الوضع المظلم
الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • مستقبل قاتم لمياه العراق.. إيران وتركيا تحجب الأنهار ومنظمات تحذّر

مستقبل قاتم لمياه العراق.. إيران وتركيا تحجب الأنهار ومنظمات تحذّر
تصعيد عراقي تجاه تركيا / ليفانت نيوز
استند عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد في تسمية المنطقة الممتدة من العراق وسوريا إلى لبنان والأردن وفلسطين بـ "الهلال الخصيب" لكونها منطقةً غنيةً بالمياه، وتمتاز تربتها بالخصوبة التي تتيح الزراعة فيها بسهولة. وهو مصطلح قديم يطلق على حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام، لكنّ هذه المنطقة ستفقد كل صفات الخصوبة، وقد تختفي قبل نهاية القرن الحالي بسبب تدهور إمدادات المياه من الأنهار الرئيسية، حسب ما تشير البحوث والدراسات المتعلقة بمستقبل الشرق الأوسط.

يعدّ العراق أحد أبرز الأطراف المتأثرة بالأزمة نظراً لأن منابع نهري دجلة والفرات تقع خارج أراضيه ويمتدان لمسافات غير قليلة في الأراضي التركية.

يرجع شحّ المياه في العراق إلى عدة عوامل، أهمها التغيرات المناخية المتمثلة في قلة سقوط الأمطار وجفاف الأنهار، إلى جانب سياسيات عدائية تمارسها إيران وتركيا تؤثر سلباً على واردات المياه من النهرين نتيجة إقامة دول المنبع "تركيا وإيران" للسدود على حساب دولة المصب "العراق".

فضلاً، عن السياسات المائية التي مارستها وتمارسها الحكومات العراقية المتعاقبة، أسهمت في تفاقم العجز المائي، ويصل العجز في مياه الشرب ببعض المحافظات مثل كركوك إلى 42%، في حين يبلغ إجمالي العجز 18%. وعدم القدرة على التكيّف نظراً لانشغال هذه الدول في مشاكلها السياسية والاجتماعية.

يعتقد الدكتور مثنى العبيدي الأكاديمي والمتخصص في الشؤون الاقليمية والدولية في حديثه لـ "ليفانت نيوز" بأنّ العراق هو الدولة الأكثر تضرراً بسبب سياسات إيران وتركيا المائية لأنهما الدولتان اللتان تنبع منهما الأنهار الرئيسة وروافدها والأنهار والروافد الفرعية أيضأ، والعراق يعتمد عليها في مجال موارده المائية."

على عكس العراق ودول "الهلال الخصيب"، تمكنت دول الخليج من التكيف مع شح الموارد المائية رغم عدم امتلاكها مصادر للمياه، حيث بدأت بتحويل مياه البحار للاستخدام البشري سواء في الجانب المنزلي أو الزراعي مما جعل الأمارات على سبيل المثال تحتل مراتب متقدمة في زراعة النخيل.

اقرأ أيضاً: البنك الدَّوْليّ يحذر من أزمة في الموارد المائية للعراق

منظمات وتقارير دولية تدق ناقوس الخطر


حذّرت العديد من التقارير والبحوث ذات الصلحة من الجفاف وتدهور إمدادات المياه في العراق، وأشار تقرير جديد للبنك الدَّوْليّ صدر في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إلى أنّ العراق قد يشهد انخفاضاً بنسبة 20 بالمائة في موارد المياه بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ، ما يؤدي إلى تداعيات على النمو والتوظيف.

في بيان مصاحب للتقرير الجديد، قال ساروج كومار جها المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدَّوْليّ: “دون اتخاذ إجراءات ملموسة، ستؤدي القيود التي يعانيها قطاع المياه إلى خسائر كبيرة عبر قطاعات متعددة من الاقتصاد، وستؤثر على المزيد والمزيد من الفئات الأكثر احتياجاً من العراقيين”.

نوّه التقرير أنه “بحلول العام 2050، سيؤدي ارتفاع درجة الحرارة درجة مئوية وانخفاض معدل المتساقطات بنسبة 10 في المئة إلى انخفاض بنسبة 20 في المئة في المياه العذبة المتاحة” في العراق، مضيفاً أنّه: “في ظل هذه الظروف، لن تصل المياه إلى قرابة ثلث الأراضي المروية”.

"قد ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تصل إلى 4 في المئة، أي ما يعادل 6.6 مليارات دولار، مقارنة بالعام 2016".يضيف التقرير، لافتاً إلى أنّ “ندرة المياه” بدأت تتسبب في “تهجير قسري محدود النطاق” خصوصا في جَنُوب البلاد.

في 29 أغسطس/ آب من العام الحالي، دق تقرير جديد لليونيسف عنوانه  "الجفاف الداهم: أثر ندرة المياه على الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ناقوس الخطر.

الجفاف يضرب العراق/ أرشيفية

وأنّذر التقرير من أنّ  "قرابة 3 من بين كل 5 أطفال في العراق ليس لديهم وصول إلى خِدْمَات الماء الآمن، ثم أن أقل من نصف المدارس في عموم البلد تمتلك خِدْمَات الماء الأساسية، مما يعرض صحة الأطفال للخطر، ويهدد تغذيتهم، ونموهم المعرفي، وسبل عيشهم المستقبلية.

وتذكر التقارير أن إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون المنطقة الأكثر شحاً في المياه في العالم. إذ إن زهاء 66 مليون نسمة ممن يسكنون الإقليم المذكور يفتقرون إلى الصرف الصحي الأساسي، مع نسبة قليلة جداً ولا تكاد تذكر من المياه العادمة (أي مياه الصرف) تتم معالجتها على نحو ملائم.

تعدّ أبرز الأسباب وراء شحّ المياه في المنطقة والعراق، بما فيها الطلب الزراعي المتزايد، واتساع رقعة الأراضي الزراعية المروية باستخدام المياه الجوفية. وبينما تشكل الزراعة نسبة 70% من استهلاك المياه على الصعيد العالمي، نجد أنها تبلغ أكثر من 80% في المنطقة المذكورة في أعلاه، حسب التقرير نفسه.

وبينما ليس التغير المناخي السبب الوحيد لشحّ المياه، فإنه تسبب في تناقص في مياه الأمطار للزراعة، وتدهور في جودة احتياطي المياه العذبة نتيجة للتدفق العكسي للمياه المالحة القادمة من الخليج العربي نحو طبقات المياه الجوفية العذبة، وتركيزات التلوث المتزايدة.

في العراق، كان موسم الأمطار 2020-2021 هو الموسم الأكثر جفافاً في الأربعين عاماً الأخيرة، مما تسبب في تناقص حاد لتدفق المياه في نهري دجلة والفرات بلغت نسبته 29% و 73% على التوالي.

وتصنف الأمم المتحدة العراق على أنه "خامس دولة في العالم معرضة لتهديدات" التغير المناخي.

لقد حذر برنامَج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019 من أن "التغير المناخي من المتوقع أن يقلل هطول الأمطار السنوي في العراق، مما سيؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وانخفاض الإنتاجية الزراعية وزيادة ندرة المياه". ومع كل صيف حارق، تقترب البلاد من هذا الواقع المرير.

اقرأ أيضاً: صحيفة تكشف الصراع المحتدم بين بايدن وبن سلمان على النفط

ويقول برنامَج الأمم المتحدة للبيئة إنه في عام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنوياً، مضيفاً أنه بحلول عام 2025، ستنخفض تلك الكَمَيَّة إلى 1750 متراً مكعباً، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى البعيد، فضلاً عن تهديد صحة سكانها البالغ عددهم 40 مليون نسمة.

سياسات إيران وتركيا


يواجه العراق أزمة مائية كبيرة بسبب قيام تركيا بإنشاء عدد من السدود والمشاريع على نهري دجلة والفرات في أراضيها، كذلك قطع إيران التي تواجه نقصاً في المياه لجريان الماء إلى العراق، ما تسبّب بالجفاف في مناطق ومدن عدّة بالعراق ونزوح عدد كبير من سكان تلك المناطق.

وتقوم إيران بحجب نهر الزاب الصغير الذي يدخل أراضي إقليم كردستان العراق بعد أن أقامت سدوداً ضخمة داخل أراضيها وحولت مجرى مياه النهر إضافة إلى انخفاض منسوب المياه بشكل كبير في نهر سيروان وسد درباندخان الذي يهدد كسب عيش الكثير من الصيادين والمزارعين.

مؤخراً، نبّه وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني، إلى أن الإطلاقات المائية المتدفقة من إيران وصلت إلى الصفر، وإيران لم تتقاسم الضرر مع العراق.

كذلك، أقامت تركيا مشروع "شرق الأناضول"، وتضمن بناء 22 سدّاً لتلبية متطلبات مشاريعها الإروائية، وبدورها نفذت إيران مشروعات على الأنهر المشتركة مع العراق أدت إلى تحويل مجرى بعض الروافد إلى داخل أراضيها.

الجفاف يهدد العراق/ أرشيفية

في هذا الصدد، يقول العبيدي لـ "ليفانت نيوز" "مع أنّ النهرين هما من  الأنهار الدولية إلا أن تركيا تراهما من  الأنهار العابرة للحدود حتى تبرر لنفسها سياسات استغلال مياههما من دون الرجوع إلى دولة المصب المتمثلة بالعراق فبنت السدود والمشاريع التي انعكست سلباً على حصة العراق المائية."

في عام 1966، أقر مؤتمر هلسنكي، مبدأ ينفي الانتفاع بمياه الأنهار الدولية من قبل دولة واحدة، ما لم يكن هناك اتفاق بين دول الحوض النهري المعني في هذا الشأن.

أما لجنة القانون الدَّوْليّ التابعة للأمم المتحدة، فقد ذكرت، في العام، 1973 ما نصه أن "الدول المتشاطئة على النهر الدَّوْليّ تستطيع استعمال المياه طبقاً لحاجاتها شرط ألا يسبب هذا الاستعمال ضرراً للدول الأخرى المشتركة معها في هذا النهر".

في عام 1997، أعلنت واعتمدت اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية وصدّقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1997 بتأييد 104 دولة، وعارضتها ثلاث دول هي تركيا والصين وبوروندي، وامتناع 26 دولة عن التصويت.

يرجع الدكتور مثنى العبيدي ممارسة تركيا وإيران لهذه السياسات لعدة أسباب ويقول: "تريد الدولتان الاستفادة من مياه  الأنهار في العديد من الاستخدامات من جهة، واستخدام ورقة المياه في سياستها تجاه العراق من جهة أخرى، مشيراً إلى "أنّ لكل من إيران وتركيا مصالح في العراق تحاول استغلال هذه الورقة لتحقيقها، ومن جهة ثالثة إن الدولتين تستغلان حالة العراق المضطربة لتثبيت مكاسب في مِلَفّ مياه  الأنهار المشتركة مادام العراق يمر بمرحلة ضعف وعدم تكافؤ في ميزان القِوَى الإقليمي."

اقرأ أيضاً: إيران استخدمت مواطنيها دروعاً بشرية لإسقاط الطائرة الأوكرانية… مسؤولون متورطون

وتشير دراسة صادرة عن مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بعنوان " انخفاض الموارد المائية في العراق: الأسباب والتداعيات" بتاريخ 4/9/ 2021، بأنّ فشل الدبلوماسية العراقية يتصدّر الموقف بامتياز، نظراً لضعف أداء وزارة الخارجية في ممارسة الدور الفعال في تعزيز مصالح العراق، في الأقل مع دول الجوار العراقي، خصوصاً وان العراق سوق لسلع تلك الدول ومصدر لتدفق العملة الأجنبية إليها، إضافة إلى كونه مصدراً رئيساً للطاقة (خصوصاً بالنسبة إلى تركيا)".

و"كما اعتاد البلد في مِلَفّ الأمن والاقتصاد، فان مِلَفّ المياه أيضاً سيخضع لسياسات ردود الفعل بدلاً من اعتماد الاستراتيجيات الوقائية (متوسطة وطويلة الأجل)، المعتمدة في الدول التي لها حكومات وطنية وطواقم فنية موزعة على المؤسسات الحكومية طبقا للتخصص والخبرة والممارسة"، وفق الدراسة نفسها.

تصوّرات وحلول


يقول وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني في تصريح لوكالة الأنباء العراقية في، 23 نوفمبر الحالي، بأن لدى وزارة الموارد المائية خُطَّة “متكاملة” للتعامل مع حالات الجفاف والفيضانات التي قد تواجه البلد”. لافتاً إلى أن: “خطط الوزارة تحتاج من 50-70 مليار دولار حتى عام 2035″، مبيناً أنه: “لا توجد مبالغ مالية لتنفيذ تلك الخطط”.

وشدّد الحمداني على ضرورة تقنين الزراعة بأوقات الجفاف ونقص المياه، منوهاً بأنه لا يوجد التزام بالحصص المائية من قبل المحافظات.

ومنذ فبراير 2019  وضعت الحكومة العراقية خلال مؤتمر "الأمن الكوكبي" الذي عُقد في هولندا، تصورًا كاملًا للخروج من الأزمة بحلول عام 2035، يتضمن استخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليات الإرواء، وتوزيع المياه والصرف الصحي وزيادة حجم الخزين المائي، وإنعاش الأهوار وتنميتها.

الأهوار هي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبَ السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة على رؤوسه. وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيف. وتتراوح مساحتها بين 35 و40 ألف كيلو متر مربع.

وفي أكتوبر الماضي من العام الحالي، أقر مجلس الوزراء على مشروع إنعاش بلاد الرافدين المُقدم من رئاسة الجمهورية ليكون إطاراً لتطوير الاستراتيجية البيئية ومواجهة خطر التغير المناخي في البلد.

حينها، لفت الرئيس العراقي برهم صالح عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، إلى أن مشروع إنعاش بلاد الرافدين هو مشروع للعراق وكل المنطقة التي تتقاسم التهديد الخطير للتغير المناخي، ويعتمد المشروع على 9 برامج استراتيجية تشمل التشجير وتحديث إدارة مياه دجلة والفرات وتوليد الطاقة النظيفة والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتشجيع الاستثمار عبر صناديق المناخ الأخضر.

اقرأ أيضاً: حماس في البرلمان البريطاني غداً الجمعة… معركة إقرار الحظر

لقد أجبر الجفاف وشح المياه العراق على تقليص المساحات المزروعة للموسم الزراعي 2021-2022 بمقدار النصف، حيث قرّرت السلطات العراقية "تحديد المساحات المزروعة بطريقة الإرواء السطحي، والبالغة مليونين وخمسمئة ألف دونم للموسم الزراعي 2021-2022، التي تمثل 50% عن المساحة المزروعة في العام الماضي".

لا يرى العبيدي تفاؤلاً حيال المستقبل المائي للعراق، إذ تبدو الصورة قاتمة ويقول: "في الأغلب فإن استمرار الوضع الراهن في العراق يؤدي إلى استمرار تفاقم أزمة المياه لأن دول المنبع للأنهار التي يعتمد عليها العراق ليست جادة بالالتزام بالسماح للعراق بأن يتمتع بحصته المائية المقرة وفقاً للقانون الدَّوْليّ وترى بأن العراق منشغلاً بالوضع الداخلي الذي يصرفه عن التوجه للمطالبة بحقوقه المائية.

عبير صارم

ليفانت نيوز_ خاص

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!