-
سياسة المناورة والمهادنة.. تتقدم ظاهر الصراع الأمريكي مع النظام الإيراني
-
المفاوضات مع النظام الإيراني مسعٍ لإخراجه من عنق الزجاجة

لا أحد في هذا النظام العالمي الكاذب يكترث لحال ومصير المطحونين والمضطهدين في الشرق الأوسط.. لا شيء سوى أنهم يرون في الأحداث الإبادية الجارية في الشرق الأوسط منذ عقود مادة دسمة للتصريحات الساخنة واللقطات الفريدة للكاميرات ومادة إعلامية مميزة تصنع نجوما في عالم الصحافة والإعلام، وتصنع المجد من خلال حجم المشاهدات والإعلانات لقنوات تلفزة.. إنهم يتربحون على مصائب البشر، وفي أغلب الأحيان يساعدون الجاني على دفن ضحاياه في صمت هذا إن لم يجعلوا من الباطل حقاً وبشكل علني فج.
هل سيكترث هذا العالم بحال الشعب الإيراني ثم العراقي فاللبناني والسوري واليمني من لم يكترث لقضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ أكثر من مئة سنة؟ وهل سيجد الغرب وحلفائه وجنوده وأدواته من يخدمه بأفضل مما خدمه نظام الملالي الحاكم في إيران بعد أن هدم لهم أربعة دول عربية (لبنان – العراق – اليمن – سوريا) واليوم مكنهم من تحطيم القضية الفلسطينية وحلم استعادة الحق الفلسطيني...؟ يعلم نظام الملالي بطبيعة الغرب القابلة للمناورة والمهادنة كما يعلم أيضاً ماذا يضع في سلال الورد المُقدمةِ في السويعات الحميمة!!! وهنا نتساءل هل سيصدق الغرب يوما في نواياه وشعاراته وما يطرحه من قيم منمقة نسجوها للكذب على المجتمعات البشرية في هذا الكوكب وحتى على أنفسهم.
لم نأتي بشيء من لدنا ولم نفترض سردية بعينها؛ فقبل أكثر من عام كانت التصريحات سواء من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من قبل الإدارة الأمريكية تفيد بأن نظام الملالي في إيران على مقربة أشهر وأسابيع وأيام من إمتلاك قنبلة نووية أو امتلاك عدة قنابل نووية، ووفقا لتقرير سري للأمم المتحدة بحسب وول ستريت جورنال فإن مخزون اليورانيوم المخصب لدى النظام الإيراني في تصاعد كبير بحيث يمتلك 275 كيلوغراما من هذه المادة المخصبة بنسبة 60% وهو ما يكفي لصناعة ستة قنابل نووية، وأن النظام وفقا لهذا المسار يُنتج ما يمكنه من صناعة قنبلة نووية كل شهر.
في حينه التقى إيلون ماسك أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس ترامب سرا بممثل النظام الإيراني في الأمم المتحدة وقد تحدثت وسائل الإعلام في أمريكا وإيران عن ذلك اللقاء، وصرح مسؤولون ووسائل إعلام إيرانية بأن الرئيس الأمريكي تاجر ويمكن التعامل معه أي أن هناك مسارات يمكن استخدامها في التعامل معه؛ أما الرئيس ترامب نفسه وفي تصريحات سابقة قد قال بما يفيد بوجود ما جرى ويجري خلف الستار بينهم وبين نظام ولاية الفقيه من سيناريوهات ومناورات وتنازلات، وقد كان ذلك واضحا في سياسة الولايات المتحدة مع هذا النظام الذي كان ولا يزال حريصا جدا على إبقاء مسافة تهدئة بين كلا الطرفين مع وجود مساحة للتصريحات والإعلام كلٌ بحسب حجمه، والمهم هو عدم تجاوز الخطوط الحمراء؛ لكن الجديد اليوم هو أن الإدارة الأمريكية صاحبة تلك التصريحات السابقة بشأن برنامج الملالي
النووي وغيره مما يتعلق بظاهر الصراع بين الطرفين تقول أن النظام الإيراني ليس بصدد تصنيع سلاح نووي، وقد يكون معنى ذلك لا يوجد سلاح نووي إيراني بل توجد مخاوف من امتلاك النظام للسلاح النووي، وهذا ما يتطلب التفاوض وممارسة مزيدا من الضغوط من أجله، وهنا نتساءل ما الجديد بشأن المفاوضات فقد مارست كافة الإدارات الأمريكية السابقة مفاوضاتً مع نظام ولاية الفقيه وفرضت عليه العديد من الضغوط ولم يُحدِث ذلك فرقاً سوى أنهم جميعا
قد مارسوا المفاوضات من أجل المفاوضات وليس من أجل الخروج بحل.. ما حدث هو أنهم قد أكسبوا النظام الإيراني من خلال تلك المفاوضات مزيدا من الوقت وكذلك سيفعلون من خلال المفاوضات المُرتقبة التي قد ينتج عنها مزيدا من التنازلات والمكاسب التي لن تصل إلى تفكيك البرنامج النووي والصاروخي الإيراني أو حتى تفكيك ميليشيا حرس الملالي التي تسببت في دمار إيران والمنطقة، كذلك ستنتهي هذه المفاوضات أو تستمر بإبقاء نظام الملالي على سدة الحكم في إيران واستمرار معاناة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.
تُدرك الغالبية العظمى من أبناء المنطقة ما يدور من أحداث تتعلق بمساعي الغرب إلى إبقاء المنطقة غارقة في أزماتها وأن سبيل الغرب إلى ذلك هو دعم استمرار نظام الملالي المتطرف الحاكم في إيران ما يمكنهم من ترويض منطقة الشرق الأوسط وسلب إرادتها وثرواتها والتحكم من خلال ذلك في واقع التنمية العالمية وتحجيم النفوذ الروسي الصيني في المنطقة؛ كما يقر أبناء المنطقة بوجود تنسيق أمريكي إيراني هو ضرورة بالغة لتنفيذ المخططات المتعلقة بالمنطقة، ولولا نظام الملالي لما تمكنوا من هدم سوريا وحزب الله وهدم غزة وقتل وتشريد أبنائها، ولولاه أيضا لما تمكنوا من جعل الحوثيين وسيلة ضغط على دول الخليج.. يناور الغرب والأمريكان ويهادنون ويتماشى نظام الملالي مع مخططاتهم ومناوراتهم بما يضمن له بقائه في السلطة ولا يعنيهم ما يجري في إيران من انتهاكات حقوق الإنسان وما يصدر عنها من تهديد للمنطقة واستقرارها، وقد سبق للغرب والأمريكان أن سلموا العراق كهدية على طبقٍ من ذهب بما يخدم تلك المخططات والمناورات.
من يُبالي بتهديد النظام الإيراني للمنطقة
تأتي حالة اللامبالاة الغربية بتهديدات نظام الملالي لمنطقة الشرق الأوسط وزيادة مخاطر هذا النظام وتهديداته بعد امتلاكه لقدرات نووية وصاروخية متقدمة من منطلق انحسار هذه التهديدات داخل المنطقة وأنها لن تهدد الغرب في أوج اقتدارها بل ستعزز مصالحه من خلال عدم توازن القوى في المنطقة، وأن طموح ملالي إيران وإن علا لن يتخطى سوى رغبتهم في أن يكونوا رقماً في هذا النظام العالمي، وأن يكونوا أباطرة على العرب من جديد بفرض هيمنتهم من خلال قوة السلاح، والعربدة بواسطة بعض القطعان الضالة.
لكل منا رؤيته التي تحتمل الصواب والخطأ بحسب عمق وسطحية هذه الرؤية، وعلى سبيل المثال ووفقا لرؤى البعض من أهل الخبرة من أبناء العراق منذ هيمنة ملالي طهران على العراق بعد احتلاله سنة 2003 فقد كان الكثيرين يؤكدون بأنه لا خلاص للعراق والمنطقة من عدوانية ومخاطر نظام الملالي إلا بسقوط وزوال هذا النظام، وتتحرر بغداد وبيروت وتستقر المنطقة عندما تتحرر طهران من هذا النظام؛ لكن هناك من لا يرغب في زوال نظام الملالي وما ينتج عن وجوده من أزمات تصب في خدمتهم وتكون ركيزةً لنجاح مخططاتهم، وكم أنقذوا ملالي طهران من السقوط والزوال، وعليه فإن المفاوضات مع النظام الإيراني بشأن مشروعه النووي والصاروخي وجملة من العناوين التي أبرزوها لن تكون إلا مسعٍ لإخراج ملالي إيران من عنق الزجاجة وليستمر نظامهم كشرطي بلطجي وصانع أزمات لابد منه في منطقة الشرق الأوسط.. صانع أزمات يلعب على عنصر الزمن والاستعراض فيما يلعب حلفاؤه الغربيون على عامل المهادنة والمناورة
والاستعراض.. ولكن كلٌ بطريقته، وفي النهاية هناك سيناريو متفق عليه لن تخرج عنه الأطراف الذاهبة إلى التفاوض.
ختاماً أليس من الأسهل والأفضل مساعدة المقاومة الإيرانية في مشروع إسقاط النظام الإيراني وإنقاذ الشعب الإيراني وشعوب المنطقة هذا النظام وقواه الإرهابية المتطرفة داخل إيران والمنطقة وقد كان بالإمكان ذلك منذ سنين خلت لكن الغرب تجنب ذلك كما تجنبوا استهداف ميليشيا الحرس.؟ وفي ظل سياسة المهادنة والمناورة هذه لن يتوقف برنامج الملالي النووي والصاروخي، ولن يكف الملالي عن تدخلاتهم التوسعية إقليمياً، ولا حل إلا بالمفاجآت الوطنية التي تصنعها الشعوب وتفاجئ بها الإمبريالية العالمية.
د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!