الوضع المظلم
الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • عودة ميمونة لبطل قومي.. نافالني يصيب عصافير عدة بحجر واحد

عودة ميمونة لبطل قومي.. نافالني يصيب عصافير عدة بحجر واحد
نافالني

بعد فشل محاولة اغتياله منتصف أغسطس الماضي، باستخدام إحدى الغازات السامة، وتسمّى "نوفيتشوك"، قرّر المعارض الروسي، أليكسي نافالني، العودة إلى روسيا، لمواجهة الجهات التي حاولت اغتياله، والتي تؤكد الشبهات أنّ النظام الروسي من يقف وراءها، للتخلّص من أحد أعتى خصوم بوتين المحليين، وعليه قرر نافالني العودة إلى حلبة الصراع مع بوتين عقب الكبوة السابقة، فيما يبدو أنّها فرصته الذهبية لهزّ عرش بوتين، بإبراز نفسه كمُضحٍ شجاع يُواجه الصعاب والتحديات، كرمى عيون الروس الخضراء، حتى لو كان ثمنها حياته.


بوتين يسحب البساط


مُخطط يبدو أنّ بوتين أدركه، وأدرك معه أنّ عودة نافالني بتلك الصورة ستكون ميمونة لخصمه، وتعيسة عليه، ليختار سيد الكرملين أن يحرم نافالني من ذلك المشهد المهيب الذي كان يتوقعه، من خلال احتشاد الآلاف لاستقباله استقبال الأبطال، عبر اعتقال نافالني فور هبوطه من الطائرة، في السابع عشر من يناير، دون السماح له بالاحتكاك مع مؤيديه الذين كانوا ينتظرونه خارج مطار "شيريميتفو"، شمالي العاصمة موسكو، قادماً من ألمانيا، عقب 5 أشهر من العلاج في برلين.


اقرأ أيضاً: ومرّت ذكراك يا سليماني وأنت تنتظر الثأر.. وستنتظر طويلاً


وبطبيعة الحال، يبدو أنّ لنافالني علاقات طيبة مع الغرب، والمُعتقد أنّهم شجعوه في مسعاه ذاك لهزّ عرش بوتين، لكن سرعة الأخير في اعتقال الأول، وحرمانه من التحوّل إلى بطل قومي روسي، أصاب القوى الغربية بالاستياء، فصدرت العديد من المواقف المستهجنة لاعتقال نافالني، خاصة أنّ موسكو برّرت اعتقاله بقضية جنائية وليس سياسية، وبالتالي استصغار قدر المعارض، واعتباره فارّاً من حكم جنائي بحقّه، إذ حُكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بجرم الاحتيال، وهو ما أشار إليه بيان لمصلحة السجون الروسية، عندما قال إنّه "تم توقيف المواطن نافالني بموجب ورود اسمه في قائمة المطلوبين إثر انتهاكه بشكل ممنهج الإفراج المشروط عنه، ما يقتضي ضبطه وإحضاره".


نافالني وبوتين


نافالني يحشد آلاف المتظاهرين


لكن ومن قال إنّ اعتقال نافالني لم يكن ضمن الخيارات المحسوبة مُسبقاً من قبله، فربما الاعتقال بحد ذاته كان من ضمن الأهداف التي وضعها الرجل لنفسه، للإيقاع بالنظام الروسي في فخ المواجهة مع الشعب، وهو ما جرى حقاً، عندما تحدّى آلاف الأشخاص قرار السلطات منع التجمع، في الثالث والعشرين من يناير، متظاهرين في موسكو دعماً لنافالني.


ولم يقتصر الأمر على تأييد نافالني، بل ردّد المتظاهرون وسط موسكو شعارات عديدة كـ"روسيا ستكون حرة"، لترد عيه السلطات باعتقال العشرات، من بينهم  زوجة نافالني، ليفتح الحدث باب الإدانات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، شجباً لما وصفوه بـ"الحملة المنظمة" لقمع حرية التعبير في روسيا، إذ قالت المتحدّثة باسم السفارة الأمريكية في موسكو، ريبيكا روس، إنّ "السلطات الروسية تعتقل المتظاهرين السلميين والصحفيين - حملة منسّقة لقمع حرية التعبير والتجمع السلمي"، مضيفةً: "يستمر هذا لسنوات من تشديد روسيا للقيود والإجراءات القمعية ضد المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة والمعارضة السياسية".


اقرأ أيضاً: نساء تركيا بين مطرقة الإهانة وسندان تشريعات (العدالة والتنمية)


فيما قالت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان لها، إنّ المملكة المتّحدة "تشعر بقلق بالغ إزاء اعتقال المتظاهرين السلميين"، داعية "الحكومة الروسية لاحترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان والامتثال لها، والإفراج عن المواطنين المعتقلين خلال المظاهرات السلمية"، وهو ما ذهب إليه مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عندما كتب في حسابه عبر تويتر: "أستنكر عمليات الاحتجاز الواسعة النطاق، والاستخدام غير المتناسب للقوة، وقطع الاتصال بالإنترنت والهاتف".


10 آلاف مُعتقل في سجون بوتين


وبعد قرابة الأسبوع من توقيف نافالني، اعتقل أكثر من عشرة آلاف شخص في روسيا، بحسب منظمة “أو في دي إنفو”: أربعة آلاف منهم في 23 يناير، و5700 خلال تظاهرات 31 يناير، و1400 في الثاني من فبراير، بعد الحكم على أليكسي نافالني بالسجن مع النفاذ، وأضافت المنظمة: “من الصعب جداً على المحامين والخبراء القانونيين الوصول إلى مراكز الشرطة، لا يدعون أحداً يدخل، لقد أصبح هذا الأمر منهجياً”.


وقال غريغوري دورنوفو، المسؤول في المنظمة الروسية غير الحكومية، إنّ العديد من المتظاهرين ظلّوا مكدّسين في حافلات “في ظروف رهيبة وخانقة وبدون طعام أو التمكّن من الذهاب إلى المرحاض لساعات طويلة”، فيما لجأت السلطات لاستخدام أساليب أخرى لردع الروس عن المشاركة في الاحتجاجات المؤيدة لنافالني، فقد أكد رئيس لجنة التحقيق ألكسندر باستريكين، أنّه سيجري التحقق مما إذا كان الرجال الذين أوقفوا قد أدّوا خدمتهم العسكرية، وهي إلزاميّة في روسيا.


اقرأ أيضاً: (ملياراتنا مقابل السفينة الكورية).. القرصنة الإيرانية تصل للبحار


وخلال تلك التظاهرات، وقعت صدامات عنيفة في مجموعة من المدن أدّت إلى وقوع إصابات، في أكثر من 65 مدينة روسية، رفع المتظاهرون شعارات دوّن عليها عبارات مثل "روسيا حرة" و"واحد من أجل الجميع والجميع من أجل واحد"، في إشارة إلى نافالني، والأكثر فرادة، إشارة الشعارات إلى فلاديمير بوتين شخصياً، إذ وصفه متظاهرون في هتافاتهم بأنّه "لصّ"، وطالبوه في هتافات أخرى بـ"الرحيل".


بوتين أكل الطعم


ولعلّ ما يعزّز فرضية أن تكون عودة نافالني إلى روسيا مع علمه بأنّه سيعتقل، "طُعماً" أكثر من كونه "تضحيةً" من المعارض الروسي، ما قاله فيودور كراشينينيكوف، المستشار السياسي المُقرّب من نافالني، نهاية يناير الماضي، عندما أوضح أنّ "خطة نافالني بسيطة للغاية وتتمثّل في أن يصبح المصدر الأول للإزعاج للرئيس بوتين، وأن يكون من خلال شجاعته مصدر إلهام لحراك من شأنه أن يؤدي إلى إحداث تغيير سياسي"، مضيفاً، كما جاء في تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية: لو كان نافالني قد قرّر عدم العودة، لكان ذلك بمثابة انتصار لبوتين"، فيما أشار مؤيدو تلك الاستراتيجية، أنّها يمكن أن تؤتي ثمارها حتى لو تم سجن نافالني لسنوات.


اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي يُوجّه أوروبا لدروب وعرة ومُنزلقات خطيرة


ويوضح هؤلاء أنّ نافالني يراهن على إمكانية دفعه لعدد كافٍ من أنصاره إلى الشوارع هذا العام، ليظهروا أنّه لن يتم ترهيبهم، ووفقاً لمصدرين مقرّبين من القيادة الروسية، تحدّثاً لـ"بلومبرغ"، شرط عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة أمور ليست عامة، فقد قالا إنّ "الكرملين الآن عاقد العزم على إبقاء نافالني في السجن لعدة سنوات أو أكثر، خروجاً عن ممارساته المألوفة السابقة المتمثّلة في إصدار أحكام بالسجن عليه لا تزيد عن بضعة أسابيع في كل مرة".


وفيما تأمل السلطات الروسية في أن يخسر نافالني حاضنته، عقب سجنه طويلاً، يأمل المُعارض البارز أن يزيد سجنه من حالة الاحتقان ضد بوتين في الشارع الروسي، وبالتالي القضاء على جزء من شعبيته، خاصة مع التحضير للانتخابات البرلمانية التي سوف تعقد في سبتمبر المقبل، وعليه، ستكون تلك الانتخابات حدّاً فاصلاً ربما ما بين حياة بوتين السياسية المديدة، أو فقدانه لجزء منها، والتي قد توسّع الآمال بإيجاد نهاية لها كلها.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!