن على الرغم من الإعلان عن موقفه بشكل رسمي"، وقالت في بيانها، إن "عفرين جزء لا يتجزأ من سوريا، وهذا الجزء يتعرض لعدوان غاشم خارجي من قبل تركيا، وهذا يهدد وحدة الأراضي السورية".


لكن لم يكن هناك حياة فيمن نداهم الكُرد، فلم يستجب لهم شركاء مفترضون في الوطن في واجب الزود عن ترابه، بحجة أن قسد لم تستجب لنداء الدولة في عودة مؤسساتها، حيث فرض النظام على الكُرد في عفرين القبول بالعودة إلى ما قبل العام 2011، من سلطة الأجهزة الأمنية والمخابراتية التابعة له في المنطقة، شرطاً للقبول بالدخول إلى عفرين، وسحب الحجة التركية بأنهم "أنفصاليون" مزعومون، إلى جانب شرط آخر كان يستحيل تطبيقه حينها، مع انتشار تنظيم داعش، وتمثل في قطع العلاقة مع أمريكا، فكانت الشروط التعجيزية للنظام السوري دليلاً دامغاً للكُرد بأنه قد وقع على عقود بيع المنطقة مقابل شراء مناطق أخرى في محيط العاصمة دمشق وحمص وحماه وإدلب، كونها أهم وأبدى له.


المعارضة الخائبة..  


ولم يكن الواقع لدى المعارضة السورية بأفضل حالاً، فتلك التي تحدثت دائماً عن بيع النظام للجولان السوري، يبدو أنها تعلمت منه وقررت أن تبيع أيضاً، فعقب تسليم مدنٌ سورية عدة كجرابلس وإعزاز ومارع وهيمنة النفوذ التركي بشكل غير مباشر على إدلب، وقع المعارضون فيما يبدو على قرار بيع عفرين، وكان ذلك ببيان رسمي أصدره الائتلاف المعارض، حيث أعرب عن دعمه ومساندته للحملة التي يساهم فيها (الجيش الوطني السوري) للسيطرة على عدد من مدن وبلدات الشمال السوري من سيطرة ما أسماهم "القوى الإرهابية"، بالتعاون والتنسيق مع الدولة التركية، وبإسناد جوي منها.


واعتبر الائتلاف الوطني في بيان له حينها أن "تلك التنظيمات المعادية لثورة الشعب السوري، بجميع مكوناته، ولإرادته في الحرية والعدالة والمساواة، يجب أن يتم إبعاد خطرها عن سوريا والمنطقة، ومن هنا فإن معركة الجيش الوطني السوري ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة، هي جزء أساس من معركته، التي تحظى بدعم وتقدير جميع السوريين الذين يريدون رؤية بلدهم وقد سادها الأمن والسلام والحريّة والكرامة".


ويستشف من بيان الائتلاف رغبته في محاسبة المناطق السورية التي لم تتبنى الخطاب المعتمد من قبله وتركيا، عبر استخدام القوة المسلحة وارسال آلاف المسلحين المدججين بالأسلحة والإعلام التركية لفرضها عليهم، تاركين عدوهم المفترض في دمشق وحلب والباب على مرمى حجر، إلى جانب أن المناطق التي خضعت للمعارضة على مدار سنوات من حكمها، لم تقدم في المجمل نموذجاً يمكن قبوله من مختلف السوريين، فكانت ساحاتٍ لتصفية الحسابات بين قادة المسلحين وأتباعهم، ممن أغرتهم الغنيمة وسرقهم حب المال، فباتوا عالة على السوريين، ولربما تكون المطاعم والإستثمارات التي افتتحها متزعمو المسلحين في تركيا دليلاً للسوريين على من تآجر بهم.


النتائج..


وبعد عامين من الهجوم التركي على عفرين، يبدو للمراقبين أن النتائج التي حصدتها المنطقة غير مُبشرة وليست داعية للتفاؤل، رغم ما يُحاول الإعلام الموالي لأنقرة ترويجه، حول قيامها بعمليات بناء للبنية التحتية في عفرين أو تشييد الطرق وأفتتاح المعابر، وتعشيب الملاعب!


فكل تلك الأنباء وفق نشطاء المنطقة سواء المهجرين عنها أو الموجودين فيها، لا تخفي أن تركيا قد حققت أهدافها الحقيقة من السيطرة على عفرين، والتي تمثلت في هندسة ديموغرافية المنطقة ذات الغالبية الكردية سابقاً بما يروق لها حالياً.


حيث تشير التقديرات إلى تهجير ما يفوق السبعين إلى الثمانين في المائة من سكانها الأصليين، والذين حل عوضاً عنهم أهالي قادمون من الغوطة وحمص وحماه ودير الزور وإدلب وحلب وغيرها، وهو ما قد يفتح مستقبلاً باباً على صراع أثني لا تحمد عقباه، ولم يعهده السوريون، قبل أن تتدخل أنقرة فيما بينهم وتمنع توافقهم عبر تحريض فئة على أخرى، سعياً لتحقيق ما تسميه أمنها القومي، رغم أن ذاك الأمن لا يمكن أن يتم حمايته لا في سوريا ولا في تركيا، إلا عبر حلً سياسي يحفظ للمكونات في البلدين حقوقها، ويرفع عنها الظلم، كما يشير متابعون.


ليبيا وعفرين..


وإن كان الهجوم التركي الذي بدأ في عفرين قد مر حينها دون أثر يذكر، فإنه من الجلي أن ما بدأه الأتراك في تلك البقعة الصغيرة من شمال سوريا، قد وصل بآثاره إلى ليبيا، فلو لُجمت أنقرة عن عفرين، ما تجرأت على غزو غيرها.. ومع التوسع الكبير في الأحلام التركية الرامية باستعادة العثمانية، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن أن يتم إخراج تركيا من سوريا وليبيا، أم على شعوب المنطقة الاستعداد لمصطلحات كـ "سوريا الشمالية وليبيا الغربية اللتان لا تعترف بهما دولة سوى تركيا"، على شاكلة ما تسمى "جمهورية شمال قبرص"؟   


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!