الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • هل ستضع روسيا اللمسة الأخيرة على المشهد السوري كما في كاراباخ؟

هل ستضع روسيا اللمسة الأخيرة على المشهد السوري كما في كاراباخ؟
يلماز سعيد


لا يخفى على المتابع للوضع السوري بشيء من الحياد أو الموضوعية، أنّ هناك مساراً شبه دولي لإعادة الجغرافيا السورية بأكملها إلى ظلّ الأسد بغض النظر إذا كان النظام الحالي قوياً أم ضعيفاً، لكن جميع المؤشرات تسرد حبكة محكمة خاتمتها بشار الأسد يسيطر على كامل سوريا.


الانحدار السريع للمواقف الدولية، وفي مقدمتها أمريكا، التي وصفت بشار الأسد بأنّه فاقد للشرعية في بدايات الثورة السورية، تلتها مواقف أخرى أوروبية وعربية، نتج عنها تخبط في الإستراتيجيات، ومن ثم توقف الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للمعارضة السورية المعتدلة والمعترف بها دولياً، من أبرز الإشارات للتهاون والمهادنة مع النظام في سوريا، وتحول العمل الدولي المشترك إلى فردي في كثير من الأحيان لمصلحة ضيقة، فاختلطت الأوراق وأصبح قانون اللعبة هو إدارة الأزمة، دون تنسيق محكم بين الدول المتدخلة بالشأن السوري.


التغير الجوهري في إستراتيجيات الدول لم يكن من مصلحة المعارضة بل العكس، شتتها، بعض الدول اتجهت الى دعم وتمويل جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، وكانت عرابة إفراغ مناطق واسعة كبيرة لصالح عوائل عناصر حزب لله اللبناني ومليشيات إيران، حيث خيرتهم بين المصالحة والرجوع لحضن النظام، وبين الباصات الخضراء والتسفير الى إدلب وعفرين.


لم يكن هذا التخبط في التعامل مع الملف السوري، دولياً وعربياً، على الصعيد الميداني فقط، بل نلاحظ ما يمكن تسميته إعادة تعويم النظام السوري، سياسياً ودبلوماسياً، من خلال مناقشة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وفتح سفارات عدة دول كانت تُعرف سابقاً بأنّها من الداعمة للمعارضة التي كادت تطيح برأس النظام في وقت ما من زمن الثورة.


في هذه المعمعة السياسية والميدانية الممتدة على ما يقارب العشر سنوات، كان وما زال الموقف الواضح وصاحب الإستراتيجية الجريئة والمعادلة البسيطة هي روسيا، فحتى قبل تدخلها بشكل مباشر عسكرياً في 2015، دعمت النظام بشكل قوي وعلى جميع الأصعدة، وهي الآن ما تزال على سابق عهدها لإتمام هدف تدخلها، وهو إعادة كامل سوريا إلى سيطرة النظام السوري.


منح التدخل الروسي صفة اللاعب الأقوى لنظام الأسد، الذي كسب الثقة والجرأة ليخوض معارك شرسة ما كان يفكر بإشعالها لولا الدعم اللامحدود لها، وهو الآن يحضر مع الروس لاستعادة إدلب وفتح معبر باب الهوى مع تركيا، ولا بأس في التخلّي عن رقعة جغرافيّة ضيقة لتجميع اللاجئين ومخيماتهم.


الحملة السورية الروسية الأخيرة التي ستشنّ على إدلب ستثبت نظرية النظام في أنّ الحل العسكري هو الحل الحقيقي للوضع السوري، وبمعركة إدلب وحصر المسلحين واللاجئين في جيب ضيق على الحدود مع تركيا واستعادة باب الهوى، ستكون الحلقة ما قبل الأخيرة للمسلسل السوري التراجيدي، وستبدأ الحلقة الثانية، والتي ستدور أحداثها في المدن الكوردية.


بعد خسارة الاتحاد الديمقراطي لعفرين وسري كانيه وكسر حاجز نهر الفرات وانحسار رقعته الجغرافية التي يسيطر عليها مع قوات سوريا الديمقراطية، والإحباط الذي أصاب المجلس الوطني الكوردي من شركائه في الائتلاف، وممارسات كتائبه في المنطقتين الكورديتين، وعدم إشراك المجلس في إدارة عفرين وسري كانيه، لجأ كل من PYD وENKS إلى الحوار مرة أخرى بعد توقف دام ست سنوات، وبرعاية أمريكية هذه المرة، لكن ورغم مضي سبعة أشهر ما زال الحوار يراوح مكانه.


أعتقد أنّ الحوار الكوردي الكوردي سيبوء بالفشل كسابقاته، فالخطان المتوازيان لا يلتقيان، PYD يسيطر على الأرض ومعرّض للانهيار بأيّة لحظة، ومعرّض لهجوم تركي آخر، والذي سيخلّف وراءه دمار المدن والقرى وتهجير مئات الآلاف، أما الطرف الثاني لا يملك من الرصيد غير بعض العلاقات الدولية التي لا يتوقع أن يجني منها حصاداً مثل شريكه الائتلاف، الذي اعترف فيه المجتمع الدولي ولم يحصل على شيء حتى الآن، بالإضافة إلى أنّ مجموع النقاط العالقة بينهم هي الأساس، والعُقَد التي يستحيل حلّها، مثل الوضع العسكري والأمني والاقتصادي، فالحوارات في هكذا ظروف وتحت الشروط الذاتية والموضوعية الحالية عقيمة.


انهيار المفاوضات واشتعال الحرب الإعلامية والكلامية بين الطرفين، ليست الحلقة الأخيرة التي أقصدها، بل سيكون هناك تنسيق روسي سوري تركي، ربما غير رسمي، لحسم الوضع السوري كاملاً، يقوم على أساس إرضاء الأطراف الثلاثة. عودة التهديدات التركية بشنّ حملة جديدة على المدن الكوردية في سوريا سيولد ضغطاً كبيراً على قسد، والتي ستلجأ مرة أخرى للأمريكيين والروس، عملياً روسيا ستمررهم إلى دمشق، وستعيد عرضها السابق قبل خسارتهم لعفرين وسري كانيه، في تسليم المناطق للنظام وإلا ستكون العصا التركية فوق رأس المنطقة، وهي “لن تستطع التدخل إلا في حال تسليم المنطقة للنظام”، أمريكا ستكون داعمة للموقف الروسي، لإرضاء تركيا بداية، وأيضاً لقبض ثمن موقفها من روسيا والنظام، والذي سيكون إخراج إيران من سوريا أو تجميد نشاطها، فالروس لن يترددوا في مقايضة إيران بإرجاع كامل سوريا لسيطرة النظام السوري، ومن ثم تطبيع العلاقة السورية مع إسرائيل.


روسيا ستضع اللمسة الأخيرة على المسرح السوري، وباسترجاع كامل سوريا، سيكون الرابح الأكبر والوحيد صاحب الكعكة السورية، وستُخرج إيران مقابل خروج أمريكا، وستخرج تركيا من كامل سوريا مقابل خروج ال”ب ي د”، وإعادة إعمار حلب وإدلب بتمويل قطري.


ختاماً، سيكون هناك دستور معدل من الدستور السوري الحالي، لكن ستحتاج سوريا عشرات السنين لتستعيد عافيتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.


 


ليفانت – يلماز سعيد








 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!