الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
اتفاقية روسيا – تركيا بين إدلب ونبع السلام
اتفاقية روسيا – تركيا بين إدلب ونبع السلام

"أقدم التعازي في مقتل الجنود الأتراك بسوريا" قالها بوتين مُخاطباً الجيش والرئاسة والشعب التركي. لو قارنا بنود الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، بالبنود بينهما حول عملية نبع السلام كما وصفتها تركيا، حافظت روسيا لتركيا على الحدود الأمنية الجديدة بعمق 32كلم، بل وحماية اتفاقية أضنه، مع إخراج قوات قسد وسلاحها من المنطقة، إضافة إلى تل رفعت ومنبج، ولم تكترث لمصير قوات سوريا الديمقراطية أبداً.


وإن كانت اتفاقية أردوغان - بوتين تحدثت عن ممر أمن، لكن الأكثر رخاوة تجلت عبر عدم ذكر آلية الضبط والمراقبة، أو نوعية الحركة ضمن الطرق الدوليةM4,M5, ولا نوعية الحكم والإدارات فيها، وأن تركيا ستقدم المساعدة للنازحين وستؤمن عودتهم إلى ديارهم. في واقع الحال سيتم إعادة النازحين السوريين الواصلين إلى الحدود اليونانية التركية، بعد أن استخدمتهم تركيا كأبرز بطاقة ضغط ضد أوربا. في الوقت الذي لا يزال فيه الآلاف من أهالي عفرين وسري كانيه وكريسبي يتحسرون على بيوتهم التي نُهبت وفي انتظار تفعيل الاتفاقية الموقعة بين المجلس الكوردي والإتلاف وبرعاية تركيا.


في إدلب خسرت تركيا إمكانية تغيير قواعد الاشتباك وإعاقة الجيش السوري أكثر، براهنية الاتفاق مع روسيا الكاسبة تغيير خطوط التماس في منطقة التصعيد الرابعة، بينما والحال مع "مناطق النفوذ التركية" ضمن المنطقة الكوردية، فإن تركيا ثبتت مناطق الحدود الأمنية، وخاصة في عفرين عبر المناهج المدرسية وهياكل الحكم المحلية ونظام إدارة خاص، واستعمال العملة التركية والعلم التركي، بمعنى أخر تحولت تلك الحدود القلقة إلى شيء من الضّم صوب الجغرافية التركية.


في الاتفاق الأخير كانت تركيا ضعيفة الظهر أمام روسيا ومكشوفة الظهر؛ لضعف علاقتها بأمريكا والاتحاد الأوربي، ومع علمها أن لا أحد سيساندها، ما فرض الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه تركيا، نفسه على الاتفاق، بينما كانت ترغب تركيا بزيادة رقعة تواجدها في شرق الفرات، بعد عفرين، ولم يردعها أحد، بل أن ترامب قالها للأتراك، خذوها فهي لكم.


المعروف عن السياسة الروسية اتباعها مسلك تثبيت الحدود الناجمة عن العسكرة، وتحديداً منذ معارك مورك في ريف حماه، كما أن روسيا لم تلتزم بطلب تركيا العودة إلى حدود منطقة خفض التصعيد، بينما والحال مع الكورد، فإن روسيا أفسحت المجال لتركيا عبر الاتفاق معها في أستانة على قضم عفرين بالكامل ريفاً ومدينة.


في إدلب ربما تكون الاتفاقية هشة ومؤقتة، وتحاول روسيا المراوغة في الحفاظ على الاتفاق وتنفيذه، خاصة وأن بند محاربة الإرهاب وتحديداً جبهة النُصرة، يتكرر منذ أستانة في2017، وفي حال لم تكسب روسيا من اللجنة الدستورية ما ترغب، أو عودة السيطرة الكاملة للدولة على الطرق الدولية وتأمينها، ولاحقاً رُبما نشهد تفاوضاً على مناطق أخرى. فإن جبهة النُصرة جاهزة كشماعة لكسر قواعد الاشتباك والحدود الحالية مُجدداً. يُمكن تسميته باتفاق الضرورة، وتفضيله على التصادم المباشر بينهما عسكرياً، وإن كانت تركيا لا تزال تدفع ثمن إسقاطها للطائرة الروسية قبل أعوام، فإن روسيا هي الأخرى لا ترغب في إفساد العلاقات الاقتصادية بينهم.


بينما في عمليات غصن الزيتون ونبع السلام، لا أحد اهتم لمصير قوات سوريا الديمقراطية ولا لمصير المدنيين، أو الوضع الحالي للحدود الأمنية، فقط تضامنت الدول الفاعلة مع الرغبة التركية، وكانت طوق نجاة لقوات سوريا الديمقراطية التي لم تستطع الصمود أمام السلاح الجوي والبّري لتركيا. وتبقى الكارثة الإنسانية والقومية إن صحَّت الأنباء حول إرسال اللاجئين والكتائب العسكرية إلى تل أبيض - كري سبي. بل وأن الفارق الآخر يكمن في الدور الإيراني السياسي القادم عبر الحدود الجديدة، وهو ما غُيب عن شرق الفرات وعفرين تكريماً لتركيا.


الخيار الوارد لفشل اتفاقية إدلب، يتمحور حول طبيعة ونوعية الدعم الأمريكي لتركيا والتزامها مع مسار جنيف فقط دون أستانة وسوتشي، ورغبة تركيا في المزيد من التوسع في تلك المناطق، الذي يصطدم بالرفض الأمريكي وإن وافقت روسيا على ذلك. في حين أن لا دعماً سياسياً دولياً للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية قبل قطع صلتها مع قنديل والدخول في حوار وشراكة سياسية حقيقية مع باقي الأطراف الكوردية وغيرها في شرق الفرات.


احتفاظ تركيا بحق الرد يمنحها هي الأخرى ممراً جديداً رُبما صوب منطقة نفوذ جديدة، في حال تجدد الاشتباكات.  أما لو اتفقت الأطراف على الحدود الحالية دون اشتباكات جديدة، فإن منطقة نفوذ رابعة ستعلن لتركيا، ورُبما تكون كوباني وعين عيسى إحدى الهدايا الروسية إلى تركيا، وسيكون مصير منبج تحصيل حاصل لقطع جميع السبل والطرق إليها، لكن الأكثر قسوة بالنسبة لقسد والإدارة الذاتية سيكون مصير الرقة لما تشكله من عقدة مواصلات برية، والمتحكم بها، بمقدروه التحكم بالطرق البرية المختلفة في سوريا، أو اشتراط تركيا تمويل المنطقة الممتدة بين سري كانيه - رأس العين حتى تل أبيض لإعمارها والتخلص من اللاجئين السوريين في تركيا. بالعموم رُبما تكون النقطة الخلافية الأكثر عمقاً بين الطرفين للدخول في تفاهم جدّي وعميق، هي أولوية إخراج جبهة النُصرة من إدلب، أو قوات سوريا الديمقراطية من كوباني.


قصارى القول: فكما أن الوطني الكوردي أمام استحقاق عميق الأهمية في تنفيذ اتفاقه مع المعارضة السورية بمباركة تركيا وعودة المُهجرين إلى ديارهم، أو أن إسكان آخرين في بيوت الكورد ستكون ضربة قاصمة لعلاقات المجلس مع المذكورين. فإن قسد والإدارة الذاتية أمام أخر رمق ونفس أخير للاقتناع أنهم مادة للمساومة على طاولات الكبار، وكما تقول القاعدة العسكرية "حين تتفق الأصول، ما على الفروع سوى التنفيذ". وأن روسيا ستبقى تفضل تركيا والنظام عليهم، كحالهم مع الإدارة الأمريكية التي تبحث عن تثبيت علاقات مع حلفاء لا ينقلبون بين ليلة وضحاها عليهم.


ليفانت - شفان ابراهيم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!