الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
انتصرت حماس وانتصرت إسرائيل.. ماذا الآن؟
مزن مرشد

دخلت الهدنة حيّز التنفيذ يوم الجمعة بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، معلنة وبطريقة عجائبية بأنّها "نصر مظفر" للطرفين، وللحقيقة هي ليست المرة الأولى التي أسمع فيها بأن عدوين لدودين يعلنان النصر عن ذات الحرب، فقد سبق وأعلنت سوريا ومصر انتصارهما في حرب تشرين "التحريرية"، وعشنا لعقود طويلة نغني للنصر ونحتفل به، لنكتشف لاحقاً- لاحقاً كثيراً- أنّ العدو الصهيوني "الغاشم" يحتفل بذات التاريخ بنصره في ذات التاريخ بما يسميه حرب يوم الغفران.


بعد أحد عشر يوماً منهكاً من الحرب الدامية على قطاع غزة، وسقوط مئات الضحايا والشهداء والمشردين، ناهيك عن الخسائر المادية التي تقدر بالمليارات. وآلاف الصواريخ الحمساوية على إسرائيل والتي لم توقع إلا عدداً قليلاً جداً من الضحايا، ربعهم من عرب الداخل، ما يعرف بعرب 48، وخسائر مادية لا تذكر، جاءت الهدنة وأوقفت الصراع الدموي الرابع بين الطرفين منذ عام 2008، وهذا يا سادة ما حصل.


أواخر نيسان/ أبريل المنصرم، وفي حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، تظاهر آلاف الفلسطينيين دعماً لعائلات مهددة بالإخلاء لصالح المستوطنين الإسرائيليين، اندلعت على أثرها اشتباكات في القدس وكانت المفاجأة بأن عرب 48 أو عرب إسرائيل يشتركون لأول مرة بالانتفاض ضد قرارات التوطين، الأمر الذي شكل صدمة للمسؤولين الإسرائيليين من جهة، ولفت أنظار الرأي العام العالمي من جهة ثانية، لكونها قضية محقة، لا يمكن أن يقبلها أي قانون على وجه البسيطة، وبالفعل أخذت القضية أبعاداً عالمية، وتأييداً دولياً سياسياً ومجتميعاً، حتى بعض يهود أوروبا وأمريكا ويهود الداخل الإسرائيلي خرجوا في تظاهرات مؤيدة لحق الشعب الفلسطيني بأرضة وبيته وضد طرد الأسر من منازلها. حتى الآن الوضع رائع ويبشر بالخير، وبدأت الحكومة الإسرائلية تستشعر حرج موقفها وتحاول لملمة الموضوع- لكن يا فرحة ما تمت- لم تلحق الحكومة أن تقوم بأي خطوة لوقف الاستيطان حتى أتت صواريخ حماس منقذاً لها أمام العالم أجمع، لتعود أغنية "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها" تغزو وسائل الإعلام العالمي، وينسى العالم أساس الأمر وأصحاب المشكلة الأساسيين (سكان حي الشيخ جراح).


وبالطبع كانت سعادة بنيامين نتنياهو عارمة بالصواريخ الحمساوية، وبدأ يطرب بأهزوجة "حق بلاده بالدفاع عن نفسها"، وبدأت مسرحية الأحد عشر يوماً الدامية.


ورداً على ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية جوية وبرية واسعة النطاق على قطاع غزة، أودت بحياة ما لا يقل عن 243 فلسطينياً، من بينهم 66 طفلاً ومقاتلاً، وأصيب أكثر من 1900 فلسطيني قبل وقف إطلاق النار، بينهم- فقط- 560 طفلاً. في غزة تضرر 1447 منزلاً، بحسب إعلام حماس ذاتها.


بالمقابل قالت الشرطة الإسرائيلية إن نحو 4300 صاروخ أطلق في 11 يوماً على إسرائيل أسفر عن مقتل 12 شخصاً- عدد ضخم جداً فعلاً- بينهم طفل وفتاة وجندي. وأصيب نحو 357 إسرائيلياً، بحسب ماغن دافيد أدوم، رئيس نجمة داوود الحمراء، أي الصليب الأحمر الإسرائيلي، والهلال الأحمر في الدول الإسلامية.


ومع كل هذه النتائج والتي يستطيع أي طفل المقارنة بينها، ومعرفة حجم خسائر كل طرف وبالتالي تقدير الخاسر، سارع الطرفان إلى إعلان النصر في هذا الاشتباك.


حماس قالت عن الهدنة "نشوة النصر"، ووصف نتنياهو هجوم الجيش الإسرائيلي على القطاع بأنّه "نجاح باهر"، مشيراً إلى القضاء على "أكثر من 200 إرهابي"، بمن فيهم "25 من قادة حماس"، ووعد بأنّ "الجمهور لا يعرف كل شيء ولا حماس كذلك في هذا الشأن، ولكن سيتم الكشف عن كل إنجازاتنا مع مرور الوقت"، وأكد لجمهاهيره بأنّ حماس قد تراجعت "سنوات إلى الوراء".


في هذه المعركة الخاسرة على جميع الجبهات من وجهة نظري، استطاعت حماس- المهمشة من قبل المجتمع الدولي- أن تستعيد بعضاً من مصداقيتها في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ولا سيما في القدس، ولكن ليس عند الجميع، فشهد الشارع العربي انقساماً بين من استعاد ثقته بحماس، ومن رسخ نظرته برؤية خيانتها للقضية عندما أعطت إسرائيل الذريعة لوأد الانتفاضة قبل أن تتضخم أكثر، فتصبح صعبة الاحتواء على الحكومة الإسرائيلية.


وبالمقابل أعادت هذه الحرب الجدل الحاصل بين نتنياهو وحكومته والشعب الإسرائيلي حول القضاء على حماس أو على الأقل الحد من قدراتها العسكرية، كي تنعم المستوطنات الإسرائيلية المحيطية بالهدوء لفترة طويلة، وهذا ما حققه نتنياهو وما أعلن عنه بأنّه استطاع أن يعيد حماس عشرة أعوام إلى الخلف، ليخرج نتنياهو كرابح وحيد من هذه الحرب، وليستعيد شعبيته التي كانت في الحضيض قبل هجمات حماس الصاروخية.


ويبقى قطاع غزة الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، رازحاً تحت وطأة أزمة إنسانية واقتصادية، ينتظر أولويات المجتمع الدولي كي يحصل على الاستجابة المرجوة في مساعدته كي يستطيع الوقوف على قدميه صحياً على أبسط تقدير، ناهيك عن الوضع المعيشي السيء من الأساس.


وانتظار مساعدات الدول العربية لإعادة الإعمار الذي سيكلف المليارات، هذا دون أن ننسى قضية الحصار، الذي تم تطبيقه على القطاع بعد استيلاء حماس على السلطة عام 2007 في قطاع غزة وسيكون هذا الحصار جزءاً من قضية سياسية شائكة في ظل رفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الدخول في محادثات مباشرة مع حماس بوصفها منظمة إرهابية.


مزن مرشد

ليفانت - مزن مرشد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!