الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
انفجار بيروت من تدبير حزب الله
عبد الناصر الحسين

عوّدنا «نظام الملالي» وأتباعه في طهران، اللعب على «حافة الهاوية»، واليوم تعيش إيران وأذرعها على الحواف الحادة، فكلهم متضايقون ومعزولون ومعاقبون ومحتاجون للمال.



يمثّل لبنان المسيطر عليه من «حزب الله» أحد أهم مناطق النفوذ الإيراني، وبدا لوهلة أنّ حزب الله اللبناني قد أمسك بكل مفاصل الدولة بل مفاصل الحياة، يعبث في البلد كيفما يشاء قابضاً على الاقتصاد والأمن والقضاء والصحة والتعليم والجيش.


واعتبر الحزب أنّ المعركة المصيرية هي تلك القائمة منذ عشر سنوات في سوريا ويجب أن ينتصر محور إيران فيها. لأجل ذلك وضع حزبه تحت تصرّف «الولي الفقيه» ليخوض معركة الوجود. لكن إيران لم تكتفِ بوضع الحزب في خدمة «نظام بشار الأسد»، بل ذهبت أبعد من ذلك، في وضع لبنان كله في خدمة الحرب الإيرانية على «الشعب السوري».. الأمر الذي أدّى إلى دخول لبنان في نفق مظلم من الجوع والدمار، أوقع لبنان تحت عجز مالي واقتصادي كبيرين، وبلغ حجم الدين العام قرابة مئة مليار دولار، في حين أنّ نسبة النمو متدنية، ونسبة البطالة في ارتفاع (36%)، وميزان الصادرات مختلّ لصالح الواردات. 


لم يحتمل شعب لبنان «المدلل» أن يرى نفسه واقعاً تحت أزمة الجوع والحاجة، حتى للخبز والدواء الضروري، فأطلق انتفاضة سلمية شعبية اندلعت ليلة الـ17 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019 على خلفية فرض ضرائب ورسوم جديدة، ففاجأت انتفاضة اللبنانيين السلطة السياسية كما العالم، وحتى اللبنانيين أنفسهم، لجهة حجم المشاركة الشعبية وشمولها كل المناطق اللبنانية بعيداً عن الاصطفافات الطائفية والسياسية، واتسمت الانتفاضة بالاستمرار وابتكار وسائل جديدة للتعبير والضغط، فضلاً عن تحوّل أو تطوّر المطالب من اجتماعية اقتصادية إلى سياسية بامتياز.


وعلى طريقة الدهاة، عمل الحزب بالشراكة مع حلفائه على إيقاف الانتفاضة مؤقتاً، دون أن تتحسن معيشة الناس، بل ازدادت سوءاً لكن الناس انكفؤوا إلى بيوتهم لسبب أو لآخر. 


الولايات المتحدة الأمريكية أدركت ربما متأخرة خطورة «حزب الله»، ومدى مساهمته في إشعال الصراعات في المنطقة، واستخدامه طرقاً غير مشروعة في تأمين الأموال التي يحتاجها في الحرب. ففرضت على الحزب عقوبات ذكية استهدفت أي مؤسسة مالية تنقل أموالاً لحزب الله، بحيث يبقى الحزب خارج النظام المالي اللبناني، وعلى «حسن نصرالله» أن يجني أشواك ما زرع بدلاً من إصراره على تضليل الشعب اللبناني، فتحركت المصارف اللبنانية لتجميد كل الحسابات التابعة للشركات والشخصيات المصنّفة على لوائح الإرهاب، وبعد حزمة من العقوبات الصارمة، بات حزب الله فقيراً لا يستطيع دفع رواتب عناصره فيما لو استثنينا تجارة المخدرات والدعم القطري السري.


علاوة على الأوضاع الضاغطة على حزب الله، خصوصاً، وعلى لبنان، عموماً، عاد الحديث عن المحكمة الخاصة بقتل رئيس الوزراء السابق «رفيق الحريري». فمن المقرّر أن يصدر القضاة في المحكمة الخاصة بلبنان حكمهم يوم الجمعة المقبل، «السابع من آب/ أغسطس 2020»، في القضية التي يُحاكم فيها أربعة رجال متهمين بتدبير التفجير الذي أودى، في 2005، بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، و21 آخرين.. وسيحضر رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، جلسة المحكمة، وقد اعتبر الحريري أنّ الجمعة سيكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان.


لو أضفنا إلى ما ذكر، الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمواقع في العمق الإيراني، وفي سوريا، والتي ازدادت وتيرتها وقوتها في الأسابيع الأخيرة، لجزمنا بأنّ المحور الايراني محشور في زاوية ضيقة تنتهي بالحافة التي سيسقط منها.


ومن هنا بالضبط سأدخل في التفجير الذي استهدف مرفأ بيروت، مساء الثلاثاء 4/8/2020، والذي يبدو لي على الأقل أنّه هجوم مدبر من قبل مهندس السياسات الإيرانية بالتشارك مع «حسن نصر الله» وبعض شركائه.


فقد أفادت الوكالة الرسمية للأنباء، أنّ حريقاً كبيراً اندلع في العنبر رقم 12، بمستودع للمفرقعات في مرفأ بيروت، ما أدى إلى انفجاره، وسقوط شهداء وجرحى. وأعلن وزير الصحة، حمد حسن، في موقع الانفجار، وجود عشرات القتلى و2800 جريح، ومن بين القتلى الأمين العام لحزب الكتائب، «نزار نجاريان».


الحقيقة الأولى تقول: إنّ إسرائيل لا علاقة لها هذه المرة بتفجير بيروت، الذي وقع في مرفأ العاصمة اللبنانية، وهذا يعني أنّ من قام بالتفجير هم جماعة حزب الله بعد أن خططوا له جيداً.. ورتبوا الأمور بطريقة يخرج فيها الحزب بريئاً من تهمة «تخزين السلاح في مستودعات المرفأ وبين المدنيين، باعتبار المواد التي انفجرت هي عبارة عن 2700 طن من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار.


قصة حزب الله مع نترات الأمونيوم طويلة وذات شجون.. ففي مايو 2020، قررت ألمانيا اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، بعد العثور على مخزن نترات الأمونيوم في جنوب ألمانيا تابع للحزب، قبلها في 2017 داهمت السلطات البوليفية مخزناً كبيراً تابعاً لحزب الله، عثر في داخله على 2.5 طن من نترات الأمونيوم، قبلها في 2015، الكويت تعلن عن القبض على خلية تابعة لحزب الله سُميت «خلية العبدلي»، خزنت حوالي 20 ألف كيلو غرام من المتفجرات وحوالي 500 كيلو من نترات الأمونيوم، و60 قذيفة آر بي جي. وفي العام نفسه، 2015، بريطانيا ضبطت مخزناً تابعاً لعناصر من حزب الله يحتوي على 3 طن من نترات الأمونيوم، في عملية أمنية لم يكشف عنها إلا في عام 2019.. قبلها في 2012 اعتقل عنصر من حزب الله في قبرص يدعى «حسين عبدالله»، بعد اكتشاف 8.2 طن من نترات الأمونيوم في قبو منزله في لارنكا.. قبلها في 2005 قضى رئيس الوزراء اللبناني في انفجار 2.5 طن من نترات الأمونيوم وسط بيروت، والمتهم الرئيس فيه هو حزب الله.


مع كل هذا ستكشف التحقيقات التي وعدت بإنجازها حكومة «حسان دياب»، خلال خمسة أيام، أنّ حزب الله بريء من التفجير الرهيب، وأنّ عصابة من إرهابيي القاعدة ارتكبت تلك الجريمة، ويبدو أنّ «الشاهد الملك» موجود حالياً ويتم تدريبه على الإدلاء باعترافاته، التي ربما يشير بها إلى دول عربية محددة وجّهته لهذا العمل.


عندما يتحدّث «حسان دياب» بثقة عن محاسبة من تثبت تهمة التفجير، فهو قطعاً يعلم أنّ حزب الله غير مقصود. وفي الوقت الذي يترقّب العالم كله إدانة حزب الله بقتل «رفيق الحريري»، سيعلن القضاء اللبناني براءة الحزب من تهمة التفجير، والأهم من ذلك فإنّ الحزب، القابض على مفاتيح اقتصاد لبنان، سوف يكون مستعداً لوضع يده على أموال المساعدات التي ستنهال على لبنان من كل مكان. وقد بادرت «قناة الجزيرة» بعد نشرها «فرضية المفرقعات» لاختصار الخبر الفظيع بالحديث عن الدول التي ستقدّم المساعدات للبنان.


قد يساعد انفجار مرفأ بيروت حزب الله مؤقتاً، لكن الحقيقة التي لا مفرّ منها، هي أنّ المجموعة الإيرانية ذاهبة إلى الهاوية، التي لم يتبقَّ لها حواف تلعب عليها إيران. 


 عبد الناصر الحسين

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!