-
كيف نحمي أطفالنا من الغرق في بحر التكنولوجيا؟
في الوقت الذي بدأ العالم الافتراضي يغزو عالمنا الواقعي هل من الممكن أن نحمي أطفالنا من أضرار التكنولوجيا التي باتت سلبياتها أكثر من إيجابياتها؟ وكيف سنتمكن من إرشادهم ومنع خلق فجوة بينهم وبين العالم الواقعي وحمايتهم من الوقوع في حفرة الانطوائية؟
مع استمرار إجراءات الحظر الجزئي والكلي نتيجة انتشار فيروس كورونا في معظم أرجاء العالم، وإكمال العملية الدراسية للطلبة عن طريق التعليم عن بعد إضافة إلى إكمال معظم العاملين في الشركات أعمالهم ضمن منازلهم للحد من انتشار الفيروس، كثر استخدام الهواتف الحديثة والحواسيب المحمولة لدى مجمع البشر، إذ كان للأجهزة الحديثة دور فعال في إكمال الأعمال التي تمت توقيفها بسبب إجراءات الحظر.
إذ كان للتكنولوجيا تأثير إيجابي كبير، بشكل خاص على الأطفال، فمعظم ألعاب الفيديو المنتشرة بين الأطفال تتطلب منهم مهارة حل المشكلات التي تقابلهم أثناء اللعبة، وتدفعهم لسرعة اتخاذ القرار والتغلب على العقبات للوصول إلى الهدف، ومن الممكن الاستفادة من هذه التجارب الافتراضية في الحياة الواقعية لأداء الواجبات المدرسية وتخطي المشاكل والخلافات، إضافة إلى تنمية مهارات التواصل الاجتماعي لديهم والتأثير على سلوكهم بشكل إيجابي، كما تنمّي قدرات الطفل على التفكير المنطقي والنقدي والإبداعي.
وعن التأثيرات الإيجابية للتكنولوجيا على الأطفال، بيّن لنا الاستشاري أحمد رشيد، الأخصائي في مستشفى آدم فيتال بدبي، بأن استخدام التكنولوجيا الإيجابي الموجه لدى الأطفال سيخلق جيلاً من الإبداعات، إضافة إلى مساعدتهم في معاصرة العلم والتعليم، وبالتالي بناء مجتمع ناجح، أما إذا استخدم بشكل عشوائي أو فوضوي طبعاً سيخلق جيلاً فاشلاً وبالتالي خلق مجتمع فاشل.
إلى أين وصلت التكنولوجيا؟
ولكن مع مرور الوقت، ارتأينا بأن التكنولوجيا أيضاً كانت سيفاً ذا حدّين، وأصبح لها منحنى آخر، فاستخدامها يشكّل إدماناً لدى الكثير، وعلى وجه الخصوص، عند الأطفال، وعند البحث عن آثار التكنولوجيا على الأطفال، سواء كانت في محركات البحث أو عند استشارة طبيب مختص، نلاحظ بأن سلبياتها أصبحت أكثر من إيجابياتها، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية وحتى الجسدية، وسواء كانت هذه التأثيرات تظهر بشكل مباشر أو على المدى الطويل.
أظهرت الأبحاث مؤخراً بأن الآثار السلبية للتكنولوجيا على الطفل من الناحية الاجتماعية قد تؤدي إلى جعلهم انطوائيين بسبب قضاء ساعات طويلة على أجهزتهم الحديثة، أو عدوانيين، أو التفوه بألفاظ غير لائقة نتيجة اكتسابها من مصادر غير معروفة، أو في حال استخدامها بدون إرشاد الوالدين، ولم يستبعد العلماء احتمالية لجوء الأطفال إلى ممارسة العنف خلال حياتهم العملية، وذلك نتيجة تطبيق ما شاهدوه في الحياة الافتراضية على أرض الواقع.
أما من الناحية السلوكية، فبيّن العديد من الأخصائيين في مجال الطب النفسي بأن قضاء ساعات طويلة أمام الأجهزة الحديثة من قبل الأطفال من الممكن التسبب للطفل بالوقوع في سلوكيات خطيرة كالتدخين، وتعاطي المخدرات خلال مرحلة حساسة جداً وهي مرحلة المراهقة، ومثل هذه السلوكيات ستؤثر على حياة الطفل لمراحل مقبلة من حياته وقد لا يتمكن من التخلص منها مستقبلاً.
أما الناحية الجسدية، كان لها النصيب الأكبر من الأضرار، سواء كانت هذه الآثار تظهر بشكل مباشر كالتعب، والإرهاق، والصداع، والعصبية، أو على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال، الإشعاعات التي تصدر من الأجهزة الحديثة قد تسبب السرطانات، إضافة إلى الجلوس لساعات طويلة والانحناء المستمر (جلسة غير صحية)، فإنها تؤثر على منطقة الكتفين والعنق، كما حذر الأطباء بأنها قد تؤثر في العين وتسبب في جفافها، وقصر النظر على المدى الطويل، وأخيراً اعتماد الأطفال على الأجهزة قد يؤدي إلى كسل في استخدام الدماغ وبالتالي سيؤثر على ذاكرة الطفل.
دور مراقبة الوالدين وإرشاده
قضاء أوقات طويلة خلف شاشات الأجهزة الحديثة من قبل الأطفال وتعرفهم على مختلف الأجناس والثقافات يستوجب من الوالدين التدخل الفوري لمراقبة أبنائهم وتوجيههم حول كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح، إضافة إلى وضع قواعد للحد من استخدام التكنولوجيا وتجنب الآثار السلبية لها قدر المستطاع، ولمنح أجسادهم وعقولهم فرصة للاستراحة.
وهنا من الضروري جداً تسليط الضوء على كيفية ترشيد الأبوين لأبنائهم، وتقديم النصائح لهم ومراقبتهم، ولا سيّما أن هذا الاستخدام المفرط قد يؤدي إلى خلق فجوة فيما بينهم، بينما الاستخدام المعتدل يحافظ على هذه الروابط.
وبهذا الصدد، قدم مختصّون اجتماعيون العديد من النصائح لأولياء الأمور، كأن يعلّم الوالدان أطفالهما أن التكنولوجيا تفيد في البحث ليطور عن نفسه من خلال المقاطع التصويرية لهوايته المفضلة، ويمكن وضع كلمة مرور على أجهزة الهاتف والحواسيب المحمولة لضمان عدم استخدامها في الأوقات غير المخصصة لها، وملء وقت الطفل بمهارات حركية ونشاطات تجعل التفكير بإمساك الهاتف للعب أمراً لا وقت له ولا أهميّة مقابل ألعابه ونشاطه اليومي، إضافة إلى تقديم بدائل مختلفة عن الألعاب الإلكترونية باصطحابهم إلى التنزه وممارسة الأنشطة معاً.
وحول هذا الموضوع، بيّن لنا الاستشاري أحمد رشيد بأن "للتكنولوجيا تأثير صحي إذا استخدمت أكثر من اللازم، وكذلك الاستخدام السيء وبدون مراقبة من الوالدين، إضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية وحتى الجسدية التي ترتبط بشكل وثيق في تكوين شخص المستخدم في هذه المرحلة الحساسة جداً وهو الأطفال".
وعن كيفية تقليل ساعات استخدام التكنولوجيا من قبل الأطفال، قال الاستشاري، أحمد رشيد، بأنه "يجب الاعتماد على المربين وأولياء الأمور بتزود الأطفال بالبرامج المفيدة والناجحة وكذلك مراقبة الأطفال في كيفية استخدام التكنولوجيا وتعليمهم الوجه الإيجابي وتنبيههم".
وتابع: "قد يكون إهمال بعض أولياء الأمور لأطفالهم لساعات طويلة خلال اليوم، وعدم حرصهم على ما يشاهدونه يؤدي إلى مشاهدة الأطفال لبعض المقاطع غير المناسبة لأعمارهم، لذا من الضروري جداً حرص الوالدين على مراقبة أطفالهم باستمرار، ومتابعة سلوكهم واستشارة الأخصائيين في حال لزم الأمر، والأخذ بزمام الأمور، وأخذ الأمر بجدية تامة ليتأكد الأطفال بأنه لن يسمح لهم باستخدام أجهزتهم الذكية إلا في أوقات مخصصة، وتحت إشراف والديهم، وذلك بحثِّ الأطفال على القراءة واللعب في الخارج مع أصدقائهم.
أما بالنسبة إلى الحلول البديلة، وضح الاستشاري: "بالنسبة إلى الحلول البديلة فمن الضروري التوجه بشكل مباشر إلى المختصين في هذا المجال والاستعانة بدورات لإعادة تأهيل الطفل حول كيفية استخدام التكنولوجيا الإيجابية".
لا يمكن القول بأنّ هناك ساعات محددة، فيجب على أولياء الطفل تنظيم الوقت للطفل بين ساعات الدراسة والتعليم وساعات الترفيه ويجب أن نحاول بقدر الإمكان ألا نمنع الطفل عنوة، بل مناقشته وتدريبه وتعليمه في كيفية تنظيم وقته بين المدرسة والتعليم واللعب والتركيز بشكل جيد إذا ما كان الطفل مندمج مع المجتمع أم مختلط به.
ومن جانبه، يقول السيد أحمد الأحمد، وهو أب لثلاثة أطفال، عن مدى دور رقابة الوالدين وإرشادهم في التحكم لاستخدام الأبناء للتكنولوجيا: "أحاول قدر الإمكان مراقبة أبنائي على كيفية استخدامهم للتكنولوجيا، وذلك عند انتهائهم من اللعب عليها، أراقب في محركات البحث عما تم البحث عنه، كما أنني أراقب سلوكهم باستمرار وفي حال ملاحظتنا أي تغير سلبي نبحث عن السبب".
وتابع أحمد: "استطعت نوعاً ما التقليل من ساعات استخدام أبنائي للتكنولوجيا، وذلك بزيادة الأنشطة التي نقوم بها معاً، ومحاولتي قدر الإمكان جعلهم يدركون بأن اللعب والترفيه مع أصدقائهم في الحياة الواقعية أفضل من اللعب والترفيه مع أصدقائهم الافتراضيين".
وفي ختام حديثه، قال السيد أحمد الأحمد: "من الضروري جداً أن ينبه الآباء أطفالهم على أضرار استخدام التكنولوجيا بكثرة، لكيلا يفكر الطفل أن منع الوالدين هو مجرد حرمان أو هي عقوبة لهم".
ليفانت - إحسان مشايخ
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!