الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الإقرار الروسي بتغيير ديموغرافية عفرين.. صحوة ضمير أم مصالح؟

الإقرار الروسي بتغيير ديموغرافية عفرين.. صحوة ضمير أم مصالح؟
تهجير أهالي عفرين \ أرشيفية

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


 



صرحت وزارة الدفاع الروسية أمس الثلاثاء\الثالث من مارس، بإن مزاعم ممثلي تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن تدفق ملايين اللاجئين من إدلب وتفاقم الأزمة الإنسانية هناك لا أساس لها من الصحة، وذلك على لسان رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء بحري أوليغ جورافلوف، د إلى تركيا لا يتجاوز 35 ألف شخص.



ولفت مركز المصالحة الروسي أن عدد المهجرين بشكل قسري من عفرين نتيجة عملية "غصن الزيتون" التركية قد بلغ نحو 250 ألف شخص، معظمهم أكراد، إضافة إلى نزوح أكثر من 135 ألف شخص، غالبيتهم أكراد أيضاً، من منظقة ما تسمى بـ عملية "نبع السلام" (في إشارة إلى القطاع المستولى عليه من قبل تركيا بين مدينتي رأس العين وتل أبيض).


وبغض النظر عن دقة الأعداد التي ذكرها المركز الروسي، كونها تعادل نصف ما يعلن عنه باستمرار الناشطون الكُرد في عفرين، أو المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يؤكد تهجير 300 ألف من منطقة نبع السلام، يطرح الحديث الروسي الجديد من نوعه حول عمليات تهجير تعرض لها المكون الكردي تحديداً في شمال سوريا استفسارات عدة.


فـ عفرين، المنطقة ذات الغالبية الكردية في أقصى شمال غرب سوريا، سيطرت عليها تركيا منذ منتصف آذار\مارس العام 2018، وذلك عقب اتهامات طالت روسيا من سكان المنطقة بخيانتهم منها، عندما تركتهم لقمة سائغة بيد الطائرات التركية الحربية والمسيرة على مدار قرابة شهرين، ويمكن الإشارة هنا إلى ما فعلته تلك الطائرات بالنظام السوري على مدار يومين فقط، في إدلب وسراقب، عندما سمحت روسيا لتركيا بصب جام غضبها على قوات النظام، عقب مقتل 36 جندي وفق الاعتراف الرسمي التركي في السابع والعشرين من فبراير، وعليه، يطرح السؤال ذاته، وهو: هل التذكير بـ عفرين من قبل روسيا صحوة ضمير، أم قول حق يراد به مصلحة؟



التلويح بالورقة الكردية



ليس الحديث الروسي عن عفرين بجديد في السياسة الروسية المُتبعة خلال السنوات الأخيرة على الأقل، فلطالما لوحت موسكو بالورقة الكُردية كبطاقة قوة يمكن استخدامه في وجه أنقرة متى أختلفت معها أو تضاربت مصالحهما، ولربما هي الورقة الأساسية التي قامت عليها اجتماعات الاستانة، والتي تم بموجبها تسليم حلب مقابل الباب، وتسليم أجزاء من أرياف دمشق وحمص وحماه وإدلب بما فيها مطار ابو الظهور العسكري مقابل استحواذ تركيا على عفرين، وبالتالي محاولة إضعاف مشروع "الإدارة الذاتية" والفيدرالية التي كانت تطالب بها، حيث تم فعلاً إيقاف المطالبة بالأخيرة عقب السيطرة التركية على عفرين.


وفي السياق، عقدت روسيا اجتماعات ماراثونية مع قادة من كُرد سوريا ووجهاء في القامشلي شرق سوريا نهاية العام 2019، تناولت المفاوضات مع دمشق، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة الشرق الاوسط، وأفادت مصادر بأن الوفد حمل «خريطة طريق» من عشر نقاط للتفاوض بين دمشق و«الإدارة الذاتية لشمال وشرق»، تضمنت «المشاركة الكردية في العمل باللجنة الدستورية السورية» و«تمثيل الحركة السياسية الكردية في الحكومة السورية»، أما النقطة الثالثة فتركزت على «انتشار حرس الحدود السوري على طول الحدود السورية الشمالية من معبر (سيمالكا) الحدودي حتى مدينة منبج بريف حلب الشرقي».


إقرأ أيضاً: أردوغان من إدعاء حماية اللاجئين السوريين إلى التملص من إطعامهم!


كما شملت الأفكار «إقامة حوار بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة السورية، وتشكيل لجان مشتركة اقتصادية وعسكرية» و«إصدار وثائق رسمية للأكراد» و«إصدار شهادات تعليمية رسمية لتلاميذ المدارس الكردية»، إضافة إلى التنسيق «للاستفادة من موارد الطاقة، وتحديداً سد الفرات في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة» و«خروج الجيش السوري من المدارس والمجمعات التربوية في المناطق الكردية»، ومن الأفكار الأخرى، «فتح الطريق البري الذي يربط مدينة حلب بالحدود العراقية مروراً ببلدة البوكمال» و«تذليل المخاطر والتهديدات الكردية والعمل على سلامة حواجز الجيش السوري المنتشرة شرقي الفرات».


لكن، كل تلك الأفكار التي لا تتصادم في المضمون مع وحدة سوريا، بل مع استبدادية السلطات وإنكارية أقطاب معارضة لم تقبل وفق المنظور الكردي بإطروحاتهم للحل السياسي في سوريا القائم على اللامركزية، نتيجة النفوذ الذي تتمتع تحديداً به أنقرة على القوى المعارضة الرئيسية التي تتسيد المشهد السوري المناوئ للنظام السوري.


ورغم مرور أشهر على تلك التسريبات، لم ترتقي حتى إلى مستوى بدء حوار رسمي بين الجانبين المتمثلين بالإدارة الذاتية التي تتخذ من عين عيسى مقراً لها، والنظام السوري من الجهة المقابلة، ما يعطي تبريراً للتخوفات الكردية السورية من استغلال روسيا لقضيتهم في سبيل ابتزاز أنقرة، ومحاولة الحصول على مكاسب تعني موسكو ودمشق بالدرجة الأولى على حساب القامشلي وعين عيسى وكوباني، والتي كانت سابقاً عفرين ضحيتها في منطقة النفوذ الروسية، وتل أبيض ورأس العين في منطقة النفوذ الأمريكية.


إقرأ أيضاً: ما علاقة اللاجئين السوريين بقصف روسيا للجيش التركي في إدلب؟


مخاوف عبر عنها في الثامن من يناير "أكرم حسو" المسؤول السابق في مناطق الإدارة الذاتية، عندما لمح لموقع محلي في شمال سوريا، إلى إن روسيا تجد في الورقة الكُردية و"الادارة الذاتية"، وسيلة ضغط قوية على تركيا لإجبارها على فصل الملف السوري والليبي عن بعضيهما، مقييماً تقديم روسيا لـ "خريطة طريق" مؤلفة من عشر نقاط للتفاوض بين دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بأنها "الانتهازية الروسية باغتنام الفرص"، قائلاً "خارطة الطريق المقدمة من قبل الروس للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا لا تشكل مرادفاً حقيقاً لما قدمته من خلال مسودة مشروعها المسلم لوزير خارجية أمريكا جون كيري في وائل 2016، وقبل البدء بجنيف 3، بل يمكن اعتبارها خطوة استباقية روسية تسهل عملية القضم السياسي قبل نفاذ الوقت الذي يصارع الروس لأجله، والمشابه للدعوة الروسية لاحزاب الحركة الكردية للقاء بهم في حميميم في نهاية كانون الأول 2016 وقبل انطلاقة استأنة، والتي كانت رسالة موجهة لتركيا أكثر من أن تكون للتقرب من الكُرد".



محاولة التوفيق بين النظام وتركيا



ورغم ما ادعته روسيا من سعيها بموجب تسريب الورقة المكونة من 10 نقاط، التي كانت تحمل الكثير من الإيجابيات للجانب الكردي، الباحث عن شرعية دولية، وإعتراف من دمشق، يسحب ذرائع تركيا بتكرار الهجوم على مناطق جديدة في شرق الفرات، ويمنحهم "الشرعية" للقتال بغية استعادة مناطق خسرتها سابقاً، يبدو أن المخاوف الكردية كانت حقيقة، ففي منتصف يناير، أي عقب الإعلان عن الورقة بقرابة الشهر، أعلن النظام السوري رسمياً وللمرة الأولى أن وفداً للنظام حضر اجتماعاً ثلاثياً (سورياً روسياً تركياً) في موسكو.


وادعى النظام بأنه طالب الجانب التركي بالالتزام الكامل بـ "سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها أرضاً وشعباً والانسحاب الفوري والكامل من الأراضي السورية كافة"، حيث حضر الاجتماع عن النظام السوري "علي مملوك" رئيس ما يسمى مكتب الأمن الوطني، و"حقان فيدان" رئيس جهاز المخابرات، فيما أشارت وسائل إعلام تركية بأن الجانبين أتفقا على مواجهة قوات سوريا الديمقراطية.


إقرأ أيضاً: كيف يسعى الناتو لتوريط أنقرة في مُواجهة موسكو؟


وقالت صحيفة “آيدنلك” التركية، في الخامس عشر من يناير، إن اللقاء الذي تم هذا الأسبوع بين رئيسا جاهز المخابرات التركي والتابع للنظام السوري بوساطة روسية في موسكو تم التوصل في الاتفاق بين النظام السوري والاحتلال التركي، مكون من 9 مواد، مشيرة إلى وجود تفاهمات حول التعامل في منطقة شرق الفرات، وفق موقع "زمان التركية"، وأوضحت الصحيفة أن اللقاء الذي جرى على هامش قمة لحل الأزمة الليبية، تناول أيضًا آخر تطورات الوضع في إدلب، مشيرة إلى أن النظام السوري متحمس لإعادة إصلاح العلاقات مع تركيا مرة أخرى، فيما علق الرئيس السابق لجهاز استخبارات أركان الجيش التركي، إسماعيل حقي باكين، على اللقاء، موضحًا أنه سيتم قريباً عقد لقاءات ثنائية بين البلدين، ولكنها ستكون مباشرة وعلنية.



إقرار علني تركي ببناء المستوطنات



إلى ذلك، لم يخشى الجانب التركي سابقاً من مخططاته الرامية للتغيير الديموغرافي شمال سوريا، فقد قالها الرئيس التركي صراحة في السادس عشر من يناير، بإعلانه بدء إنشاء مستوطنات لإعادة اللاجئين في القطاع الممتد بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، حيث قال أن بلاده بدأت بالفعل في تشييد ما وصفها بـ"المستوطنات" في المناطق التي تسيطر عليها أنقرة شمالي سوريا، وبالتالي لم ياتي الإتهام الروسي لأنقرة بطرد السكان الكُرد بجديد، سوى أنه أثبت أن موسكو وغيرها يتعامون عن جرائم مرتكبة في شمال سوريا، من قبيل التهجير القسري للسكان ودفع آخرين للأستيطان بدلاً عنهم، وهندسة الدموغرافية السورية بما يتماشى مع قلب أنقرة، وتقتضيه مصالحهم، فيلتزمون الصمت عند توافقها، ويعبرون عن خشية مزيفة عند تضاربها!


بل إن الرئيس التركي كان قد زاد في الشعر بيتاً فقال إن مناطق أخرى على طول الحدود التركية السورية "يمكن أن تؤوي مليون شخص" في إشارة إلى أن مخططه للتوسع في الأراضي السورية لن يتوقف عند حد معين، لو سمحت له الظروف.


وهو ما ذهبت إليه "إلهام أحمد" الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية عندما قالت في الثامن والعشرين من يناير، أن روسيا تستخدم بين الحين والآخر ملف شمال وشرق سوريا للضغط على تركيا في سبيل الحصول على تنازلات منها في ملفاتٍ أخرى، وقالت في تصريحات لوكالة كردية: "في الفترة الماضية تسرّبت إلى وسائل الإعلام وثيقة تضم بعض البنود على أنها مقدمة من حكومة موسكو إلى الإدارة الذاتية للتمكن من الاتفاق بموجبها مع الحكومة السورية، تلك الوثيقة غير موجودة وبعيدة عن الحقيقة، نحن لم نتلقَ من الحكومة الروسية أية بنود للاتفاق بموجبها مع الحكومة السورية".


إقرأ أيضاً: ماذا يعني أن تتزاحم مُدرعات أمريكية-روسية على طرق سورية؟


وأضافت أحمد: "لكن من المعروف أن حكومة موسكو في الكثير من الأحيان تُسرب بعض الأمور إلى وسائل الاعلام، لإعطاء صورة بشكلٍ غير مباشر لتركيا عن اتفاق ممكن مع النظام، وذلك بهدف الحصول على تنازلات من تركيا في ملفاتٍ مختلفة كملف إدلب أو ملفات إقليمية أخرى"، موضحة أن "إبراز الجدية  في الوساطة، ولعب دور الوساطة يجب أن يشهد حيادية في اتخاذ الموقف، وعدم التحيز لطرفٍ ما، لكن من المعروف أن الحكومة الروسية هي الداعم الأكبر للنظام السوري في جميع المحافل الدولية والداخلية، وتحيز الحكومة الروسية واضح لطرف النظام، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الانفتاح إلى حلٍ سياسي, على الرغم من أن روسيا مقتنعة تماماً بمبدأ اللامركزية كحل سياسي للأزمة السورية، لكنها وإلى الآن تتفادى هذا الطرح، وتدعم الخيار العسكري لحل الأزمة". 


ويبدو أن السوريين على مختلف تشكيلاتهم وتلويناتهم قد باتوا أوراق تستخدمها القوى الدولية التي تحتكر القرار السوري وفق أهوائها، ليدفع المهجرون من عفرين وغيرهم ثمن ذلك، فيما يسعى كل جانب من القوى الدولية والأقليمية لأن تكون حصته من الكعكة السورية أكبر، ومليئة أكثر بالمُقدرات، فيما يبدو ان تلاطم  السوريين سوف يستمر في دوامة حرب هدت كثيراً من نسيجهم الوطني، ولم تبقي منه إلا على رماد وطن!


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!