الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
تركيا وسد النهضة.. دور مشبوه لحصار مصر
مصر - تركيا

حاولت دول المصب لنهر النيل وهي كل من مصر والسودان، التعامل الدبلوماسي مع أزمة سد النهضة التي اختلقتها إثيوبيا، لكن الأخيرة لطالما أصرت على مواقفها، ورفضت تقديم أي تطمينات رسمية موقعة لدول المصب حول حصصها المائية، وهو ما أثار الريبة والشكوك حول جهة ما، سعت إلى تشجيع أديس أبابا على التزمت في مواقفها، منعاً من الوصول لحل سياسي، يجنب المنطقة أزمة جديدة.


سد النهضة

مطالبات مصرية


فقد أوضح أحمد فؤاد أباظة وكيل أول لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب في مصر، في الخامس من يوليو الماضي، أن الأخيرة لجأت إلى مجلس الأمن في ملف أزمة سد النهضة، بعد أن تحركت في جميع الاتجاهات لعرض القضية، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي بجميع دوله ومنظماته أصبح شاهداً على أن إثيوبيا استمرت لسنوات طويلة في سياساتها الرافضة للوصول إلى اتفاق ملزم مع دولتي المصب.


اقرأ أيضاً: معقداً مهامها.. إخفاق أمريكي في الشرخ بين بكين وطهران

وأكد أن إثيوبيا تتعنت وتطيل أمد التفاوض لتفرض سياسة الأمر الواقع، مؤكدًا أن اللجوء إلى مجلس الأمن هو آخر تحرك سلمي من مصر، التي تصر على الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها وتفضل التفاوض مع إثيوبيا تحت رعاية الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن، وأضاف أن اتجاه إثيوبيا إلى الملء الثاني في موعده بدون الوصول إلى اتفاق ملزم مع دولتي المصب مصر والسودان يعني اعتداءها على السيادة المصرية، وهذا ما حذر منه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل التوصل إلى اتفاق ملزم للحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل.


لكن وبدلاً من تطمين القاهرة والخرطوم، دعا رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، مختلف دول العالم إلى الاعتراف بالنية الحقيقية لبناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، زاعماً أن إثيوبيا ليس لديها نية لإيذاء الآخرين سوى تلبية احتياجاتها من الطاقة، وأن الشيء الوحيد الذي تريده إثيوبيا هو تلبية طلب البلاد على الكهرباء دون تشكيل تهديد على دول المصب، وأن "مصلحة إثيوبيا هنا هي فقط تلبية طلب البلاد على الكهرباء وتقليل مخاوف السودان ومصر وتحقيق السلام الدائم والازدهار لمنطقتنا"، وفق قوله.


مجلس الأمن يتخلى عن مهامه


وبالفعل، انعقد اجتماع لمجلس الأمن في التاسع من يوليو، لكنه اكتفى بتأييد جهود الوساطة التي يجريها الاتحاد الأفريقي بين الدول الثلاث، داعياً كل الأطراف إلى استئناف المحادثات، دون أن يتوصل بشكل واضح لحل للمشكلة، ليعقب وزير الخارجية المصري سامح شكري بأن "بلاده تعرب عن عدم ارتياحها لتجاهل إدانة الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي".


متابعاً بالقول: "ما حدث دفعني أن أشير لبيان الاتحاد الأوروبي حول قلقه تجاه الملء الأحادي، ومندوب فرنسا أشار إلى ذلك في بيانه، باقي الأعضاء تناولوا قضية عدم اتخاذ إجراءات أحادية بعموم الكلام، في إطار تجنب الملء الأول والثاني، وهذا يأتي في إطار التواؤم، وهو موقف ينم عن محاولة توازن لمراعاة سياسات وطنية، دائماً لابد أن نتعامل مع الواقع والأمور من منطلق واقعي، ولا يمنع أن نثير هذا الأمر في اتصالاتنا مع الأعضاء".


اقرأ أيضاً: ليبيا ودبيبة.. إخفاقات قد تقود إلى تونس ثانية

فيما أكد الأمين المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، على أن الجامعة تؤيد الموقف المصري السوداني في ملف سد النهضة الإثيوبي، قائلاً إن المسعى المصري والسوداني في قضية سد النهضة كان يهدف بشكل أساسي إلى أمرين، الأول: توعية الرأي العام الدولي من خلال الاقتراب من مجلس الأمن، وذلك باعتبار أن هناك مشكلة رئيسية تهدد الأمن والاستقرار في هذه المنطق، أما الثاني: فكانت محاولة القاهرة والخرطوم استصدار رد فعل من المجلس للمضي قدماً والبناء عليه، لافتاً إلى أن الجانب الإثيوبي كان له حق توضيح موقفه، "ولكن رد فعل المجلس كان معروفاً من البداية أن به صعوبات، وهذا أمر مطروح للبحث مستقبلاً".


الدور التركي في إثيوبيا


وعقب فشل كل المحاولات المصري السودانية للوصول إلى حلول وسط مع إثيوبيا، أفادت وكالة "الأناضول" التركية، في الأول من أغسطس الماضي، بأن رجب طيب أردوغان بحث هاتفياً مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد العلاقات التركية الإثيوبية والملفات الإقليمية، وقالت الرئاسة التركية في بيان لها، إن أردوغان أكد لأحمد "إيلاء تركيا مزيدا من الاهتمام لاستقرار إثيوبيا".


وأضاف أن "بلاده ستواصل توفير كافة أنواع الدعم لإثيوبيا"، وهو دعم يبدو مشابهاً للدعم الذي تقدمه أنقرة للمليشيات المسلحة في سوريا المسماة بـ"الجيش الوطني السوري"، الذين باتوا يعرفون بـ"المرتزقة السوريين"، وكذلك الدعم الذي قدمته أنقرة لمليشيات طرابلس وحكومة الوفاق الإخوانية السابقة، ولحركة النهضة في تونس، ولتنظيمات الإخوان المسلمين في دول المنطقة وعلى رأسهم مصر.


اقرأ أيضاً: التخلّي عن أفغانستان.. أمريكا ومن بعدها الطوفان

وبالسياق، ذكرت صحيفة "زمان" التركية المعارضة، بأن "إعلان الرئاسة عن مواصلة تركيا تقديم جميع أنواع الدعم لإثيوبيا، يجعل محاولات أنقرة لإصلاح العلاقات مع القاهرة أصعب"، منوهةً إلى أن إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن أن أنقرة ستستمر في تقديم كل أنواع الدعم لدولة إثيوبيا، "يأتي بينما يزداد توتر العلاقات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، بسبب سد النهضة الذي يؤثر على حصة البلدين من المياه، ما يجعل محاولات أنقرة لإصلاح العلاقات مع القاهرة أصعب".


مشيرة إلى أن تركيا تعتبر وفق هيئة الاستثمار الإثيوبية، ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا، برأس مال استثماري يصل إلى 2.5 مليار دولار (17.43 مليار ليرة تركية)، وفرص عمل لقرابة 30 ألف إثيوبي.


إشادة إثيوبية بتركيا


وتكلل التنسيق الإثيوبي التركي، بلقاء جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في أنقرة، بتاريخ الثامن عشر من أغسطس الماضي، فيما أعلن أردوغان استعداد بلاده للوساطة في فض النزاع بين السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة، قائلاً إن "تركيا على استعداد للمساهمة بكل الطرق لحل النزاع وديا بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة، بما في ذلك الوساطة".


اقرأ أيضاً: حرب اللقاحات.. تنافس سياسي غير نزيه ثمنه البشرية

وهو ما يمكن تشبيهه بمحاولة أنقرة إمساك القاهرة من اليد التي تؤلمها، من خلال إعطاء إشارات للقاهرة، بأن حل أزمة سد النهضة مع أثيوبيا يكمن في أنقرة، وأنه لابد للقاهرة من طرق أبواب أنقرة، كون الأخيرة تمتلك النفوذ الأكبر على أديس أبابا، إن لم تكن فعلياً من يرسم مخططات التضييق على دول المصب لأديس أبابا.


فرضية يمكن الإشارة إلى صحتها، من خلال الإشادة التي تقدم بها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، لدور تركيا والدعم الذي قدمته لإثيوبيا، وشعبها والتعاون مع إثيوبيا، والوقوف إلى جانبها في "الأوقات الحرجة"، على حد قوله، بجانب إعلان الحكومة الإثيوبية عن توقيع اتفاقيات عدة بين الطرفين، تضمنت في مجالي الدفاع والتنمية المائية، دون الكشف عن تفاصيلها.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!