-
محدودية مخرجات مؤتمر بروكسل للمانحين

انعقد المؤتمر التاسع للمانحين في بروكسل يومي 17 و18 آذار/مارس الجاري تحت عنوان " الوقوف مع سورية وتلبية حاجاتها من أجل انتقال ناجح "، بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لأول مرة منذ المؤتمر الأول في سنة 2017. حيث يجدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية التزامهما بتقديم منح لسورية والدول المضيفة للاجئين للسوريين في المنطقة، بما لا يتجاوز حوالي 35 % من المساعدات المطلوبة من هيئة الأمم المتحدة، وقد أكد الأمين العام مؤخراً أنّ " التمويل المخصص للتدخل الإنساني في سورية لا يزال غير كافٍ ".
ويواجه الشعب السوري صعوبات عديدة في الحصول على حاجاته من الغذاء والماء والكهرباء والصحة، والأمر يتعلق بالعقوبات الاقتصادية الغربية والتخبط الإداري اللذين مازالا مستمرين بعد التغيير في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، مما يعطّل عملية التنمية وإعادة الإعمار، وبالتالي عودة ما يربو عن خمسة ملايين لاجئ. ولا شكَّ أنّ الصراع في سورية وعليها، طوال أربعة عشر عاماُ من الحراك الشعبي السوري، قد أدت إلى تدمير بنى تحتية وإمكانات اقتصادية وملايين من سكان الخيام.
ومما يجدر ذكره أنّ مؤتمر العام الماضي قد تعهد بتقديم 7.5 مليار يورو في شكل منح وقروض، وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.12 مليار يورو خلال عامي 2024 و2025، ولكنّ تعليق الولايات المتحدة لمساعداتها الدولية، في عهد قيادة الرئيس ترامب، جعلت التزامات المؤتمر معرضة للخطر، على اعتبار أنّ أميركا هي المانح الرئيسي للمساعدات الدولية إلى سورية، من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي دعمت قطاعات حيوية، مثل الصحة والتعليم، من خلال المنظمات المحلية الشريكة لها. مما يفرض على قيادة المرحلة الانتقالية السعي الحثيث لرفع العقوبات الأميركية التي تعرقل توجّه المساعدات والاستثمارات إلى سورية، بالرغم من مرونة الاتحاد الأوروبي بحكم القرب الجغرافي، ومحاولته الحدَّ من موجات هجرة جديدة، بل إعادة اللاجئين الذين لا يفيدون دول الاتحاد، والاحتفاظ بذوي الخبرات الذين اندمجوا في هذه الدول. ولا نستبعد أنّ التوتر الحاصل بين أوروبا والرئيس ترامب حول سياساته في أوكرانيا خاصة، قد يدفع أوروبا لتطوير سياساتها حيال سورية، لريثما تتبلور السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
ونتلمس هذا التوجه من خلال مؤتمر باريس في شباط/فبراير الماضي، الذي جاء بعد مؤتمري الأردن والمملكة العربية السعدية للتعافي المبكّر، مما يعكس الاهتمام الأوروبي بنجاح عملية الانتقال السياسي في سورية. وقد كانت توقعات وزير الخارجية السورية، الذي حضر المؤتمر، ذات مغزى إذ طالب بـ " رفع العقوبات بالدرجة الأولى، لأنها الأساس لتنفيذ كل شيء آخر، سواء إصلاح البنية التحتية وتطويرها وتحسين الواقع الحالي للخدمات والرواتب والكهرباء والماء والمدارس المشافي، والانتقال لاحقاً إلى مرحلة إعادة الإعمار ".
وقد تمت الاستجابة الأوروبية الجزئية، في كانون الثاني/يناير، من خلال إدخال إعفاءات وتعليق بعض العقوبات الأوروبية، المعلنة منذ سنة 2011، حيث تمَّ إزالة أربعة بنوك عامة من قائمة العقوبات وإجراء معاملات محدودة مع البنك المركزي السوري. كما رفع الاتحاد الأوروبي الحظر عن استيراد النفط السوري وتصدير المعدات الرئيسية لقطاع الطاقة، إضافة إلى السماح بالاستثمار في قطاع الكهرباء. وبالرغم من هذا الرفع الأوروبي الجزئي للعقوبات فإنّ استمرار العقوبات الأميركية هو العائق الرئيسي أمام قدوم الاستثمارات وإعادة الإعمار.
وبالرغم من تعهد نحو 20 دولة عربية وإقليمية وأوروبية ودولية المساعدة في إعادة بناء سورية وحماية المرحلة الانتقالية في وجه التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية، ولكنها اشترطت العمل على " ضمان نجاح المرحلة الانتقالية في إطار آلية يقودها السوريون تضم كل مكوّنات المجتمع السوري، ومكافحة كل أشكال الإرهاب والتطرف ".
كما أكد الاتحاد الأوروبي في مؤتمر بروكسل على حشد الدعم الدولي لـ " عملية انتقال شاملة وسلمية، وضمان دعم مستدام للسوريين داخل سورية وبالمجتمعات المضيفة في الأردن ولبنان وتركيا ومصر والعراق "، ولكنّ المخرجات لم تكن عند مستوى الشعارات، إذ تعهد الاتحاد بتقديم 2.5 يورو خلال عامي 2025 و2026، مما يعكس عدم إمكانية الاتحاد الأوروبي تعويض غياب الولايات المتحدة الأميركية. مع العلم أنّ البيان المشترك للمؤتمر أوصل رسالة إلى قيادة المرحلة الانتقالية، أعلن فيها أنّ " جميع الإجراءات في سورية لن يتم تنفيذها من خلال الحكومة الانتقالية السورية، بل حصراً من خلال وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية "، مما يعكس رغبتهم في امتحان هذه القيادة، خاصة بعد عمليات القتل العشوائي في الساحل السوري.
مما دفع وزير الخارجية السوري للتعهد، في المؤتمر الصحفي المشترك بـ " إحراز تقدّم في قضايا العدالة الانتقالية ومكافحة الإرهاب وإشراك جميع مكوّنات المجتمع السوري، باختلاف طوائفهم وقومياتهم، في بناء مستقبل البلاد ".
ولا شكَّ أنّ سورية أحوج ما تكون إلى استثمارات لإعادة الإعمار أكبر بكثير من الإغاثات، كما ذكر الخبير الاقتصادي أسامة القاضي، والأمر مرهون برفع العقوبات الأميركية خاصة، من خلال تبنّي القيادة السورية الجديدة لخطاب المصالح المشتركة، والتقاطع مع السياسات الدولية في المنطقة.
ليفانت: عبدالله تركماني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!