الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أزمة الغاز الخانقة تغيّر حياة السوريين وعاداتهم
أزمة الغاز الخانقة تغيّر حياة السوريين وعاداتهم

من ماراتون البحث عن أسطوانة للغاز إلى تفاصيل الحرمان في حال غيابها، تتنوع قصص السوريين بتفاصيلها الفريدة لتختصر المأساة الاجتماعية والاقتصادية التي يكابدها السوري، وتضاف إليها أزمة الغاز منذ أربعة أشهر إلى الآن والتي فرصت عليه خيارات محدّدة وصلت إلى درجة التحكّم بنوع طعامه وشرابه، ومواعيد طبخه.



فأسطوانة الغاز هي الوسيلة شبه الوحيدة لتوفير الغذاء للأطفال، وخصوصاً في ظل تقنين كهربائي يبلغ في العاصمة دمشق 12 ساعة يومياً، ويصل في الأرياف إلى 18 ساعة يومياً.


حول معاناته في الحصول على أسطوانة للغاز، في ظلّ الأزمة الحالية: يقول سامي الذي يعمل مهندساً في إحدى مؤسسات الدولة: "أحمل أسطوانة الغاز في صندوق السيارة منذ شهر تقريباً، ولم أفلح بمصادفة سيارة لتوزيع الغاز". فيما أوضحت  أم أحمد "ربة منزل" أنها "تداري بقايا أسطوانة في منزلها برمش العين، ومنعت على الأسرة استخدامها إلا للقهوة والشاي، في حين تطبخ ما تيسر لهم على الكهرباء في أوقات توفّرها".

وبات مألوفاً في الشارع السوري أن تجد أسطوانة الغاز محمولة على الأكتاف من قبل الشباب والكهول، وحتى من قبل النساء أحياناً، أو مركونة على الرصيف مع صاحبها بانتظار سيارة تحملها إلى وجهة ما، أملاً في الحصول على الأسطوانة المنشودة، لكن تعابير الوجوه غالباً ما تحمل علامات الخيبة والفشل وتضع الحصول على أسطوانة في خانة الحلم المستحيل.


الغاز بين الواقع والتصريحات الرسمية..

خلافاً للشتاء الماضي الذي اتسم بوعود متكررة وكاذبة عن حلول قريبة لأزمة الغاز الحادة التي شهدها عام 2019، لم تحمل تصريحات المسؤولين هذا العام أية وعود متفائلة بقرب انتهاء الأزمة، علما أن توجيهات صارمة صدرت بمنع المدراء من التصريحات بدون الحصول على إذن مسبق، وما تمّ نشره اكتفى بتبريرات خجولة وإعطاء أرقام متناقضة، وتفسيرات حول آليات توزيع الغاز، دون أن يكون لهذه التصريحات أية مفاعيل على الأرض.


حيث أكد وزير النفط علي غانم منذ أيام أن الإنتاج المحلي "يقتصر على 500 طن يومياً بما يعادل 50 ألف جرة يومياً، وهي كمية بالكاد تكفي لدمشق وريفها فقط، علماً أنها بحسب تقديرات الوزير تشكل 40% من حاجة السوريين للغاز المنزلي"، ولم يفصح الوزير إن كان يتم فعلياً استيراد الاحتياجات المتبقية، وكانت آخر التصريحات الحكومية قد أشارت إلى توقف خط الائتمان النفطي الإيراني بشكل كامل، كما أشارات إلى امتناع القطاع الخاص عن استيراد مادة الغاز.


وكان لافتاً أن وزير النفط صرّح بعد انهيار الليرة السورية ووصولها إلى أكثر من ألف ليرة سورية أن كلفة أسطوانة الغاز على الحكومة باتت تساوي 6500 ليرة سورية ، فيما السعر الرسمي الحالي البالغ 2800 ليرة سورية تم احتسابه على الدولار الرسمي 434 ليرة سورية.


السوق السوداء وآليات التوزيع

إذا كان الغاز يباع حصرياً بموجب البطاقة الذكية فمن أين يأتي الغاز المباع في السوق السوداء؟ سؤال يتعمد النظام الإجابة عليه بنشر بعض المعلومات المضللة التي تتضمن فساداً ناجماً عن تعبئة بعض الأسطوانات بأعلى من أوزانها ليعاد تقسيمها على أسطوانتين، أو من خلال نشره بعض الضبوط بحق صغار المتاجرين بالغاز، وذلك لنفي تقصيره في تأمين المادة وإلقاء اللوم على شبكات الفساد، وعلى آليات التوزيع وعلى الحصار الخارجي.


وفي هذا الإطار أعلن النظام أنه بدءاً "من بداية شباط القادم سيتم اعتماد آلية جديدة في توزيع الغاز عبر إرسال رسائل نصية للمستفيد من قبل شركة "تكامل" صاحبة ومنفذة فكرة "البطاقة الذكية"، والتي ما يزال أصحابها والقائمون عليها غير معروفين للعموم، ويعتقد الكثيرون أن هذا الإجراء هو نوع من الهروب وشراء الوقت، وخلط المسؤوليات عبر إدخال المواطن في دوامة تعقيدات إضافية، وأن أزمة الغاز الفعلية غير قابلة للحل قبل انحسار فصل الشتاء.


وتأكيداً على عمق الأزمة التي تجاوزت مثيلتها في العام الماضي، لكن بضجيج أقل نتيجة إدارة النظام الإعلامية لها، وتحديداً لمكمن الخلل الرئيسي، كشف عضو مجلس في محافظة الريف وفق صحيفة موالية أن "مدينة عربين التي يتجاوز عدد سكانها 70 ألف نسمة لم تصلها أسطوانة غاز واحدة منذ أربعين يوماً".


حكايات السوريين المؤلمة في رحلة البحث عن جرة غاز هي حكاية يومية، وعامة لم يسلم منها أحد، يتم ّتداولها بمرارة، والإصغاء إليها بحسرة، فالحال واحد لدى الجميع، باتوا يقننون في كل شيء، كما لو أنهم سجناء فعليين، وهي حكايات تعبّر من منظور آخر عن تفاقم أزمة النظام وعجزه عن تأمين متطلبات الحياة الضرورية، وعن فشله في تأمين بدائل أخرى لحياة طبيعية ولائقة في حدها الأدنى.


حازم خليل

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!