الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مجزرة قونية.. نتاج الكراهية وسياسات السلطة التركية
العنصرية في تركيا - مصدر الصورة ليفانت

استفاقت تركيا في نهاية يوليو الماضي، على جريمة شنيعة، راح ضحيتها سبعة أفراد من عائلة كردية واحدة، في هجوم مسلّح طال منزلهم بمديمة قونية وسط البلاد، أكد ناشطون حقوقيون وقتها أن دوافعها عنصرية، حيث ذكرت وسائل إعلام تركية أن أفراد عائلة ديدي أوغلو (السبعة)، قد قتلوا على أيدي مسلحين هاجموا منزلهم وحاولوا إحراقه.


فقد سبق أن تعرض أفراد العائلة تلك للإصابة بجروح خطيرة، في مايو الماضي، خلال هجوم شنّه مجموعة من جيرانهم بسبب قوميتهم الكردية، قائلين لهم بأنه "ليس مسموحاً للأكراد بالعيش هنا"، وفق ما أورد موقع "غازيت دوفار" الإخباري، في منتصف يوليو، نقلاً عن أحد أفراد تلك العائلة والذي تعرض للقتل نهاية يوليو.


تركيا تجدد قصفها لقرى مأهولة شمال الحسكة

الشرطة التركية تُحابي المجرمين


القتيل، الذي قتل في نهاية يوليو، اتهم، في منتصف ذلك الشهر، جهازي الشرطة والقضاء بمحاباة المهاجمين، مشيراً إلى أن كلّ أفراد الأسرة يخشون على حياتهم، وتبعاً لوكيل الدفاع عن الضحايا، وهو المحامي عبد الرحمن كارابولوت، فإن إطلاق سراح مرتكبي الهجوم الأول، منحهم شعوراً بالإفلات من العقاب، ذاكراً لقناة "آرتي تي في" التلفزيونية "إنه هجوم عنصري بالكامل.. القضاء والسلطة يتحملان نصيبهما من المسؤولية عما حدث"، وهو ما حاولت أنقرة التبرّؤ منه.


اقرأ أيضاً: تركيا وسد النهضة.. دور مشبوه لحصار مصر

إذ زعم وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أمام الصحافيين، أن الجريمة سببها عداء مزمن بين عائلتين، مدّعياً أنه من "الاستفزاز" اعتبار ما حدث جريمة عنصرية، مردفاً أنه "ليس هناك أي علاقة لهذا الهجوم بالمسألة التركية-الكردية، وأن الربط بين هذين الأمرين يعادل في خطورته خطورة الهجوم"، إلا أن حزب الشعوب الديمقراطية، والذي يعتبر صوتاً للأكراد وشركائهم في تركيا، ممن يرفضون سياسات الإقصاء التي تنتهجها أنقرة، لم يقبل تبريرات صويلو، معدّاً جريمة قونية ضمن إطار الهجمات التي تستهدف الأكراد، وتزايدت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة.


إدانات كُردية للمجزرة العنصرية


ولم يكن قتل أفراد العائلة الكردية السبعة في قونية، الهجوم الأول من نوعه خلال شهر يوليو فقط، فقبلها بأيام، وتحديداً في الواحد والعشرين من ذلك الشهر، قتل فلاح كُردي في قونية، على أيدي مهاجمين كانوا هددوه في السابق، نتيجة انتمائه القومي، قائلين له إنهم "لا يريدون أكراداً هنا"، وفق تأكيدات ذوي المغدور، وأوردها الإعلام المحلي.


تكررت الهجمات العنصرية التركية على أبناء القومية الكردية دون أي رادع من السلطات التي تكتفي بنفي الطبيعة العنصرية لتلك الجرائم، ودون تقديم حلول ومعاقبة الجناة، والسعي إلى حل عادل للقضية الكردية في تركيا، يضمن لها الاستقرار ونهاية الحروب المدمرة ونزيف الدماء، وهو ما دفع أطرافاً كردية عدة لإدانتها، ومنها حكومة إقليم كردستان، التي استنكرت الجريمة "النكراء"، مُطالبةً بتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.


اقرأ أيضاً: ازدواجية الخطاب الإيراني.. والميل على هوى كفة القوة

كما شجب الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطية، مدحت سنجار، في بيان، المجزرة، مشيراً الى أنّ لغة الكراهية والتحريض لدى الحكومة هي المسؤول الرئيس عن المجزرة، موضحاً أن مقتل العائلة الكردية هي “أحد أكثر الأمثلة المروّعة للهجمات العنصرية التي استمرّت منذ فترة في قونية”، معدّاً الهجوم استهدافاً لحزبهم، واستمراراً لمنهج المذابح ضد الشعب الكردي، مشيراً إلى وجود خطة وفوضى خطيرة، الهدف منها هو تدمير أسس الحياة المشتركة في تركيا من خلال الأكراد.


سياسة "اللاعقاب"


لكن العنصرية التي تغذيها بعض الأطراف في تركيا، ودفع ثمنها الشباب الكردي والتركي في البلاد، هي حكماً لا تمثل إلا فئة معينة أغشى الحقد العنصري على بصيرتها، وهو ما يبدو أن كثيراً من الأتراك غير راضين عنها، إذ عاشت العاصمة التركية أنقرة ومجموعة من مناطق أخرى في البلاد، مظاهرات في الأول من أغسطس الماضي، لشجب مجزرة قونية.


وتبعاً لصحيفة "زمان" التركية المعارضة، رفع متظاهرون في أنقرة، شعار "الدولة القاتلة ستحاسب"، فيما تصدّت الشرطة لهم كعادتها، بالغازات المسيلة للدموع، وهو ما عاشته محافظة وان (جنوب شرق تركيا)، وتم فضها بالمثل.


اقرأ أيضاً: وصولاً إلى أفغانستان.. تتعدد الجبهات والمرتزقة أنفسهم

فيما حمّل تقرير عرضته صحيفة "أفرنسال" التركية المعارضة، في الرابع والعشرين من يوليو، نظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وسياساته القائمة على الاستقطاب، مسؤولية تزايد تلك الهجمات، مطالباً بالتخلي عن سياسة "اللاعقاب" التي تشجع على ارتكاب الجرائم من قبل القوميين الأتراك، سارداً الهجمات العنصرية التي تعرض لها الأكراد بتركيا.


العنصرية التركية خارج تركيا


ورغم أن أنقرة تزعم بأن تلك الهجمات ليست عنصرية، لكن وقائع الأحداث التي تقوم بها تثبت العكس وبجلاء، إذ لا تتوانى فقط عن التساهل مع المجرمين القوميين في داخل البلاد، بل تسعى بلا هوادة لاستهداف كل الحركات الكردية في المنطقة، سواء في شمال سوريا، أو في إقليم كردستان ومناطق شمال العراق، فتعلن بشكل متواتر عن استهداف وتحديد من تعتبرهم إرهابيين، رغم تأكيد كل المراقبين وحتى حكومات كثير من الدول، بأن حل الصراع في أنقرة، عبر حل عادل للقضية الكردية، ينهي الصراع والانقسام، ويسمح للشعب التركي والكردي الحياة وفق أسس العيش المشترك وتحت مظلة القانون الذي لا يعفي مجرماً لانتمائه.


اقرأ أيضاً: بغصّة أوكرانية وقلق أمريكي.. الغاز سيعبر من موسكو لبرلين

لكن يبدو أن أنقرة حاسمة في سياسة الإنهاء بحق المكون الكردي، ولعل أبرز مثال على ذلك، ما حلّ بمنطقة عفرين ذات الخصوصية الكردية شمال غرب سوريا، والتي غزتها أنقرة في العشرين من يناير العام 2018، برفقة 25 ألفاً من مسلحي المعارضة السورية التابعين لها، وانتهت بتهجير نحو 80% من سكانها الأصلين الكرد، لصالح توطين آخرين، جلبتهم أنقرة بالتوافق مع موسكو من مناطق سورية داخلية، ما يعطي صورة واضحة عن النهج التركي بالتعاطي مع الملف الكردي، أقلّه في ظلّ حكم رجب طيب أردوغان.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!