الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الناتو والتصدّع.. تآكل من الداخل وصفعات من الخارج
الناتو مصدر الصورة: ليفانت نيوز

في الخامس من سبتمبر الماضي، صرح الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ، إن إنشاء قوات مسلحة مشتركة لدول الاتحاد الأوروبي قد يقسم أوروبا ويضعف الناتو، وهو تصريح يعبر بشكل جليّ بأن الناتو ليس في أفضل حالاته، رغم ما يحاول الحلف الغربي من إبرازه من تماسك، في مواجهة الخصوم التقليديين والجدد.


ضعف الناتو في أفغانستان


ولعل أبرز الأحداث التي مرت مؤخراً، وأظهرت ضعفاً في حلف شمال الأطلسي، كانت قضية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والتي أفضت إلى استيلاء طالبان بقوة السلاح في الخامس عشر من أغسطس الماضي، على العاصمة كابول، إذ أقر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في الحادي عشر من سبتمبر، بأنه لم يكن بإمكان حلفاء الولايات المتحدة في الناتو مواصلة العملية العسكرية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية من هناك، وهو إقرار واضح بأن الحلف مرتبط بشكل وجودي بوجود واشنطن ضمنه، وأن عقده سيحلّ بدون واشنطن.


اقرأ أيضاً: أطاح بقُضاة ومستشار رئاسي بسببه.. أردوغان يخشى كافالا ولن يخرجه

واعترف حينها، الأمين العام لحلف الناتو، بأن هذا كان "خياراً غير واقعي"، لافتاً أن احتفاظ الدول الأعضاء في الناتو بوحدات عسكرية في أفغانستان كان سيؤدي حتماً إلى زيادة إنفاقها العسكري، ووفقه دائماً فإن ذلك "كان سيكون من الصعب للغاية على الحلفاء الأوروبيين، بإقناع البرلمانات بتخصيص أموال إضافية وزيادة القوة العسكرية في أفغانستان، في إطار حملة بدأت لحماية المصالح الأمريكية".


حلف الناتو (أرشيف)

أوروبا والسعي للاستقلال العسكري


وجاء ضعف الحلف في أفغانستان، ليشجع أوروبا على الخيار الذي طرح قبل فترة من الزمان، ولاقى معارضة أمريكية حين الإفصاح عنه قبل أشهر، لكن الانسحاب المضطرب من أفغانستان، شجع بروكسل على البوح بما يجول في خاطرها، ومشاركته مع الرأي العام في بلدانها، إذ عبّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في الرابع عشر من سبتمبر، عن اعتقاده بأن تدعيم الدفاع وتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية أمران يصبان في مصلحة حلف الناتو والولايات المتحدة.


اقرأ أيضاً: إلغاء الطوارئ المصرية.. إشارة للتعافي وعودة للريادة بالإقليم

واعتبر حينها، بوريل أن ما حدث في أفغانستان شكل "صحوة قاسية" بالنسبة للأوروبيين، إذ "أثبتت الأحداث مرة أخرى هشاشتنا، ونحن بحاجة إلى تقييم لدور الاتحاد في أفغانستان لمعرفة الخلل الذي حصل خلال العشرين عاما الماضية"، وأوضح أن التطورات الأفغانية تجبر الأوروبيين على إجراء تفكير معمق يتجاوز مسألة تشكيل قوة عسكرية للتدخل السريع، مشدداً على أن المراجعة يجب أن تكون "سياسية، استراتيجية وربما ثقافية".


فرنسا وشعرة أوكوس


ومن المعلوم بأن فرنسا من أكثر الدول انتقاداً لحلف الناتو، حيث سبق أن اعتبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأن الحلف يعاني من موت دماغي، نهاية العام 2019، ويبدو أن الممارسات الاستفزازية من بعض دول الحلف لم تساهم إلا في تشجيع فرنسا على الابتعاد عن الحلف أكثر، إذ قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في الواحد والعشرين من سبتمبر، إنه على خلفية الشراكة الأمنية (أوكوس) بين أستراليا والولايات وبريطانيا، فإن باريس تبحث "الانسحاب من القيادة العسكرية" لحلف شمال الأطلسي "الناتو".


وذكرت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اختار التصعيد رداً على الخطوات السرية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لبيع الغواصات التي تعمل بالوقود النووي لأستراليا، التي بدورها ألغت صفقة غواصات اعتيادية كانت تسعى لاستيرادها من فرنسا، خصوصاً وأن هذه الخطوة جاءت قبل ستة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.


اقرأ أيضاً: إيران وأكذوبة الحوار مع السعودية.. تكتيك لقبول النووي ومصالحة العرب

وأشارت إلى أن إحدى الأفكار التي تدور، هي انسحاب فرنسا من هيكل القيادة العسكرية المتكاملة لحلف "الناتو"، والتي عادت للانضمام إليه عام 2009 بعد غياب دام 43 عاماً، معتبرة أنه على الرغم من تصريحات ماكرون في العام 2019، بقوله إن الناتو "ميت سريرياً"، فإن فكرة انسحاب فرنسا من الحلف ستكون خطوة "راديكالية"، ورأت أن "فرنسا تشعر بالإهانة ولن تنسى بسهولة ما تراه صفعة أمريكية على الوجه".


تحليلٌ أيده ما أعلنته وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، في الثاني والعشرين من سبتمبر، من أن دول حلف الناتو وافقت على مراجعة مفهومه الاستراتيجي، على خلفية أزمة باريس مع الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، منددةً في مجلس الشيوخ الفرنسي، بسياسات الإدارة الأمريكية، قائلة: "يشكل سلوك الولايات المتحدة في المسألة المتعلقة ببرنامج الغواصات دليلاً جديداً على ما نؤكد عليه على مدى أشهر، وهو غياب أي حوار سياسي داخل حلف شمال الأطلسي".


اقرأ أيضاً: الدوحة وتعويم طالبان.. التجربة الملهمة لتنظيمات الإسلام السياسي

كما أوضحت بارلي أن الناتو خلال الأشهر الأخيرة، شهد اضطرابات ملموسة، منها "مغامرات تركية في المتوسط" والانسحاب المتسارع وغير المنسق لقوات الحلف من أفغانستان، لافتة إلى أن هذا الانسحاب جلب "تبعات محزنة"، وتساءلت بارلي بشأن الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من قرار أستراليا إلغاء صفقة الغواصات، متسائلة: "هل يجب علينا الانسحاب من الناتو وإغلاق الباب؟ لا أعتقد أنه ينبغي لنا تبني هذه الخطوة".


الإخفاق في إقناع تركيا


وإضافة إلى ذلك، لا تزال تداعيات صفقة توريد أنظمة "إس 400" للدفاع الجوي بين موسكو وأنقرة في عام 2017، والتي أثارت انتقادات من قبل حلفاء تركيا في الناتو، على حالها، مع إصرار أنقرة على التمسك بالصفقة، في ظل إخفاق الحلف بإقناع عضوته المفترضة بالتخلي عن الصواريخ الروسية، وهو ما أشار إليه الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، في الخامس من أكتوبر الماضي، عندما أعلن أن التكتل لم يتمكن من إقناع تركيا بالتخلي عن أنظمة "إس 400" الروسية للدفاع الجوي، واستبدالها بأنظمة من صنع الدول الغربية.


قائلاً من واشنطن: "كما قلت سابقاً، وهذه مسألة مهمة بالنسبة للناتو، فإن أنظمة "إس 400" للدفاع الجوي يجب أن تكون قابلة للاندماج مع أنظمة الناتو، ويجب أن تكون هناك إمكانية لدمجها بمنظومة الدفاع الجوي والصاروخي للناتو، والأمر ليس كذلك مع "إس 400"، وأضاف: "نعمل على معالجة تلك القضايا كحلف، وأنا على علم بأن هناك بعض المشاكل، إذ أن بعض الأعضاء لهم مواقف ناقدة (تجاه أنقرة) ويجري الحديث عن ذلك بشكل علني، بما في ذلك خلال اجتماعات الناتو".


اقرأ أيضاً: من الهرموش إلى شمعة.. الغرابة وإشارات التعجب رفيقةً لألغاز أبطالها “السوريون”

وإلى جانب هذا وذاك، فإن التحديات الخارجية لا تبدو قليلة، إذ صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في نهاية أكتوبر، بأن الحفاظ على الحوار مع الناتو أصبح الآن أصعب مما كان عليه خلال الفترة الأكثر توتراً في حقبة الحرب الباردة.


أما بكين فهي الأخرى تتوسع بالقوة، وأضحت منافسة للناتو، وهو ما ذهب إليه الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، بداية نوفمبر الجاري، عندما قال إن "ميزان القوى العالمي في مرحلة تحول، حيث أصبحت الصين قوة عسكرية أكبر وأقوى"، مضيفاً: "الصين تقترب منا.. نراها في الفضاء السيبراني وفي الفضاء وفي إفريقيا والقطب الشمالي"، وعليه فإن جملة التحديدات الداخلية والخارجية التي تواجه الناتو، لا تجعل حتى أكثر المؤيدين له، متفائلاً إزاء مستقبل الحلف، الذي يبدو أنه يتآكل من الداخل، ويتلقى الصفعات من الخارج.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!