-
حلمنا في مواجهة كوابيسهم!
منذ سنوات أتابع صفحات العديد من السوريين الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم, وأفاجأ دوما بأنهم يكتبون عن حلم واحد يراه الجميع!
الحلم, بالأحرى الكابوس, هو أن الشخص يجد نفسه في سوريا, في منزله أو حارته, أو في مكان يألفه, وفجأة يرى نفسه مطارداً من الأمن!
حواجز ومخاطر تحضر أمام عينيه وكأنها جزء من الواقع, ويستيقظ على رعب وصراخ حقيقي, ونوبات من الهلع تتكرر باستمرار.
لا شك بأن العودة إلى سوريا هي حلم يراود كل سوري أجبر على ترك منزله وحيه, وعلى ترك عمله, ورفاقه, ولم يكن له الخيار في ذلك, عدا عن أن العودة هي حق في حد ذاتها.
كلما مضى الوقت بالسوريين وزاد عدد الجراح النازفة في الوطن كلما ازداد الحالمون بالعودة وزادت رقعة الحلم, وصعوبته.
لم تكن الثورة السورية قبل عشرة أعوام سوى حلماً بحد ذاتها, كان الحلم هو الخلاص من أعتى الأنظمة القمعية في التاريخ وبناء وطن حر كريم, كان الحلم بسيطاً, وكانت أدواتنا الأولى سلمية بسيطة, توجهنا للآخر الموالي لنقول له بأننا نريد وطناً لجميع السوريين, نعيش فيه بحرية وكرامة, معاً.
فاتنا تفصيل صغير يومها, فاتنا أن لا مصلحة لأحد في تحقق هذا الحلم, وسرعان ما بدأت ماكينة السياسة الدولية بامتصاص غضبنا وتوجيه الأمور في الخفاء نحو ما يريدون.
كان كذب السياسة الدولية مريعاً حيث نصبوا الخطوط الحمراء في وجه نظام الأسد, فيما سمحوا له بممارسة كل أنواع القتل ضدنا!
في كل المؤتمرات التي أقيمت لتشكيل الهيئات وأجسام المعارضة كانت هذه المعارضة تفشل في أن تكون وطنية, وتنحدر إلى قاع المنصب, حيث بدأ المجتمع الدولي بحفر كمائنه التي وقعنا فيها دون أدنى مقاومة, ودون أدنى غحساس بالمسؤولية.
يتحمل النظام مسؤولية القتل المباشر, قتل الأفراد وارتكاب المجازر, واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً وتجريبها في أجساد مواطنيه, فيما تتحمل معارضتنا مسؤولية قتل حلمنا, وخذلاننا معنوياً, وقد آن لهم أن يعترفوا بأخطائهم, إن بقي لديهم أدنى إحساس بالمسؤولية.
لقد كان لدينا أحلام بسيطة, أن نعيش, نعم أن نعيش, فنحن لم نكن نعيش قبل الثورة, كان الخوف يمنعنا من الحياة, الخوف من البشر ومن الحيطان, ومن الهواء!
كنا نريد أن نحيا, ويحيا أطفالنا, فكان أن متنا, ومات أطفالنا أمام عيوننا!
حتى الطبيعة شاركت في قتلنا, ببردها وحرّها وسيولها وجفافها, لقد ذقنا كل أنواع الموت ونحن نحلم بأبسط أشكال الحياة!
لقد صاغت فنون الثورة السورية الإبداعية, من غرافيتي وأغان وأضواء ورسوم؛ صاغت جمال حلمنا, فيما أسدلت أسلحة القتل على حلمنا الملوّن ستاراً من النار والدخان والدم!
في إدلب اليوم نعيش آخر نبضات قلب هذا الحلم الذي كان ثورة بحجم الوطن, لحظة يراد لها أن تكون لحظة هزيمتنا, فتستمر كوابيسنا دون نهاية.
في هذه الأثناء تستمر القوى الإقليمية في التنازع على ثوبنا الممزق وادعاء تمثيلنا, وتدعو الرياض لتسمية لجنة مستقلة ضمن هيىة التفاوض!
القوى الإقليمية ذاتها التي تدعي حرصها علينا, بل وتدعي تمثيلنا تتجاهل دمنا ودم أطفالنا وتعتبر ذلك فقرة من فقرات أخبارها المسائية اليومية دون أن يعني ذلك أي شيء آخر!
منذ البداية كان الحلم السوري تحدياً وطنياً, لكن تحققه كان يعني تغييراً إقليمياً ودولياً جذرياً, لذلك لم يكن لأحد من مصلحة سوى في قتله!
إن الكوابيس التي تلاحق كل حالم سوري بالحرية, إذ تعلن أنها متشابهة رغم اختلاف أصحابها, فذلك لأن حلمنا واحد, ومصلحتنا واحدة نحن السوريون في سقوط هذا النظام وقيامة دولة مواطنة, تراعي حقوقنا وتنصفنا.
إن شعوب كل من لبنان والعراق وإيران إذ تعلي صوتها معنا اليوم فهي تعلن أن حلمنا هو جزء من حلم الإنسان في المنطقة والعالم في التحرر من قوى الظلام والتسلط وقيام دولة القانون.
لن يكون بمقدور المجتمع الدولي أن يسحق هذا الحلم, وإن بدا لنا أنه ربما نجح في سوريا, لكن معركتنا ما زالت قائمة, طالما ما زلنا نملك حلماً في مواجهة كوابيسهم.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!