الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
صواريخ في التراب
صواريخ في التراب

عندما أطلق حزب الله صواريخه على الآلية الإسرائيلية يبدو أنه قد دعا الله أن لا تصيب الهدف، بعكس المعتاد من المنظمات الجهادية (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، ومع أن الصواريخ ذات آلية تتبع ذاتي لكنها بستر من الله أخطأت الهدف، فحسن نصر الله يريد من إطلاق (صووايخة ) أن يخرج في لقاء تلفيزيوني مطوّل ويقول أنه رد على عدوان اسرائيل المتكرر، لكنه يخشى كثيراً أن يتورط في حرب معها، نظراً لانشغاله في حربه ضد الشعب السوري واللبناني والعراقي واليمني، فشعار المقاومة هو الغطاء الضروري لتلك الحرب، كما أن اسرائيل أكملت له فصول المسرحية بتمثيل مسرحية نقل جنود للمشفى، طبعاً صواريخ حزب الله لم تستهدف طائرة المسعفين مع أنها في المدى ذاته، لأن حزب الله حزب يلتزم بمعاهدات جنيف المتعلقة بالحرب مع اسرائيل، في حين يرتكب كل أنواع جرائم الحرب مع الشعب السوري. الدوريات الاسرائيلية تجوب على مدار الساعة الحدود، وعلى بعد أمتار من منازل حزب الله في الجنوب، ولا أحد يرميها بقشة ... أما حزب الله فيتعمد استهداف أحدها من بعيد جداً لكي لا يصيبها.


وإسرائيل أيضا امتنعت بشكل متكرر عن توجيه ضربات موجعة وحقيقية لحزب الله منذ حرب تموز، التي كانت مسرحية أكثر منها حقيقية، وهكذا يستمر اللاعب الإسرائيلي، واللاعب الإيراني وذنبه حزب الله بهذا النوع من الحرب المسرحية التي تشبه ضرب الحبيب بالزبيب، كلاهما يستخدمها لخدمة أغراض داخلية، وكلاهما يتجنب تصعيدها لتصبح حرباً حقيقية، فدرجة العداء بينهما لم تصل حد الحرب بل فقط مستوى التهويل والتهديد بها، وكلا الطرفين بحاجة ماسة للطرف الآخر ... إيران بحاجة لأن تدعي أنها تحارب الشيطان الأكبر، واسرائيل بحاجة لأن تدعي محاربة الإرهاب، وتريد تخويف الدول العربية لكي تصبح حليفتها في هذه الحرب وتقفز فوق قضية فلسطين. فتضخيم هذا العداء إعلامياً لا يتناسب مع معطياته عسكرياً.


إيران بحجم وقدرات معينة ضرورة لإسرائيل ولتحقيق التوازن الصراعي في الشرق الأوسط، كما أن وجود اسرائيل هو أكثر من ضرورة للسياسة الإيرانية، ومسرحيات الصراع بينهما يدفع ثمنها شعوب المنطقة ... السوري واللبناني والفلسطيني والخليجي وحتى الإيراني ... حزب الله حزب يدعي مقاومة اسرائيل لكي يستنتج بديهياً أن كل من يخالفه أو يعارضه، لأي سبب كان، هو عميل لإسرائيل وخادم لها، كونه يستهدف إضعاف المقاومة التي تقاومها. وهكذا يصبح حسن من آل فرفور ذنبه مغفور، ويده مطلقة في فعل ما يشاء بحق من يشاء، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة ... ولا هدف أهم منها.


كل الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع لحزب الله في سوريا على مدار سنوات الحرب لم تقتل 50 مقاتل، ولم تدمر سوى مستودعات فارغة وضعت للتمويه، تكلفة العمليات الجوية أكبر بأضعاف مضاعفة من ثمن ألواح التوتياء التي بنيت بها. لكن حكومة اسرائيل تستخدم حق الدفاع البعيد عن النفس، لتقوي من شعبيتها، وقيادة حزب الله تستخدم حق الرد لتستمر في تسلطها، لكنه في الحقيقة لا إسرائيل تدافع فعلاً، ولا حزب الله يرد فعلاً، لسبب بسيط أن المعركة ليست بينهما على الأقل حتى الآن، المعركة الحقيقية مع العرب السنّة، الذين يتعرضون لحرب إبادة وتهجير، منذ عقود توجت أخيراً بقتل وتهجير نصف سكان سوريا معظمهم من العرب السنة الذين انخفضت نسبتهم لأقل من النصف في عموم بلاد الرافدين وبلاد الشام، لكن اسرائيل مؤخراً بدأت تعي أن غياب العرب عن الساحة يخل بالتوازن التناحري في المنطقة ... لذلك أصبح من اللازم احتواء إيران وتقليص نفوذها، دون الغائها، وذلك عن طريق التفاوض والصفقات، التي تقع تلك المسرحيات العسكرية ضمن سياقها وفي خدمتها.


إيران لو امتلكت أسلحة بعيدة أو نووية فهي فقط للتهديد، قطعاً لن تستخدمها ضد اسرائيل بل ضد العرب وضد شعبها، ولو فكرت إيران في إزالة إسرائيل كما تتوعد فسيكون الثمن إزالة إيران من الوجود، وبالعكس لو فكرت إسرائيل في إزالة ليس إيران بل حزب الله من لبنان حرباً، فستدفع على الأقل 4000 قتيل وفقاً لأقل تقدير، وهذا الثمن إسرائيل غير قادرة على دفعه، لذلك لا حرب حقيقية متوقع حدوثها بينهما. أنها مجرد مسرحيات إعلامية، وصواريخ تصيب التراب، تشعل نشرات الأخبار وتعطي سخونة في المباحثات.


كاتب وسياسي سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!