-
الموت القادم من الشرق
يصرّح الصينيون بتفاخر، إنّهم يأكلون كل شيء له أربعة أرجل باستثناء الطاولات، وكل شيء يسبح باستثناء القوارب، وكل شيء يطير ماعدا الطائرات، بما في ذلك الأنواع النادرة والغريبة التي يعتقدون بقدراتها العلاجية المفترضة ومنها مثلاً الأجنّة البشرية. الموت القادم من الشرق
لكن هذا النوع من المأكل يشكل خطراً على صحة الإنسان، فوفق المصادر الطبية فإن 70٪ من الأمراض المعدية الجديدة تأتي من الحيوانات البرية، والأسواق هي الأماكن المثالية لانتقال الفيروسات إلى البشر.
العديد من الأوبئة الفيروسية الأكثر شدّة في السنوات الأخيرة جاءت من الصين، والمرجّح إنّها انتقلت من الخفافيش تحديداً، وبالتالي فإنّ الثدييات الصغيرة ستكون خزان الفيروس، ولكن هذا لا يعني أنّه ينتقل مباشرة إلى البشر، إذ إنّ بعض الآراء ترى إنّ الثعبان يمكن أن يكون هو الوسيط بين الفيروس والبشر.
بدأ وباء سارس، الذي قتل ما يقرب من 650 شخصاً في الصين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأتى من حيوان الزباد، وهو حيوان ثديي صغير قريب من الدجاج، كان يمكن للمرء رؤيته في أسواق كانتون جنوب الصين بالرغم من حظر استهلاكه قانونياً.
أمراضٌ مميتة، لا تستجيب للأدوية، ومن الصعب إيجاد اللقاحات لها، تأتي دائما من الصين، وتنتشر سريعاً في ظل تطوّر وسائل النقل وسرعتها، ويصرّ الصينيون على الاستمرار بعاداتهم الغذائية رغم كل شيء.
اليوم تتحفنا الصين بفيروس جديد، ينتمي إلى ذات فصيلة الفيروسات التاجيّة، أي نفس عائلة فيروس السارس، ولكن هذه المرة بانتشار أسرع، وتفشٍّ أسرع، فترتفع حمّى الخوف، وترتفع معها موجة الحديث عن خطورة هذا الكورونا واتّساع رقعة الإصابة عبر الكوكب، وعن ازدياد أعداد المصابين والوفيات حول العالم، تتسارع الدول في فرض تعاليم صارمة تفرضها على مواطنيها، وتُعزل مدن بكاملها عن الخارج، وبالطبع هذا أمر محمود لحماية الأصحاء من الإصابة ولحصر انتشار الفيروس عن توغّله في مناطق جديدة، فالفيروس مثله مثل أيّ كائن حيّ، إذا حرم من الأجساد المضيفة وسبل الحياة سينحصر وينتهي مع الوقت.
في الواقع لا يخيفني وضع هذا الوباء العالمي في الدول المتقدمة مهما كان تفشّيه ممتداً، فهذه الدول قادرة على تقديم العناية الكافية لشعوبها، وعلى فرض إجراءات الحجر المناسبة وتقديم الرعاية الخاصة للمصابين.
لكن خوفي الحقيقي يكمن هناك، في دولنا العربية، وخاصة في بلدي سوريا، صاحبة الأرقام القياسية بالتعتيم، فلا ينقص مواطنيها موتاً جديداً يضاف إلى قائمة موتهم اليومي.
حتى اللحظة تعلن السلطات السورية خلوّ البلاد من الفيروس، في حين تأتي الأخبار من الداخل بزيادة عدد الوفيّات بالالتهاب الرئوي الحاد، وكلنا يعلم أنّ كورونا يصيب الرئة ويؤدي إلى الالتهاب الرئوي الحاد، ولكن يبقى الإصرار الحكومي بأن لا كورونا في سوريا.
بالكاد تُقنع هذه الصورة المتفائلة للغاية المتلقّين خارج الدوائر الرسمية، فإنّه من غير المعقول ألّا تتأثر سوريا بالمرض رغم الاحتكاك اليومي مع القادمين من إيران، المصدر الرئيسي لانتشار الفيروس في الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى الآلاف من رجال الميليشيات، الذين تمّ حشدهم إلى جانب قوّات النظام، ولا ننسى بالطبع العدد الكبير الذي ترسله طهران إلى سوريا في مجموعات الحجاج، إلى المقام الشيعي الأول في دمشق "السيدة زينب".
كيف يمكننا أن نتصوّر إنّ كورونا لم يتجذّر في دمشق على الأقل عندما يواصل الإيرانيون القدوم والذهاب إلى السيدة زينب؟ الموت القادم من الشرق
لا يخفى على أحد هزالة العناية الطبيّة في سوريا، خاصة بعد تسع سنوات طوال من الحرب، دُمّرت خلالها معظم البنى التحتية، وفاق عدد الجرحى القدرة الاستيعابية للمشافي في مناطق النظام، في حين قضى القصف الحربي على معظم المشافي الميدانية وغير الميدانية في المناطق التي خرجت عن سيطرته، ناهيك عن أن الإنفاق الحربي أكل مقدرات الدولة كاملة ولم يترك أي هامش لتعزيز القطاع الطبي في البلاد، بالإضافة للفساد والسرقات المستفحلة في سوريا ما قبل الحرب وخلالها، فكيف ستواجه السلطة الكورونا هذا، إلا بالإنكار وترك المواطنين لرحمة ربهم، وليمت من يَمُت فالحكومة تصر على روايتها، الإنكار، التعتيم، والتجاهل
في حادثة لا أنساها أثناء عملي في التلفزيون السوري بداية الثورة، كانت درعا تشتعل وباقي المحافظات السورية تهتف "يا درعا حنا معاكي للموت"، وعلى الفضائية السورية يعرض البرنامج الوثائقي القيم "التكاثر عند ذبابة الفاكهة".
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!