الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الفرع 215 ..مقبرة النساء الباقيات على قيد الأمل
103850507_23845022875300115_5226731343921313756_n


ياسمينة بنشي


الفرع 215 أو ما يُسمى (فرع الموت)، وهو من أكثر الأفرع دموية والأكثر انتهاكاً لحقوق الانسان، حيث شهد هذا الفرع موت الآلاف من المعتقلين تحت التعذيب أو خنقاً، وجوعاً نتيجة قيام عناصر النظام بتكديس المعتقلين داخل أقبيته، وقد كانت الحصة الأكبر من صور (قيصر) المنشق عن النظام السوري هي لضحايا هذا الفرع والذين تكدست جثثهم في ساحته الخارجية بمشاهد مروّعة لا يمكن وصفها.


 


الموقع


 


 


يقع الفرع 215 (سرية المداهمة)، في مدينة دمشق في منطقة كفرسوسة شارع 6 أيار، بالقرب من فندق الكارلتون، ضمن ما يُسمى المربع الأمني، والذي يتألف من أربعة أفرع وهي فرع 215 (سرية المداهمة)، فرع 291 (أمن عسكري) فرع 298 (أمن عسكري) وإدارة الفرع 248.


المبنى الذي يضم غرف احتجاز المعتقلات النساء في الفرع


في الطابق السادس من مبنى الفرع 215، وإلى الجهة اليسرى يقع جناح للمعتقلين والمعتقلات، وهذا القسم يضم ثلاثة عشر غرفة وحمامين: واحد مُخصص للمعتقلين/ات والثاني مُخصص للعناصر المسؤولة داخل الجناح.


أحد عشر غرفة للمعتقلين، الذكور بعضهم من السوريين أصحاب التهم الحساسة (ممن يُتوقع أنهم يحملون معلومات هامة)، وبعضهم من جنسيات عربية وأجنبية اعتقلوا بداية الثورة، كما توجد غرفتان مجاورتان لغرفة النساء الكبيرة، تعود لمعتقلين إسلاميين تمّ اعتقالهم ما بين ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم، أما المعتقلات النساء فقد خُصصت لهنّ غرفتان من غُرف الجناح الثلاثة عشر.


غُرف المعتقلات داخل الفرع 215


هنالك غرفتا احتجاز داخل الجناح المخصص، إحداها كبيرة بمساحة تبلغ حوالي 15 متراً مربعاً، وتقع بداية توزيع الغرف على الجهة اليمنى، مقابل الحمامات المشتركة، والثانية صغيرة تقع نهاية ممر الغرف إلى الجهة اليسرى، بسعةٍ تقارب 6 أمتار مربّعة، في وسطها عمود كبير تنتشر عليه الحشرات.


ويعود سبب وجود غرفتين، لفصل النساء المدّعى عليهن ضمن القضيّة نفسها عن بعضهنّ البعض، كي لا يتمكنّ من الوصول إلى الاعترافات التي سيدلين بها، ويعلمْنَ إجراءات التحقيق، أو ليتم ابتزاز الواحدة منهن على حساب الأخرى لإجبارها على الاعتراف، يقول المحقق لكل معتقلة على حِدة أنّ الأخرى قامت بالاعتراف بأنكِ قمتِ بارتكاب هذه الجُرَم أو قمتِ بفعل ذلك.


اقرأ المزيد: شهادة المحامي أنور البني في محاكمة أنور رسلان


تتّسم جدران الغرف برطوبتها العالية، والعفن الشديد المنتشر في كافة أرجائها، نتيجة عدم تعرضها لأشعة الشمس، إضافةً لانتشار قمل الرأس والجسد داخل الغرفة، والذي يصيب كافة المعتقلات، كما يوجد داخل الغرفة أغطية خشنة (البطانيات) تُستخدم للنوم أو للتغطية بها شتاءً، وتتميّز بقذارتها ورائحتها العفنة، والتي تعتبر مُسبباً آخر لانتشار الحشرات، والأمراض الجلدية، والأمراض الصدرية كمرض الربو.


لم تكن الغرفة مجهزة لاستيعاب عدد كبير من المعتقلات، لكنّها في بعض الأوقات، وخاصةً بين العامين 2013 و2014 اكتظّت بالنساء، حيث تجاوز عدد المعتقلات ثلاثين سيدة داخل الغرفة، ما أجبرهنّ على النوم بشكل جانبي (متراصات على جنبهنّ) لعدة أيام، كما أنّ النوم داخل الغُرفة يكون على البلاط مباشرة في فصل الصيف والأوقات الحارة، ما يُسبب للمعتقلات آلاماً في المفاصل وأوجاعاً بالظهر.


-تحدثنا (س.م) من درعا، إحدى الناجيات من هذا الفرع: “تمّ اعتقالي في شهر يوليو من العام 2013 حيث كان الجوّ حاراً جداً، ما زاد من انتشار الحشرات داخل غرفة الاحتجاز، وقد أُصبت بقمل الجسد الذي نهش قدماي وبطني، وبعد شهر من اعتقالي داخل الفرع بدأت أعداد النساء الموقوفات تزداد، حيث وصلت لأكثر من ثلاثين معتقلة، ولم تكن مساحة الغرفة كافية لاستيعاب هذا العدد، ما اضطرنا للتناوب على النوم ما بين الليل والنهار، لعدم مقدرتنا على تحمّل النوم بطريقة التسييف (النوم على الجنب)”.


الحمّامات المخصصة داخل مبنى الفرع 215 في الجناح المخصص


تقع الحمامات في الطابق السادس على الجهة اليُسرى، مقابل المهجع الكبير للنساء مباشرةً، وهي مشتركة لثلاث عشرة غرفة من المعتقلين والمعتقلات، تتألف من ثلاثة حمّامات متلاصقة لقضاء الحاجة، يُقابلها صنابير مياه مخصصة للشرب، ومكان رديء للاستحمام عبارة عن أنبوب معدني موصول بالحائط، تخرج منه المياه الحارّة، ولا يُسمح بتجاوز مدة الاستحمام المحددة وهي ثلاث دقائق لكل معتقلة، كما توجد شرفة كبيرة لا يسمح للمعتقلات أو المعتقلين بالوقوف أمامها، لأنها تطلّ على ساحة داخل المربع الأمني، يتوسّطها تمثال ذهبي نصفي للأسد الأب، وتطلّ أيضاً من الجهة اليُسرى على فندق الكارلتون، القريب من الفرع، كما أنها تُشرف بشكلٍ مقابل على مساكن الضباط والعساكر ،الذين يعملون داخل المربع الأمني.


آلية تفتيش النساء المعتقلات عند الدخول إلى الفرع 215


عند وصول المعتقلات إلى الفرع، (سواء بشكل مباشر من قاطنات محافظة دمشق وريفها أو ممن تمّ نقلهنّ من باقي الأفرع التابعة للأمن العسكري في المحافظات)، يقفنَ أمام غرفة السجّان المسؤول في الفرع، بانتظار دورهنّ بالتفتيش في غُرفة صغيرة تتبع للمبنى المجاور لغرفة السجّان، الذي يقوم بدوره بتفتيشيهنّ عاريات، حيث يقوم بإجبار المعتقلات على خلع ملابسهن كاملة ً، ومن ترفض فعل ذلك يقوم بصفعها على وجهها وشدّ ثيابها بالإكراه، ثم يقوم بسؤالهن إن كنَّ عازبات أم متزوجات، وبعد الإجابة يقوم بالطلب من المعتقلات العذراوات اللواتي لم يسبق لهنّ الزواج، بالقيام بحركة القرفصاء لعدة مرات، أما المتزوجات فيقوم بتفتيشهنّ بطريقة مذلة ومهينة أكثر حيث يقوم بمد يدّه داخل أحشاء المعتقلة بحجة أنها قد تكون أخفَتْ شيئاً في رحمها.


اقرأ المزيد: العفو الدولية تدين ترحيل تركيا للاجئين السوريين قسراً


وقد تسبّبت هذه الطريقة الوحشية في التفتيش بصدمات نفسية للكثير من المعتقلات، كما كان السّجان أيضاً يتقصد التعامل مع المعتقلات بإذلالٍ وتحقير انتقاما ً من مشاركتهن في الثورة الذي يعتبرها النظام السوري أعمال إرهابية.


-تقول (م.أ) من مدينة عربين، إحدى الناجيات من هذا الفرع: “عند وصولي إلى الفرع قام السجّان بتفتيشي عارية بطرقة مُهينة وبشعة أصابتني بصدمة نفسية قاسية، وعندما دخلت إلى الغرفة المخصصة لاحتجاز النساء بدأت أضرب رأسي بالحائط وأقول للمعتقلات أنّه لم يقم أحد بلمس جسدي سوى زوجي، فكيف لذلك السجّان المتوحش أن يفعل بي هذا؟ بقيت على حالتي تلك لعدة أيام لكن من جعلني أخرج قليلاً من الوضع النفسي المتأزم وجود نساء كُنّ يهوّنّ عليّ الألم”.


السجّان المسؤول عن تفتيش النساء داخل الفرع 215


مسؤول السجن داخل الفرع المدعو أحمد عليا، وهو من ريف مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، رجل ستيني أشيب، سمين، متوسط الطول، جاحظ العينين، ملقب (بشرشبيل الفرع) من قبل المعتقلات، خُصّصت له غرفة بالقرب من ساحة التعذيب الخاصة بالمعتقلين، والتي تُكدّس فيها جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أيضاً، يوجد داخل تلك الغرفة، إضافةً إلى مكتبه، جميع المصادرات والأمانات التي كانت بحوزة المعتقلين والمعتقلات أثناء اعتقالهم أو دخولهم إلى الفرع.


يُذكر أنّ أحمد عليا لا زال على رأس عمله داخل الفرع حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، ولا زال يقوم بعمليات التفتيش المهينة للمعتقلات الموقوفات.


المعتقلات داخل الفرع وأماكن التحقيق





في مبنى الفرع 215، يتم توقيف المعتقلات لصالح هذا الفرع، ويتم إيداع بعض المعتقلات لصالح الفرع 291 (التابع للأمن عسكري).


بين الساعة التاسعة والعاشرة صباحا ً يتم استدعاء المعتقلات للتحقيق، كلٌّ للفرع الذي تمّ توقيفها لصالحه.

يتم التحقيق مع المعتقلات الموقوفات لصالح الفرع 215 داخل المبنى في الطابق السادس، ضمن مكاتب المحققين، حيث تتعرض المعتقلات للضرب أثناء التحقيق، والتهديد باعتقال عائلاتهنّ لإجبارهنّ على الاعتراف بالقيام بأعمال إرهابية، علما ً أنّ جميع موقوفات الفرع هنّ إما ممن عملن بالشأن المدني والانساني أو زوجات وأقارب معارضين ومنتمين للحراك الثوري.


اقرأ المزيد: على نهج النظام..التعذيب في مقرّات الفصائل الموالية لتركيا


أما المعتقلات لصالح الفرع 291، فيتمّ اصطحابهن بواسطة عنصر الأمن من مبنى الفرع 215 إلى مبنى الفرع 291 (أمن عسكري)، داخل منطقة المربع الأمني، للتحقيق معهنّ في غرفةٍ واحدة مع معتقلين ذكور، حيث يتمّ تعذيب المعتقلين أمامهنّ بشكلٍ وحشي حتى تشعر المعتقلة أنه في حال عدم تجاوبها مع التحقيق سيلحق بها ذات المصير من الضرب والتعذيب، فيكون هذا الأسلوب أحد وسائل انتزاع الاعترافات القسرية.


مدة التحقيق والبقاء داخل الفرع لا تتجاوز 60 يوماً، ولكن هنالك حالات استثنائية استدعت توقيف نساء لسنوات، دون معرفة السبب المباشر لإيقافهن طوال هذه المدة.


يتمّ بعدها تحويل المعتقلات إلى سجن عدرا المركزي، مروراً بالقضاء العسكري، حيث تودع النساء داخل سجن عدرا قبل عرضهنّ على محكمة الإرهاب أو المحكمة الميدانية.


أنواع التعذيب للنساء داخل الفرع


تتعرض المعتقلة داخل الفرع 215 لشتى أنواع التعذيب والانتهاكات منها:

١-التعذيب النفسي: ويكون من خلال طريقة التفتيش المهينة والتي يتم استقبال المعتقلات من خلالها، إضافةً للسبّ والشتم والألفاظ المسيئة للمعتقلة وأهلها طوال الوقت، والتهديد بالاغتصاب أو باعتقال أحد أفراد عائلتها إن لم تقم بالاعتراف على كل ما يطلبه المحقق. أو التحقيق مع المعتقلات وهنّ عُراة, كما أنّ تعذيب المعتقلين الذكور أمام النساء مباشرة بشكل وحشي يُفضي إلى الموت أحياناً، كان واحداً من أبشع أنواع التعذيب النفسي بالنسبة لهنّ، خاصة عندما يكون التعذيب لمعتقلين كبار السن في عمر آبائهنّ، إضافةً إلى أنّ التجويع والحرمان من أبسط الحقوق الانسانية والاحتياجات الصحية النسائية، والذي كان يشكّل عذاباً نفسياً من نوعٍ آخرٍ أيضاً.


٢-التعذيب الجسدي: لم يكن الضرب والتعذيب حكراً على الرجال داخل هذا الفرع، بل كان يتعداه إلى النساء أيضاً، حيث كانت المعتقلات تتعرضن أثناء التحقيق للضرب بالعصى والهروانة على كافة أنحاء أجسادهن، خاصة الرأس، تصل أحياناً إلى النزف أو الإغماء، إضافة للشبح والتعليق من الأيدي والصعق بالكهرباء. كما شهد هذا الفرع اختفاء بعض المعتقلات بعد نقلهن منه وموت بعضهنّ تحت التعذيب.

كلّ تلك الانتهاكات والممارسات الوحشية كانت تستخدم لانتزاع اعترافات قسرية من المعتقلات.


3-العنف الجنسي والاغتصاب: يتمثل العنف الجنسي داخل الفرع بآلية التفتيش الوحشية التي يتبعها السجّان مع النساء، من خلال إدخال يده في أحشائهنّ واستخدام أدوات حادة إضافة لحالات الاغتصاب (القليلة التي وثقت داخل هذا الفرع)، من قبل بعض المحققين، لإجبار المعتقلات على الاعتراف بكلّ ما يُطلب منهنّ.


الموت تحت التعذيب داخل الفرع 215


 


اشتهر الفرع 215 بسمعته السيئة، وأنّه من أكثر الأفرع التي قُتل فيها معتقلون تحت التعذيب، حيث لُقّب بفرع (الموت)، ولم يكن القتل يقتصر على المعتقلين الذكور، فقط بل طال النساء أيضاً، حيث شاهدنا بين صور المنشق عن النظام السوري (قيصر) صورة المعتقلة الشابة رحاب العلاوي والتي قضت تحت التعذيب أثناء اعتقالها داخل الفرع، حين تعرف أهلها على صورتها بين صور الجثث بعد أن انقطعت كافة أخبارها.


الطعام داخل الفرع 215


في الساعة السابعة صباحا ً يقوم عنصر الأمن بفتح باب الغرفة الموصد، ويبدأ بتوزيع طعام الإفطار، وهو عبارة عن رغيف خبز قاسٍ إضافة الى حبة بطاطا غير ناضجة، أما الغداء فكان عبارة عن برغل أو أرز مطبوخ دون ملح ودون أي نهكة يوزع على المعتقلات بمقدار ثلاث ملاعق كبيرة لكل معتقلة، أما العشاء والذي كان يتم توزيعه أحياناً مع الغداء، فهو عبارة عن حبة بطاطا أيضاً إضافة إلى حبة من البندورة أو الخيار.


في وقت لاحق أفادت بعض المعتقلات بأنه قد طرأ تحسُّن إلى حدٍّ ما على نوعية الطعام المقدم، حيث أصبح يُقدَّم في بعض الأيام ملعقة مربى أو قطعة حلاوة في طعام الإفطار.


الطبابة والعادة الشهرية للنساء


لا يوجد أي نوع من أنواع الطبابة أو الدواء المقدّم داخل الفرع، مهما كانت حالة المعتقلة سيئة (إلاّ في حالات أو أوقات نادرة)، علما ً أنّ بعض النساء من مرضى السرطان كنَّ معتقلات داخل الفرع وبحاجة لأي نوع من الدواء المسكن الذي يعوضهن عن الجرعات التي كنّ يأخذنها كعلاج قبل الاعتقال والتوقيف، لكن لم يكن يُقدّم لهنّ أي شيء.


أما في أيام العادة الشهرية والتي لا تتوفر مستلزماتها الصحية، تقوم النساء بتمزيق ثيابهن واستخدمها، لكنّ بعضاً ممن اعتقلن وبحوزتهنّ مبلغ من المال كان يُسمح لهن في بعض الأوقات باستخدام النقود لشراء هذه الحاجات فقط وبأسعار مضاعفة.


-لا يزال الاعتقال القسري بحق النساء داخل هذا الفرع مستمرٌ إلى يومنا هذا، بالرغم من جميع التقارير الحقوقية والإنسانية التي صدرت لإدانة تلك الانتهاكات، ولا توجد أعداد حقيقية موثقة حول عدد المعتقلات في هذا الفرع لكنه ومن المؤكد أنّ العدد تجاوز الآلاف من النساء والفتيات.


*تمّ إعداد هذه الدراسة بعد أخذ شهادات 18 معتقلة ناجية من هذا الفرع خلال فترات زمنية مختلفة ما بين الأعوام من 2012 وحتى العام 2018.








 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!