الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
إيران وبايدن.. ومُعضلة مَن يتنازل أولاً
بايدن وايران

منذ الإعلان عن فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي عقدت في الثالث من نوفمبر العام 2020، بدأت دول العالم تتحضّر للقادم، بين من اعتبره أفضل من سابقه ترامب، بالنسبة لقضية بلاده، وبين ما تشاءم بمجيئه، لكن الدول على العموم لا تتعامل بالعواطف، بل بالمصالح، وعليه كان لا بد من قراءة الواقع بشكل منطقي عقلاني في كل بلد، قبل اتخاذه لأي خطوة قد ترتدّ سلباً أو إيجاباً، خلال السنوات الأربعة القادمة، والتي قد تطول لـ8 سنوات، لو انتصر بايدن في الجولة الثانية من رئاسته، على عكس سلفه.  


توصيات من خبراء


وانطلاقاً من ذلك، كان الشرق الأوسط قد بدأ بالتحضير للقادم، سواء أكان عبر اتفاقيات السلام مع إسرائيل، أو عبر بيان العلا للمصالحة بين السعودية وشركائها من طرف، وقطر ومن لفّ لفيفيها من طرف آخر، كما جاءت توصيات جانبيّة من بعض الخبراء بعدم التصادم مع بايدن في الملف الإيراني، كالنصيحة التي أوصى بها السفير الأمريكي المنتهية ولايته لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، في منتصف يناير الماضي، أي قبل أيام من تنصيب بايدن رئيساً.


اقرأ أيضاً: نساء تركيا بين مطرقة الإهانة وسندان تشريعات (العدالة والتنمية)


إذ نصح فريدمان المسؤولين الإسرائيليين، بالتريث وعدم المواجهة الفورية مع جو بايدن على الساحة الإيرانية، قائلاً أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، إنّ تل أبيب يجب أن تجري حواراً هادئاً مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وبالفعل، لم تمر إلا أيام قليلة، حتى أعلمت إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، (في السابع عشر من يناير)، مسؤولين إسرائيليين بأنّها باشرت اتصالات سرية مع مسؤولين إيرانيين للعودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما يتوافق مع تقديرات إسرائيلية سابقة، بأنّ الولايات المتحدة وإيران أطلقتا حواراً غير مباشر.


بايدن ونتياهو


فرملة من إدارة بايدن


لكن وأياً كانت النوايا، فإنّ الوقائع لها حديث مختلف، فحتى لو رغب بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي، فإنّ لذلك متطلبات وشروط، وإدارة الكهل المتغلغل بعالم السياسة على مدى عقود، أبعد ما تكون عن الاستعجال في موضوع كذاك، لتعمد أفريل هاينس، مرشحة الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، إلى نفي العودة القريبة إلى الاتفاق النووي مع طهران، وذلك في التاسع عشر من يناير.


اقرأ أيضاً: (ملياراتنا مقابل السفينة الكورية).. القرصنة الإيرانية تصل للبحار


قائلةً أثناء جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ، إنّ "الرئيس المنتخب أكد أنّه في حال عادت إيران للالتزام بالاتفاق، فإنّه سيأمر بأن نقوم بخطوة مماثلة، ولكن بصراحة نحن ما نزال بعيدين عن ذلك"، مع تشديدها على أنّ إدارة بايدن لا تنوي الاكتفاء بالملف النووي، وإنّما ستهدف إلى مناقشة قضايا أخرى خلال دراسة العودة إلى الاتفاق، وأردفت: "يجب أن نبحث أيضاً المسائل المتعلقة بالصواريخ البالستية الإيرانية.. وغير ذلك من الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران".


آمال إيرانية كبيرة ببايدن


أما طهران، فقد استقبلت نصر بايدن بارتياح كبير، رغم ما كانت تدّعيه من عدم اكتراثها بمن يفوز في الانتخابات الأمريكية، إذ رفع فوز بايدن آمال سلطات طهران بإزالة العقوبات عنها، وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في العشرين من يناير، يوم تنصيب بايدن رئيساً، عندما قال إنّ اليوم هو "نهاية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، المستبد"، مشيراً إلى أنّ طهران "تأمل ممن يتسلّم السلطة في البيت الأبيض، العودة إلى القانون والالتزامات الدولية"، زاعماً أنّه "في حال أثبتت إدارة بايدن مصداقية في العودة إلى التزاماتها، ستقابل برد إيجابي من إيران".


اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي يُوجّه أوروبا لدروب وعرة ومُنزلقات خطيرة


بينما أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنّ تنفيذ بلاده كامل بنود الاتفاق النووي مرهون برفع الولايات المتحدة الحظر عن طهران وتنفيذ تعهداتها بالاتفاق، قائلاً: "إذا قامت الولايات المتحدة برفع الحظر وتنفيذ تعهداتها في إطار الاتفاق النووي، فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدّة في المقابل لأن تضع على سلّم أعمالها تنفيذ كامل بنود الاتفاق أيضاً".


العودة لكن بشرط واشنطن


بيد أنّ العودة لن تكون بالسير الذي تمناه روحاني، فقد أكد البيت الأبيض عقب يوم من تصريح الرئيس الإيراني، أنّ إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تسعى إلى تشديد القيود المفروضة على برنامج إيران النووي، مُطالباً طهران بالعودة إلى تطبيق كافة التزاماتها حسب الاتفاق النووي، وقالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، في أول موجز صحفي عقدته: "على إيران العودة إلى الامتثال للقيود النووية الملموسة المفروضة عليها بموجب الصفقة المبرمة، من أجل مواصلة المضي قدماً".


اقرأ أيضاً: عودة ميمونة لبطل قومي.. نافالني يصيب عصافير عدة بحجر واحد


فيما طالب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في الثامن والعشرين من يناير، إيران بالعودة للالتزام باتفاقها النووي قبل أن تقوم واشنطن، التي انسحبت من الاتفاق في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بخطوة مماثلة، وذلك في أول تعليق له بشأن إيران بصفته وزيراً للخارجية، إذ أكد بلينكن على سياسة الرئيس جو بايدن المتمثلة في أنّه "إذا عادت إيران للالتزام الكامل بتعهداتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فستفعل الولايات المتحدة نفس الشيء".


طهران تتوجّس من الشرط


شرطٌ يبدو أنّ طهران توجّست منه، إذ قال حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني، عقب تصريح بلينكن، بأنّ فرض الولايات المتّحدة شروطاً على طهران للعودة إلى الاتفاق النووي "لن يكون مجدياً"، وأضاف على "تويتر": "يلقي وزير الخارجية الأمريكي نظرة علی إرث ترامب المشؤوم من خلال فرض الشروط لأجل عودة بلاده إلى التزاماتها في القرار 2231".


فيما اعتبر مساعد رئيس البرلمان الإيراني، أمير عبد اللهيان، أنّ إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تريد الإيقاع بإيران في فخ المفاوضات، وأنّ هذا يعني "التفاوض على كل شيء"، قائلاً: "تفاوضنا سابقاً مع جزء من فريق بايدن ولا معنى للتفاوض معه مجدداً، لسنا متفائلين بتغيير سلوك أمريكا تجاه إيران في عهد بايدن وهي لا تفكر سوى بمصالحها".


اقرأ أيضاً: الانقلاب الأبيض يفضح ترامب.. وأمريكا تنتصر على عدوّها الداخلي


بينما اعتبر رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أنّ موقف إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، حيال إيران، "مخيب للآمال"، وادّعى قاليباف أنّه يتعيّن على إدارة بايدن "إلغاء العقوبات بشكل فاعل، بدلاً من وضع شروط مسبقة لتنفيذ تعهداتها في الاتفاق النووي"، لافتاً إلى أنّه "إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تؤمن بالاتفاق النووي، عليها أن تثبت التزامها به بشكل عملي".


أخذ ورد بين واشنطن وطهران


أما موسكو، فقد اعتبرت وزارة الخارجية الروسية، في الرابع من فبراير الجاري، بأنّ الإدارة الأمريكية الجديدة توجّه إشارات تؤكد فيها استعدادها للعودة إلى الاتفاق حول برنامج إيران النووي، وفق المتحدّثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي قالت في مؤتمر صحفي: "توجّه واشنطن إشارات معينة تشير لاستعدادها المبدئي للعودة إلى الصفقة النووية، لكن كل ما نراه حالياً هو تبادل انتقادات بين الولايات المتحدة وإيران حول الطرف الذي يجب عليه اتخاذ الخطوة الأولى".


اقرأ أيضاً: كُلّ مَن يُعارض أردوغان (إرهابي).. مُثقفاً أكان أم أمياً


خطوة أولى تكابر واشنطن في السير نحوها كسيدة للعالم تسعى للعودة إلى موقعها السابق، الذي خسرت جزءاً منه نتيجة لسياسات ترامب، فيما تجد طهران نفسها أكبر من أن تتخذها، كونها ترى نفسها هي الأخرى قوة إقليمية تُقارع من تسميهم بـ"قوى الاستكبار العالمي"، إذ سيهزّ عودتها أولاً إلى بنود الاتفاق النووي، صورتها الداخلية التي تسعى من خلالها لبرهنة نظريتها "المُمانعة" في وجه ما تعتبره "غطرسة أمريكية"، ولكن أياً كان من سيخطو أولاً للعودة للاتفاق النووي، يبدو أنّ العودة شبه مؤكدة لتبقى المعضلة في مَن سيتنازل أولاً لتنفيذ شروط الآخر.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!