الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عيد النوروز  وكورونا
نماهين شيخاني

يصادف اليوم الأول للسنة الكردية (21 آذار)، العيد القومي لدى الشعب الكردي، وعدد من شعوب شرق آسيا، وهو في نفس الوقت رأس السنة الكردية الجديدة "Newroz". 

والنوروز من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الأكراد والفرس والآذريون. عيد النوروز وكورونا


ويصادف التحوّل الطبيعي في المناخ، والدخول في شهر الربيع، الذي هو شهر الخصب، وتجدّد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب الآسيوية، لكنّه يحمل لدى الأكراد بعداً قومياً، وصفة خاصة، مرتبطة بقضية التحرّر من الظلم، فوفق الأسطورة، كان إشعال النار رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم.

ويذكر إنّ هذا العيد يرمز في أساسه للصراع بين قوى الظلام والنور، أو الفضيلة والرذيلة، أو بمفهوم أكثر شمولية، الصراع بين الخير والشر، وتُنسب بداية فكرة النيروز إلى عصور ما قبل التاريخ. هذا العيد مقدّس لدى الكورد، ومن طقوسة، التزيّن باللباس الكوردي التقليدي من رجال ونساء، كبار وصغار، والاحتفال به، والخروج من البيوت إلى الطبيعة، وتحضير الأطعمة التقليدية، ويعدّ لدى الكورد عيداً قومياً، يحتفلون به في جميع أنحاء العالم.


ويلتبس الأمر لدى العامة ويعتقدون بأنّ لدى هذا العيد جذوراً متّصلة بالديانة الزردشتيّة وعبادة النار بسبب النيران التي تشعلها الشعوب المحتفلة في هذا اليوم. 

ويصف الشعب الكوردي هذا اليوم بعيد الربيع وعيد الارض، وفي هذا التاريخ بدأ الكورد تقويمهم بعدما أشرقت فيه شمس الحرية على جبال كردستان، تلك الحرية التي ناضل الكورد لأجلها على مرّ العصور.

في "ملحمة الملوك - شاهنامه"، يروي الفردوسي قصة البطل الكردي "كاوه الحداد" الذي قاوم وانتصر على ملك شرير يُدعي "الملك زهاك أو ضحاك" وبالعربية يُدعى "الملك التنين". كان لدى هذا الملك أفاعٍ على كتفيه لا تتغذى سوى على أدمغة الأطفال. سلب الطاغي أطفال كاوه الـ15 ولم يتبقَّ لديه سوى فتاة صغيرة. أراد الحدّاد أن يفدي ابنته بروحه فتوجّه الى قصر الملك وحاربه وانتصر بمطرقته على سيف الظالم. وأشعل النيران على سقف القصر وحمل شعلة بيده فعرف الأهالي أنّ مشعل الحرية ارتفع وأنّ شمس الـ21 من آذار هي ولادة جديدة وفصل يبشّر باللون الأخضر والفرح.

وعلى مرّ التاريخ، بات الكورد يحتفلون بنوروز كعيد قومي كوردي يثبّتون فيه هويتهم.


ويوضّح أستاذ التاريخ في جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل مولود إبراهيم: "إنّ الحدّ الفاصل بين الشتاء والربيع هو يوم مميز تحتفل به بعض الشعوب التي تتفق على تسميته "نوروز"، وهو اسم مركب يتكون من كلمتي "نوى وروز" ويعني يوماً جديداً".


ويضيف: "إنّ هذا التشابه يتعلّق بتقارب الأجناس، لذلك اختارته بعض الشعوب بداية لتقويمها السنوي، ومنها الشعب الكردي حيث يربطه بأساطير قديمة عن الثورة على الطغيان والتحرّر من الظلم والاستبداد".

ويرى الباحث والمؤرّخ كمال بابان إنّ خصوصيّة "عيد نوروز" بالنسبة للأكراد ترتبط بالأسطورة التاريخية التي تتحدث عن ثورة قادها كردي يدعى كاوا الحدّاد ضدّ ملك جائر متسلّط اسمه "زحاك" أنهت حكمه، فأطلق الثائرون اسم يوم الانتصار "نوروز" -ويعني يوماً جديداً- على ذلك اليوم.

وإنّ مظاهر الاحتفاء التي تبدأ ليلة العشرين من مارس/آذار تسمّى "ليلة نوروز" وهي تذكّر بتلك الثورة، وفيها يتمّ إشعال النار على قمم الجبال وفي الروابي والأماكن العامة.

وكانت النار توقد قديماً على أسطح المنازل في إشارة إلى حتميّة انتصار النور على الظلام، وهي دليل على فرحة التحرّر وانتزاع الحريّة كما يعتقد.

وأشار إلى أنّ أهازيج الفرق والدبكات الكوردية من أهم مظاهر الاحتفال بالمناسبة، حيث ينظّم مهرجان غنائي شعبي تتخلّله مقاطع شعريّة تتحدّث عن الثورات ضدّ الطغاة وتستمرّ حتّى ساعات متأخّرة من الليل. عيد النوروز وكورونا

وأكّد الباحث والمؤرّخ كريم شارزا: "إنّ الطقوس تستمر حتى صبيحة اليوم التالي، حيث يتوجّه الناس إلى البريّة لمعانقة الطبيعة، ويقيمون حلقات رقص تتشابك فيها الأيدي، وتعدّ لهذه الرحلات وجبات طعام تقليدية شهيّة".

إنّ مدن إقليم كردستان العراق وبقية المناطق الكردية في كل من تركيا وإيران وسوريا تصبح خالية من سكانها تماماً بهذه المناسبة، حيث يخرجون إلى الطبيعة، كما يحتفل المقيمون من غير الكورد في المناطق الكوردية بالمناسبة.


وذكر: "إنّ نوروز حاضر بشكل كبير في الأدبيات الكرديّة التي عبرت في حقب زمنية معينة عن الشعور القومي، ويظهر ذلك في العديد من القصائد التي تحاكي قصة نوروز وعلاقتها بالشعب الكوردي".


وبسبب ما يعيشه الكورد من حالة اضّطهاد في العديد من البلدان، فإنّهم يستغلّون هذا اليوم لإثبات وجودهم وعديدهم أينما حلّوا ولا تقتصر احتفالاتهم على الاراضي الكوردية المترامية الأطراف بل وصل الاحتفال الى المدن الأوروبية أيضاً.


وفي بعض الأحيان يرون فيه فرصة لإبداء مواقفهم السياسية ويضيفون بعض المظاهر السياسية للنوروز للتأكيد على هويتهم الذاتية وتسليط الضوء على تاريخهم.


ولا بدّ من الإشارة هنا إنّه في جلسة شباط 2010 م، قرّرت اليونسكو إدراج عيد النوروز في القائمة النموذجيّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 آذار بوصفه «يوم نوروز الدولي».


وفي الأربعاء، 11 آذار 2020، أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق فى بيان اليوم الأربعاء إلغاء احتفالات عيد النوروز المقرّرة في وقت لاحق هذا الشهر لمخاوف من انتشار فيروس كورونا، وأضاف البيان إنّه سيتمّ فرض قيود على سفر المواطنين والأنشطة التجارية. وهذه ليست المرة الأولى،  ففي 19 آذار 2018 أعلنت محافظة السليمانية الواقعة شمال العراق والتي تتبع لإقليم كردستان، الحداد ثلاثة أيام فضلاً عن إلغاء الاحتفالات بأعياد "النوروز" وذلك جرّاء سيطرة القوّات التركية على مدينة عفرين السورية.

يقترب شهر آذار حيث يحمل معه الكثير من المناسبات القوميّة والوطنيّة للكورد ولا سيما العيد القومي عيد النوروز، وللكورد نصيب دامي في هذا الشهر في أجزاء كردستان الأربعة حيث كانت لمدينة الحسكة الكوردستانية السورية نصيب كبير من الألم والدم وأصدرت الأحزاب السياسية الكوردية والقيادة العامة لقوات الأمن "الأسايش"، التابعة للإدارة الذاتية بيانات وتوضيحات إلى الجماهير بالالتزام التام بعدم إقامة الحفلات والتجمعات الحاشدة في هذا الشهر مهما كانت الأسباب، وتضامنت مع كافّة النداءات بهذا الصدد تفادياً لانتشار مرض كورونا الخطير الذي تحوّل إلى وباء عالمي. عيد النوروز وكورونا


وبهذه المناسبة نتذكر في 21أذار 1986 م استشهاد سليمان برصاص قوات الحرس الجمهوري, أثناء المسيرة الاحتجاجية التي قام بها شعبنا الكوردي إلى القصر الجمهوري، بعد منعهم من الاحتفال بعيد النوروز من قبل السلطات حينذاك وأصدر بعد ذلك رئيس الجمهورية مرسوماً اعتبر بموجبه يوم 21 آذار عطلة رسمية في البلاد بمناسبة (عيد النوروز) و إنّما بحجة (عيد الأم).


بصراحةً وبوضوح، لست مع الاحتفال "بعيد نوروز" في أي مكان كان (داخل أو خارج) ربما يسأل البعض إنّ نوروز عيد قومي ويجب أن نحتفل رغم كل الظروف وكل ما يحدث من مآسي وويلات، أقول وإنّ المآسي والحزن والألم يعتصر قلب كل كوردي. علينا أن نحترم دم الشهداء ودموع الأحياء وأنين الجرحى والمصابين.

كيف لنا أن نرتدي أزياء جديدة ووجه أطفال الكورد ممزوجة بالطّين والدّم ؟ 

كيف لنا أن نتناول أشهى وأفخر الأطعمة وقسم منا بلا ماء أو كسرة خبز وحتى بلا مأوى؟

والآن يرغمنا وباء فيروس كورونا إلغاء العيد وإلغاء الاحتفالات والتجمّعات والواجبات وحتى شرب الأركيلة في المقاهي. عيد النوروز وكورونا


وختاما أهديكم هذين البيتين بمناسبة النوروز:


هو النَّيرُوز أمَّك للتَّهَاني ... وللْبُشْرَى بمُقْتَبل الزَّمانِ (شعر)


يَحْلُوْ لَدَى النَّيْرُوزِ فِي الزَّهْرِ النَّدَى ... وَيَرُوقُ فِي الرَّوضِ المُحَيَّا الشَّائِقُ (شعر)


ليفانت - ماهين شيخاني


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!