الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • (ملياراتنا مقابل السفينة الكورية).. القرصنة الإيرانية تصل للبحار

(ملياراتنا مقابل السفينة الكورية).. القرصنة الإيرانية تصل للبحار
السفينة الكورية بإيران

ليس جديداً أن يعمد النظام الإيراني إلى اغتيال معارضيه في الخارج، أو قصف الدول المجاورة، أو تشكيل المليشيات لتصدير ثورته المزعومة، أو إعدام من تسوّل له نفسه التلفظ ببنت شفة عن أركان حكمه، كما أنّه ليس بجديد أن تعمد طهران إلى اعتقال السياح والباحثين الأجانب الذين يقدمون إليها بقصد إعداد أبحاث علمية أو تاريخية، بذريعة أنّهم عملاء استخبارات أجنبية، بغية المساومة على الإفراج عنهم، لقاء إفراج دولهم عن مجرمين معتقلين لديها، متورّطين غالباً في ارتكاب مجازر داخل إيران، أو اغتيالات وأعمال تجسس لصالح طهران في الدول التي يُعتقلون فيها. القرصنة الإيرانية


اقرأ أيضاً: انتباه.. تركيا تستدير وتتراجع إلى الخلف (الجزء2)


لكنه، ربما كان جديداً أن تعمد السلطات الإيرانية إلى احتجاز سفينة كاملة بما فيها ومن عليها، بذريعة واهية، باعتراف مسؤولي النظام الإيراني أنفسهم، دون أن تردعهم خشية من عقاب خارجي او غضب داخلي، في وقت تعيش فيه البلاد أوضاع صعباً، ناجمة أساساً عن سياسات طهران التوسعية والعدوانية بحق دول المنطقة، فيما لم تكن عملية القرصنة التي طالت السفينة الكورية، إلا تعبيراً حقيقياً عما قد تصل له سلطات الملالي في طهران، لو أتيح لها المجال لتتمدد أكثر.


نووي إيران


ذريعة واهية


ففي الرابع من يناير الماضي، استفاق العالم على نبأ احتجاز القوات الإيرانية، لسفينة ترفع علم كوريا الجنوبية، عقب انطلاقها من ميناء سعودي، في مياه الخليج العربي، بذريعة "انتهاكها قوانين الملاحة، وتلويث المياه"، إذ أعلن الحرس الثوري الإيراني أنّ السفينة التي احتجزها، تحمل اسم "هانكوك"، وترفع علم كوريا الجنوبية، وكانت قد انطلقت من "ميناء الجبيل السعودي"، متوجهة صوب كوريا الجنوبية، وتحمل 7200 ألف ليتر إيثانول، وكانت تقل بحارة من كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، والفيتنام، وميانمار" (يبلغ عددهم 20 فرداً)، حيث نقلت السفينة إلى ميناء بندر عباس على الخليج، لتشكيل ملف قضائي بحقها، واحتجز كافة البحارة الذين كانوا على متنها.


السبب الحقيقي للاحتجاز


لكن تلك الذريعة الواهية لم تنطلِ على أحد، خاصة في ظل ما كانت تشهده العلاقات بين كوريا الجنوبية وإيران من توتر، على خلفية احتجاز كوريا أموالاً إيرانية مجمدة، ورفضها تسليمها إلى طهران امتثالاً للعقوبات الأمريكية، فقد قال محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، قبل أسبوع من احتجاز السفينة، إنّ "كوريا الجنوبية تحتجز 7 مليارات دولار وتطالب طهران بتكلفة لاحتجازها".


اقرأ أيضاً: أردوغان والكرسي.. كل شيء للبقاء في السلطة


ولعلم القاصي والداني أنّ القضية ليست تلويثاً للمياه، بل أموال إيرانية تسعى طهران لابتزاز سيئول عليها، ومساومة السفينة بها، دعت الخارجية الأمريكية طهران إلى الإفراج الفوري عن الناقلة، وقال ناطق بالخارجية الأمريكية بأنّ إيران تهدّد حرية الملاحة في الخليج وتهدف إلى تخفيف العقوبات عليها بالابتزاز.


جهود دبلوماسية


ومعها، بدأت وزيرة خارجية كوريا الجنوبية جهوداً دبلوماسية لتحرير الناقلة، لتستدعي وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، في الخامس من يناير، السفير الإيراني، سعيد بادامشي شابستاري، للاحتجاج على احتجاز الناقلة، إذ أعربت خلاله الوزارة عن "أسفها"، فيما حاول النظام الإيراني التهرب من الربط الذي بدأ الحديث عنه بين أموال طهران المجمدة في كوريا والسفينة، فزعم متحدث باسم الحكومة الإيرانية أنّ سيئول هي من "ترتهن" 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية، وأضاف علي ربيعي: "أصبحنا معتادين على مثل هذه المزاعم.. لكن إذا كانت هناك دولة تمارس القرصنة فهي كوريا الجنوبية التي ما تزال تحتجز سبعة مليارات دولار من عائداتنا بلا أي سند".


اقرأ أيضاً: عفرين.. ثلاث سنوات من وهم الانتصار التركي-الإخواني


وللنفاذ من المساومة الإيرانية، حاولت كوريا الجنوبية البحث عن سبيل قد يرضي طهران، فقالت إنّ مفاوضات تجري بينها وبين إيران بشأن استخدام أرصدة طهران المجمدة لديها لشراء لقاح فيروس كورونا لتلبية احتياجات إيران، وقالت الحكومة الكورية الجنوبية إنّه "لما كان لقاح كوفيد-19 يندرج ضمن فئة المعاملات الإنسانية، فقد منحت الحكومة الأمريكية موافقتها الاستثنائية على استخدام أرصدة إيران المجمدة لدى كوريا الجنوبية لشراء جرعات من لقاح كوفيد-19، لكن إيران لم تتوصل بعد إلى قرار في هذا الشأن"، فيما لم يعنِ ذلك للنظام الإيراني بشيء، فقد قال خامنئي في الثامن من يناير، إنّ استيراد اللقاحات الأمريكية أو البريطانية أمر ممنوع.


اقرأ أيضاً: أوروبا تستفيق مُتأخرة على استغلال الإسلام السياسي لقوانينها


في حين بدأت طهران البحث عن طرق لأخذ الأموال بطريقة غير مباشر، مع إدراكها بأنّ الأمل شبه معدوم بالإفراج عن أموالها رغم الابتزاز، فتقدمت طهران بعرض للأمم المتحدة، في الثامن عشر من يناير، لدفع مستحقاتها المتأخرة من أموالها المجمدة لدى سيئول، والتي تبلغ قيمتها نحو 16,2 مليون دولار، في أعقاب طلب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، من رئيس الجمعية العامة للهيئة، تقييد حق تصويت 10 دول أعضاء في المنظمة بسبب تأخر دفع ما يترتب عليها من مستحقات، من بينها إيران وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان. القرصنة الإيرانية


إقرار إيراني بالابتزاز


ولأنّ درب الابتزاز قصير، وله نهاية حتمية ستكون وخيمة غالباً، أقرّ النظام الإيراني على لسان عدد من مسؤوليه، بأنّ قرصنة السفينة الكورية جرت بدوافع الابتزاز والمساومة، وليس الخشية على البيئة كما كانت تدّعي، إذ دعا وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في الحادي عشر من يناير، السلطات في سيئول إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، لإزالة القيود المفروضة على أصول النقد الأجنبي الإيرانية لدى المصارف الكورية الجنوبية.


اقرأ أيضاً: ومرّت ذكراك يا سليماني وأنت تنتظر الثأر.. وستنتظر طويلاً


فيما جاء تصريح صادر عن مجتبى ذو النور، العضو في البرلمان الإيراني، في التاسع والعشرين من يناير، ليفضح القضية للعلن، وبجلاء لا غبار عليه، عندما دعا كوريا الجنوبية للإفراج عن الأموال الإيرانية، مؤكداً أنّ ذلك قد يدفع القضاء الإيراني لحل مشكلة احتجاز سفينة كورية، إذ أوردت وكالة (إرنا) على لسانه، ذكره: "بالرغم من أنّ احتجاز السفينة الكورية كان بسبب التلوث البيئي.. فإنّ التحرّك الكوري لتسريع إعادة الأموال الإيرانية المحجوزة قد يؤثر على قرار القضاء في حل مشكلة احتجاز السفينة"، وذلك خلال اجتماع افتراضي مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية والوحدة في البرلمان الكوري الجنوبي.


اقرأ أيضاً: نساء تركيا بين مطرقة الإهانة وسندان تشريعات (العدالة والتنمية)


ويبقى أن يقال، إنّ نظاماً يجوّع شعبه بسياساته الخارجية، التي جلبت له غضب المحيط الإقليمي والقوى العالمية، ودفعت باقتصاد بلاده نحو الحضيض رغم ما يمتلكه من ثروات باطنية ونفطية، هو أبعد ما يكون عن الاهتمام بالبيئة ونظافة مياه الخليج العربي، وربما كان على طهران أن تجد مبرراً آخر لتقنع به أقلها حلفائها بأنّها لا تبتزّ ولا تساوم، ولا تقوم بالقرصنة، وأغلب الظن أنّ سيؤل لن تفرج عن أموال طهران ولن تخضع للابتزاز، لكنها وغيرها من دول العالم ستلجأ إلى حماية أكبر لمصالحها في المنطقة، ما قد يضاعف التواجد العسكري العالمي بالمنطقة مستقبلاً، لحماية مصالح الدول من القرصنة الإيرانية. القرصنة الإيرانية


ليفانت-خاص ليفانت


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!