الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
إيران ما بين الحرب والسلم
شفان إبراهيم

شفان إبراهيم


لعل أيّ تغيرٌ في توازنات الخطاب والأفعال الأمريكية والإيرانية إزاء اللغة العنفية واللينة، والحركات الاستعراضية تجاه بعضهما البعض، قدّ يتسبب في نشوب حرب تُفضي في نتائجها إلى تغيرات إقليمية شاملة. صحيح أن الطرفان لا يريدان الحرب، لكنها أن وقعت، سيعني تغيراً في الخرائط الجغرافية والسياسية والتحالفات في سوريا واليمن والعراق واستنزاف الخليج، وتغيير في قوة وأحجام وتأثير الأحزاب الكُردية في كل من كُردستان العراق تركيا، وتبعاتها وتأثيرها على الأحزاب الكُردية في سوريا. هذه التغيرات تبدوا غائبة عن التوجه العام للفاعلين الدوليين الأساسيين في الملف السوري، الساعين نحو تغيرات في شكل ونوع الدولة والحكم، وليس تغير الخرائط بالكامل على أقل تقدير خلال العامين المقبلين إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية.


لم تنجح إيران حتى الآن في تفهم إنها ليست بالجمهورية الإسلامية التي حولت شبه هزيمتها في 1988 إلى انتصاراً على العراقيين والعراق، ولا تزال تنظر للعرب والمسلمين بالعين ذاتها التي قيمت العراق بعد حربهما، ولا تزال تسعى لخوض المعارك خارج أراضيها، وتعتقد أن باقي الأنظمة العربية التي تدور خارج فُلكها، وكأنها البعث العراقي الذي وقع في فخاخ إيران وجره إلى حرب خارج أديمها. ولا تزال تجهل أيَّ طريقة أخرى في التعاطي مع الأحداث والمستجدات.


لنتفق أن العرب، وخاصة غير المنخرطين واللامنسجمين مع سياسات إيران،  تبدلت رؤاهم ومفاهيمهم حول ما يتوجب القيام به، فإن إيران لا تزال تنظر إليهم عبر أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وإنها لا تزال بعيدة عن استيعاب التغيرات الجذرية في الوعي الفردي والجماهيري ضمن أراضيها قبل الخارج. وما فات إيران، إن التعامل العربي اليوم تجاه توسعها ما عادت الأساليب القديمة نفسها، والدعم السعودي للرئيس المصري الحالي (السيسي) جاء كضربة مؤرقة للإيرانيين في إحدى مراكز القرار العربي الإسلامي وتحديداً "السُني"، التكتل العربي المضاد نجح إلى حد ما في اليمن من إنقاذ مضيق باب المندب كورقة أساسية للتحكم في ملاحة البحر الأحمر وقناة السويس وإنقاذه من الحوثيين بعد تمددهم من صنعاء إلى عدن إلى المخا. لذلك أمكن القول أن إيران لم تدرك أن العرب ما عادوا خائفين منها خاصة وانه ثمة استراتيجيات جديدة تعي ما تخفيه التحركات الإيرانية الساعية لتقويض وجودهم ضمن دولهم.


خطاب تصعيدي يتخلله هدوء تارة أخرى، والمحصلة استمرار تصدير أزماتها عبر شعار الثورة إلى الخارج، واستمرارها في الاعتماد على أذرعتها بدءً من الحرس الثوري الإيراني الذي شكلته مستغلة انشغال الجيش الإيراني بمحاربة العراق آنذاك، حتى أصبحت القوة الرئيسية التي يأتمر الجيش بأوامره، واعتماده على ذراعه في لبنان الذي تحول إلى إدارة اختراق وتوتر وضغط خارجه انطلاقاً نحو اليمن والعراق وسوريا والبحرين والسعودية ومصر وغيرها، لاعباً كدور محوري في تنفيذ الأنشطة والبرامج الساعية نحو توسيع النفوذ الخارجي.


الصراع ضمن الإدارة الأمريكية ربما يفضي إلى حل وسطي، حول رؤية إيران دولة هادئة تتمتع بعلاقات جيرة وعدم التدخل في شؤون الغير، والانسحاب من الدول العربية والالتفات إلى هموم الشعب في إيران، الذي أضحت مدن الصفيح تشكل العمود الفقري للتغيرات المجتمعية والتبادلات الاجتماعية القائمة على استهتار الجيل الجديد بالطبقة الحاكمة والفئات المتنفذة في البلاد إضافة إلى رفعهم شعار "المحافظون والاصلاحيون اللعبة كشفت" قبل فترة أثناء التظاهرات ضمن إيران، ولا ترغب في تفهم أن فئات الشباب ما عادت مستعدة للموت في سبيل مشاريع لم تندمل جراح الثمانينيات حتى بات نزيف القرن الحالي أكثر تدفقاً، وتجاهل وتهميش البؤس الداخلي، قابله رفض الشباب لجمع السلطتين السياسية والدينية في يد شخص واحد يدير الحياة والموت كتجسيد للرغبة السماوية ومشيئته وظل الله على الأرض. وهم الذين استبدلوا شعارات الموت لأمريكا إلى هتافات وشعارات ضد المرشد الأعلى وتمزيق صوره.


لم تسأم أمريكا من السلوك الإيراني الفظّ تجاه الخارج وتصدير ثورته المزعومة، لكن انتظار الداخل الإيراني لأيَّ فرصة للتعبير عن رفضه النهائي عن الموت في الخارج بسم الله والموت جوعاً في الداخل، لا يتحمل الانتظار أكثر أمام تصاعد حدّة الخلاف ضمن الإدارة الأمريكية حول آلية التعامل مع الملف الإيراني. صراع بومبيو وبولتون مع ترامب، حيث يسعى الثاني لعقد اتفاقات حول البرنامج النووي والتفات إيران للداخل وسحب التدخل الخارجي،يقابله الأول المتمثل بالتيار المتشدد الساعي لرؤية إيران دولة منهارة مستسلمة للرغبة الأمريكية، مستنداً على موقعه كمستشار للأمن القومي.


من الممكن اعتبار دعوة ترامب للحوار عملية إحراج للجانب الإيراني أمام شعبه ومناصريه، وتكون نهاية تلك الحوارات التوقف عن تصدير ثورتها باسم الله وولاية الفقيه، حينها ستكون إيران أمام متغيرات من الصعب التحكم بها فالمطلوب بالحد الأدنى عوضاً عن الحرب تغير سلوكها جوهرياً وبنيوياً، وكيف لها حين ذاك أن تبقى في السلطة، ويبقى السؤال المتكرر هل ستستفيد إيران من تجارب الأنظمة العربية التي سقطت تلو الأخرى بعد عنادها .


إزاء ذلك فإن تشابه سلوك الإدارة الأمريكية والتاجر اليهودي الذي يعود إلى دفاتره القديمة في كل هزة أو مشكلة يتعرض لها، قدّ تشي بإعادة فتح الملفات القديمة وإلزام إيران بدفع فواتيرها كاملة بدءً من قضية احتجاز دبلوماسيي السفارة الأمريكية سنة1979، والاعتداء على السفن التجارية وناقلات النفط في ميناء الفجيرة وغيرها، وربما إعادة فتح ملف تفجير السفارة الأمريكية وقاعدة المارينز في لبنان سنة1983 ضمن جردة الحساب التي لن تجد إيران بدً من ابتلاعها على مضض.


تعودنا نحن المتابعون أن الأنظمة الشرقية وخاصة في الشرق الأوسط تعلي من جعجعتها دوماً وسرعان ما تنهار أمام أول اختبار عسكري حقيقي، ولعل الوضع في العراق واليمن وسوريا خير دليل. بالمقابل فلا وقفة روسية مع إيران، والأولى تسعى للاستفراد بالمياه الدافئة في سوريا التي لا تتحمل القسمة على اثنين إضافة إلى شيء من حصة أصحاب الدار، أو مزاحمتها في عقود إعادة الأعمار.


أمام إيران دفع فاتورة ال،40 عاماً من الحكم باسم الله على الأرض، فالداخل الإيراني بقومياته الستة المتنافرة ما بين أربعة ضد أثنين، والمحق الفارسي للعرب والكُرد والبلوش والتركمان، وإطلاق يد الاذريين كمتحكم في السياسات الاقتصادية في طهران، لن تُجدي نفعاً أمام أحلام الشباب بالتنفس أمام أول فرصة تلوح في الأفق.


إيران ما بين الحرب والسلم


إيران ما بين الحرب والسلم


إيران ما بين الحرب والسلم

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!