-
جلد الذات في عودة أهالي مدينتي "القصير"
أحمد القصير - صحفي سوري
من أصعب وأقسى المشاهد التي وقفت أمامها على مر سنيّ الثورة، تلك التي شاهدت فيها على التلفاز إدعاء النظام السوري بإعادة الدفعة الأولى من أهالي مدينة القصير "مدينتي". إذ رأيت؛ ويا هول ما رأيت، أهالي المدينة الذين هجّروا قسراً إلى مناطق مختلفة مبعثرة في الداخل السوري وهم يرفعون صور بشار الأسد، ويشكرون ميلشيات الجيش السوري، كما آظهرت الكاميرات التي واكبت الحدث، أعلام الحزب "السوري القومي الاجتماعي" و"حزب الله" التي رفعها بعض أبناء العائدين في ساحة المدينة.
الغصة، أنّ هؤلاء العائدين هم الأكثر علماً ومعرفة بمن قصفهم ودمّر منازلهم، وبمن يملك الطائرات التي دمّرت بيوتهم، وبعضهم يعرف بالاسم من سرق هذه المنازل.
أتفّهم، أنّ أغلب هذه العائلات هي ضحية التهجير والتغريب، غير أنّ دخول المدينة التي قدّمت ما يقارب الـ3000 شهيد في سبيل نيل الشعب السوري حريته، بهذه الطريقة المذّلة، أمر لا يمكن أن يكون عادياً.
يا أهالي مدينتي هل أنتم مقتنعون بالآلية التي أُدخلتم بها إلى المدينة؟ وهتافكم على دماء الشهداء؟ هل من الطبيعي لأجل رؤية منازلكم لساعات معدودة، أن ترقصوا على دماء أولادكم؟
أنتم أكثر من يعلم يا أهالي القصير العائدين، أنّ النظام السوري وحزب الله لن يسمحا لكم بالإقامة في مدينتكم، وأنّ مسرحية عودتكم لن تستمر أكثر من خمسة أيام، وذلك لأهداف إعلامية يريدها النظام السوري.
يا أبناء القصير، ألم تصادفوا في طريق العودة أشلاء الشباب الذين سقطوا على تراب هذه المدينة؟
ألم تفكروا بطرق باب جاركم في الحي؟
ألم يتراءى لكم مخيّمات أهلكم في عرسال وهي تهدم على الرؤوس، وما يتعرضون له من ضغوطات؟
لا أدري بما كنتم تفكرون وتشعرون وأنتم تدخلون دخول الفاتحين برعاية من هجّركم، لكن ما أدركه جيداً أننا شُرّدنا من بيوتنا فداء لمبادئنا وحريتنا وأحلامنا.
يا أهلي في القصير، لن ألومكم، لن أجلدكم، ولكن تذكروا أنّ هذه المدينة العريقة لا تستحق هذا الإذلال الإعلامي، تذكروا أنّ أقدم اتفاقية سلام عرفها التاريخ، أبرمت في أرضها في قادش "تل النبي مندو" بين امبراطوريتي الفراعنة والحيثيين، حيث تضمنت بنوداً قانونية وعسكرية ودبلوماسية نظّمت العلاقات بينهما في عام 1258 ق.م.
بالله عليكم، ما هو الاتفاق الذي دخلتم اليوم تحت رايته وعلى أيّ بنود رقصتم وهللتم إلى جانب أعلام الحزب الذي وزّع الحلوى في ضاحيته يوم سقطت مدينتكم وسقطتم؟ حقًا على ماذا رقصتم؟ على جدران منازلكم التي تروي أوجاع وبطولات؟، أم على صراخ معتقلي المدينة التي أنشئ في كل فرع أمني غرفة للتعذيب باسمها لكثرة ما أوجعت هذا النظام؟ أم على "موسيقى" نحيب الإمهات اللواتي جفَفّن روحاً وجسداً على أرواح فلذات أكبادهن.؟
جلد الذات في عودة أهالي مدينتي "القصير"
جلد الذات في عودة أهالي مدينتي "القصير"
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!