الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
كيف رسمت الولايات المتحدة وروسيا منطقة آمنة لـ تركيا؟
كيف رسمت أمريكا وروسيا منطقة آمنة لـ تركيا؟

رغم مواقفهم المتباينة في بداية الحرب السورية، نتيجة دعم روسيا للنظام في مواجهة الحراك الاحتجاجي، ومساندة أمريكا وتركيا للمجموعات المسلحة المعارضة، بيد أن اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا في الرابع والعشرين من نوفمبر\تشرين الثاني العام 2015، قبل المفاهيم وغيّر الموازين، أبعد الحادت واشنطن من الصراع، فيما أستطاعت تركيا الوصول إلى تفاهمت معينة مع روسيا حول مستقبل سوريا، يمكن تلخصيها في بقاء النظام الحاكم في دمشق، ومنع الكُرد السوريين من الاستحواذ على أي حقوق دستورية واضحة في مستقبل البلاد.


وفي ذلك سياق، يمكن للمتلقي استيعاب الأخبار المتواردة من شمال سوريا، والتي توضح بصورة لا لبث فيها، تحول الروس والأمريكيين إلى راسمين لخطوط المنطقة الآمنة التي لطالما دعت لها أنقرة في شمال سوريا، إذ قالت الوكالات أن الطريق الدولي الحسكة – حلب، قد جرى افتتاحه اليوم الاربعاء، بعد استكمال انتشار وحدات من قوات النظام السوري.


رسم الحدود..


وقالت قناة روسيا اليوم الأربعاء، نقلاً عن "اللواء أحمد شريف أحمد" وهو قائد عسكري في قوات النظام بمحافظة الحسكة، إعلانه إعادة فتح الطريق الدولي الحسكة - حلب M4، بعد حصول تسريب لبعض بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا، والتي تتضمن سحب تركيا وفق هذه المليشيات الموالية لها لمسافة 4-5 كم شمال الطريق M4، كما تسحب "قسد" قواتها جنوب الـM4 وتمد تل أبيض ورأس العين بالكهرباء من محطة سد تشرين، علماً أن  طريق M4 يعتبر الخط الأهم الذي ينقل عبره النفط والحبوب الى الساحل والداخل السوري، فيما ستتكفل الشرطة العسكرية الروسية والقوات التركية بإجراء دوريات في فترات لاحقة، والتي يبدو أنها قد باتت حدوداً جديدة سيعهدها السوريون.


الحلم التركي..


فتلك الحدود، تمثل الحلم التركي منذ اليوم الأول للهجوم لهجومها على شمال سوريا في التاسع من أكتوبر، عندما قال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، تحت عنوان "على العالم دعم الخطة التي أعدتها تركيا من أجل شمال شرق سوريا"، إن بلاده ليس لديها هدف في شمال شرقي سوريا سوى القضاء على التهديد الذي يحدق بمواطنيها، مشيراً إلى أن إقامة المنطقة الآمنة سيمنح مليوني لاجئ فرصة العودة لديارهم.


مضيفاً أن "المنطقة الآمنة ستكون لصالح أوروبا أيضاً، لأنها ستحل مشكلتي العنف وحالة عدم الاستقرار اللتين تعدان من أسباب الهجرة غير المنظمة والتطرف، فضلاً عن ذلك ستتيح هذه الخطة حماية المواطنين الأبرياء في تركيا من هجمات تنظيم إرهابي آخر".


الإعلام الأوروبي يرفض..


لكن العديد من الصحف الأوروبية تناولت بالنقد الهجوم التركي على شمال شرق سوريا، كصحيفة "مانهايمار مورغن" الألمانية التي رأت في المشروع التركي سبباً لمزيد من البؤس والدمار في  المنطقة، وكتبت تقول: "تركيا تعتزم إغلاق حدودها وفي الوقت نفسه ترحيل ملايين اللاجئين إلى المنطقة الآمنة. وهناك يعيش ملايين الناس، وغالبيتهم من الأكراد. هذا يعني أن أردوغان يتطلع إلى تهجير جماعي. فالحرمان والبؤس سيزدادان. وكثير من الناس اليائسين سيحاولون بالتالي العبور إلى أوروبا. والمتسبب في ذلك سيكون أردوغان الذي أخذ مليارات اليورو من الاتحاد الأوروبي كي يخلص أوروبا من تدفق اللاجئين. لكن هذه العملية الحسابية تم ترتيبها بدون دونالد ترامب".


أما صحيفة "زيكسيشه تسايتونغ"، فاعتبرت أن الانسحاب العسكري الأمريكي أعطى لرجب طيب أردوغان تصريحاً مطلقاً لتنفيذ هجومه، وكتبت تقول: "إذا سحبت الولايات المتحدة الأمريكية وحداتها من المنطقة الحدودية التركية السورية، فإن الرئيس التركي له مجال مفتوح لشن هجوم على القوات الكردية. وما تحاول أنقرة تبريره بإنشاء ′منطقة آمنة′ لن يعدو أن يكون إلا حرباً ضد الأكراد. فالغزو العسكري سيؤدي بلا منازع إلى تصعيد والتسبب في مزيد من زعزعة المنطقة. والكارثة السورية سيُضاف إليها فصل آخر من الموت والدمار والتهجير. فمن يسمح في صمت بآلام وظلم جديدين في سوريا، فإنه يتحمل أيضا المسؤولية".


التحالف الدولي..


تلك التحذيرات، كان واضحاً أن مسؤولي الإدارة الذاتية قد أدركوها، إذ قال بدران جيا كُرد، مستشار الإدارة الذاتية في مقابلة صحفية في التاسع من أكتوبر، أن “جميع أبناء المنطقة من الأكراد والعرب والسريان والآشور يناشدون قوى التحالف الدولي والمجتمع الدولي ردع التهديد التركي الغاشم، الّذي يستهدف أمن واستقرار المنطقة الآمنة أصلاً”، كما كشف عن أن “بدء العملية العسكرية التركية يعني رفضاً ونسفاً كاملاً من قبل أنقرة للآلية الأمنية التي كانت تنفذ بشكلٍ جيد بين ثلاثة أطراف هم أنقرة والتحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية”، لافتاً إلى أن “أنقرة تعمل منذ البداية على التهديد والتصعيد لفرض وجودها في هذه المنطقة الآمنة، ويمكن اعتبار ذلك دعوة لاحتلال أجزاء أخرى من سوريا، فهي تدّعي أن تلك المنطقة لا تلبي طموحاتها”.


قوة احتلال..


فيما قالت مجلة "دير شبيغل"، الألمانية، في الثاني عشر من أكتوبر، إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخطط لإبقاء جيشه في سوريا بشكل دائم"، واصفة أنقرة بـ"قوة احتلال"، ومضت قائلة "حتى الآن، يتجاهل أردوغان التحذيرات من حمام دم، ويصر على إنشاء منطقة عازلة طولها 500 كيلومتر وعرضها 30 كيلومتراً لتوطين نحو مليوني لاجئ سوري".


وأوضحت المجلة "يمكن معرفة مخططات أردوغان المستقبلية مما حدث قبل كذلك في عفرين، حيث عملت تركيا كقوة احتلال وأنشأت منظومتها الإدارية الخاصة والأمن الداخلي"، ولفتت إلى أن "الهدف الأساسي لأردوغان من عدوانه هو وضع منطقة شمال سوريا تحت السيطرة التركية وإبقاء الجيش التركي فيها بشكل دائم".


تواطؤ أمريكي


أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فأكد موقفه المتمسك بانسحاب قوات بلاده من سوريا، مشيراً إلى أنه ليس من واجب الجنود الأمريكيين تأمين الحدود بين سوريا وتركيا، وقال في الثالث عشر من أكتوبر: “لتكن لهم حدودهم الخاصة بهم، لا أعتقد أن على جنودنا التواجد هناك خلال الـ50 سنة المقبلة لحماية الحدود بين تركيا وسوريا، في الوقت الذي لا نستطيع فيه حماية حدودنا الخاصة”.


وأضاف ترامب أنه “توجد الآن هناك منطقة عمقها 30 كيلومتراً على طول الحدود التركية”، في إشارة إلى “المنطقة الآمنة”، التي ترغب أنقرة بها، وتابع أن “الأكراد ينسحبون وهذا أمر جيد”.


الاتفاق الأمريكي التركي..


وفي السابع عشر من أكتوبر، أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، التوصل إلى اتفاق مع تركيا، لوقف عملياتها العسكرية في شمال سوريا، كاشفاً عن بنود الاتفاق خلال مؤتمر صحفي من العاصمة التركية أنقرة، بعد لقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، وتضمنت بنود عديدة ومنها التزام أميركا وتركيا بالتوصل لاتفاق سلمي بشأن المنطقة الآمنة في سوريا، تضمن أمن أنقرة والأكراد، وامتداد المنطقة الآمنة لعمق 32 كيلومتراً في سوريا من شرق الفرات وحتى الحدود العراقية، إلى جانب وقف العمليات العسكرية للسماح لـ قوات سوريا الديمقراطية بمغادرة المنطقة الآمنة، التي ستخضع لسيطرة القوات التركية في سوريا.


فيما اعتبر وزير الخارجية التركي، أن العملية العسكرية في شمال سوريا، حققت أهدافها، مشددًا على موقف بلاده بإقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، فيما مسؤول تركي كبير في تصريحات صحفية، إن تركيا حصلت على "ما تريده بالضبط" من الاجتماع مع نائب الرئيس مايك بينس.


الاتفاق الروسي التركي..


وعقبها بأيام، وتحديداً في الثاني والعشرين من أكتوبر، توصل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، لمذكرة تفاهم حول سوريا تقضي بنشر وحدات من الشرطة العسكرية الروسية شمال شرق سوريا وتطبيق اتفاق أضنة، وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الشرطة العسكرية الروسية ستشارك بتامين المنطقة الآمنة في سوريا والإشراف على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية.


وأوضح لافروف في ختام المباحثات بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سوتشي، أن الشرطة العسكرية الروسية ووحدات من قوات النظام السوري ستدخل منطقة العملية التركية بشمال سوريا، ابتداء من منتصف ليل 23 أكتوبر، مشيراً إلى أن موسكو وأنقرة اتفقتا على آلية مشتركة لمراقبة تنفيذ المذكرة حول سوريا، وأن روسيا وتركيا ستسيران دوريات مشتركة في “المنطقة الآمنة” بشمال سوريا.


فيما لم يتبقى أمام "قوات سوريا الديموقراطية" إلا إعلان التزامها الكامل بتطبيق وقف اطلاق النار مع الجانب التركي، وانسحاب مقاتليها من منطقة حدودية متفق عليها، وفق ما أكد قيادي كردي، تطبيقاً لاتفاق أبرمته واشنطن مع أنقرة، عقب أن قررت القوتان الدوليتان منح تركيا أراض سورية بحجج يعتبرها كثير من المراقبين واهية.


واهية..


واهية لدرجة أن دونالد تاسك، رئيس الاتحاد الأوروبي قال إن “اتفاق وقف إطلاق النار لا يثق به حتى المغفلون"، قائلاً: “ندين العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا”، فيما قالت الكتلة الأكبر في البرلمان الأوروبي إنه “يجب أن تتحمل تركيا العواقب الاقتصادية لسلوكها العدائي”، وجاء ذلك على لسان مانفريديني فوبير، رئيس مجموعة حزب الشعب الأوروبي (أكبر كتلة نيابية) بالبرلمان الأوروبي، بينما قال رئيس مجموعة اليسار الأوروبي الموحد: “يجب على أوروبا الاعتراف بحق الأكراد في الحكم الذاتي”.


اكتمال انسحاب..


فيما أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو في التاسع والعشرين من أكتوبر، عن اكتمال انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا قبل الموعد المحدد، قائلاً: تم "اكتمال انسحاب الوحدات المسلحة من الأراضي التي ينبغي إنشاء ممر أمني بها قبل الموعد، ودخلت هناك كل من حرس الحدود السوري والشرطة العسكرية الروسية".


من التاريخ العثماني..


وتعقيباً على العملية العسكرية التركية شمال سوريا، تناول الباحث نيك آشدون في مقال كتبه في موقع مجلة "فورين بوليسي" في الثاني عشر من نوفمبر، وأشار إلى أن التاريخ العثماني يزخر بقصص المُبعدين وحكايا المهجّرين وعمليات توطين اللاجئين، خصوصاً في سوريا التي كانت دائماً محل عبث العثمانيين بهندستها الديموغرافية، وجاء في التقرير: من ذلك التاريخ، يستلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قصة المنطقة الآمنة لإعادة توطين اللاجئين، ورغم أن اللاجئين الذين يقصدهم أردوغان هم سوريون في الأصل، إلا أن الصورة التي تعكسها سياسة التهجير التي اقترحها تحيل مباشرة إلى الماضي وعمليات تهجير ونقل السكان التي كانت تشرف عليها الإمبراطورية العثمانية من أجل فرض ديموغرافية محددة في المنطقة.


ويشبه اشداون، طرح أردوغان، الذي لم يلق قبولاً دولياً، بالعمليات التي كانت تعرف باسم سورغون (الترحيل أو النفي) خلال العهد العثماني، حيث كانت هذه العمليات تستخدم كشكل من أشكال الهندسة الديموغرافية ذات الدوافع السياسية، وقد تركت هذه الممارسات بصمة لم تمح في عدة مناطق ومنها شمال سوريا، حيث تخطط أنقرة لتوطين حوالي مليوني لاجئ سوري معظمهم مسلمون سنة، وهم من عرب حلب وإدلب، في مناطق يغلب عليها الأكراد والمسيحيون، وحتى بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وصعود الجمهوريين، لم تتغير تلك السياسة كثيراً في جوهرها حيث لعبت الهندسة الديموغرافية والتهجير القسري دوراً رئيسياً في تطور الجمهورية التركية.


متابعاً أنه وبعد القضاء على معظم المسيحيين في الإبادة الجماعية واتفاقية التبادل السكاني بين اليونان وتركيا سنة 1923، تحول الاهتمام إلى الأقلية الكردية الكبيرة التي أجبرت على الانتقال إلى المقاطعات الغربية، أي فرضت الهوية التركية عليهم، لتستكملها في سنة 1943 بإصدار قانون إعادة التوطين التركي (بوغروم تراقيا)، الذي هدف إلى “إنشاء دولة تتحدث بلغة واحدة، وتفكر بنفس الطريقة، وتتشارك في نفس المشاعر”، وذلك حسب تعبير وزير الداخلية آنذاك، شكري كايا.


مآسي..


ويبدو أن تحقيق تركيا لحلمها بمنطقة آمنة تقض بها مطاجع الكُرد في سوريا وحتى تركيا، عبر إنشاء خزان بشري قد يحوي مليوني إنسان سيصبحون مع الأيام مواليون أشد الولاء لأنقرة، ومستعدين ليكونوا وقوداً لحروبها كما هو الحال الآن، قد جاء على حساب مئات آلاف من السوريين ممن جرى تهجيرهم من تلك المناطق التي تنشئ عليها تركيا منطقتها الآمنة، في عفرين ورأس العين وتل ابيض وغيرها.


وفي ظل ابتزاز تركي للطرفين الروسي والأمريكي وسعي كل منهما لإبقاء أنقرة ضمن حظيرتها، يبدو أن مآسي السوريين سيطول حالها، كما ستطال غالباً لاجئين في تركيا، عبر تحويلهم لورقة ضمن صراع هم خارجه، وينبغي أن يبقوا خارجه.


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!