الوضع المظلم
الجمعة ١٣ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
عن الحرية وانتهاك المفهوم وأصحابه
مصطفى علوش

ليفانت: مصطفى علوش

كلما طالت الكارثة السورية، تعفنت الكثير من المفاهيم، وبعضها خرج من سياق التداول. والحرية كمفهوم هو (لو قلنا: مفهوم الحرية) من أكثر المفاهيم التي جرى استهدافها أولاً من قبل النظام الأسدي وتوابعه وأتباعه ومواليه، وفي الجهة المقابلة ارتكبت الجهات التي كان بعضها يوماً ما مقتنعاً بالتغيير ومازالت ترتكب الكثير من الارتكابات الممنهجة ضدّ كل من يريد الحرية.

هل تذكرون عندما سخر قطاع كبير من السوريين المؤمنين بالثورة من ذلك الشخص الذي فهم الحرية يوماً على أن تعود أخته إلى البيت الساعة الثالثة ليلاً؟ هؤلاء الساخرون اعتقدوا أنّ الحرية حق لهم وحدهم، بينما الحرية حق للجميع. وحرية السهر حتى الثالثة ليلاً هو حق شخصي ينتمي للحرية الشخصية أيضاً.

هل سأل أحد نفسه، لماذا سخرنا هنا؟ ولماذا ضحكنا؟ هل الحرية التي طالب بها السوريون تعني قمع غيرهم؟

لاشكّ أن النظام استخدم كل ما لديه من إمكانات لقمع كل إنسان حرّ، ولكن من جهة أخرى ومع تمدد التطرف الإسلامي بمسمياته العديدة، داعش، وجبهة النصرة والفصائل الإسلامية بتسمياتها المختلفة، الجولاني ومناطق حكمه.. استخدمت هذه كل ما تستطيعه لقمع الناس وإرهابهم، وامتلأت سجونها بكل مخالف للرأي.

اشتغل الإسلاميون بشكل ممنهج على تسخيف فكرة الحرية والسخرية منها، تحت قناع الدفاع عن العادات والتقاليد وخصوصية المجتمع السوري، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بآلاف النكات التي بثها أشخاص وجهات تعمل بشكل منظم لقتل الحرية وتفريغها من معناها.

يذكر معتقل الرأي السابق نصار يحيى، في سياق لقاء أجراه معه السيد مروان محمد في برنامجه على اليوتيوب "قصة سجين": (عشت فترة من الاعتقال مع أحد سجناء تنظيم الطليعة المقاتلة واسمه "محي الدين الجزائري"، وكان هناك تواصل اجتماعي معقول بيني وبينه وذات مرة، وكان التنظيم قد اغتال الإعلامي محمد حوراني، قلت له: هل ما فعلتموه باغتيال الإعلامي المدني محمد حوراني يعتبر شجاعة ونضالاً؟ وهنا تغير لون الجزائري، وردّ علي: أنت يجب إعدامك مرتين، المرة الأولى لأنك شيوعي، والثانية لأنك إسماعيلي). انتهى الاقتباس.

قد نحتاج هنا إلى تذكر ذلك المقطع المرعب للضابط الأسدي الذي كان يدعس على رقبة أحد المتظاهرين ويسخر منه بلهجته التسلطية التي تنتمي لطغيان الأسد: بدكن حرية؟ كانت الرسالة للمتظاهرين منذ تلك الأيام واضحة بل صارخة الوضوح. ثمن المطالبة بالحرية هو الاعتقال، الإذلال، الإهانة، والقتل.

ونحتاج هنا إلى تذكر تلك الشعارات التي رفعها المتظاهرون في مرحلة التظاهر السلمي: "حرية للأبد غصب عنك يا أسد". هل مازلنا متفقين الآن على هذا الشعار؟

بانتظار الحرية، مات من السوريين الكثير قهراً، ومات كثيرون تحت التعذيب، وتقوم التنظيمات الإسلامية المتطرفة بإكمال دفن مفهوم الحرية يومياً، بينما يقوم العقل الذكوري عند كثير من المحسوبين على اسم الثورة بقتل ما تبقى من مفهوم الحرية وذلك عبر احتقار دور المرأة وتحييدها وتجهيلها.

لعلّ الكارثة السورية المستمرة حتى الآن، تعلّمنا أن التفكير الإخواني مثله مثل التفكير الأسدي، تفكيران يصلحان فقط لإشعال حرب أهلية، ولتقسيم ما تبقى من سوريا دينياً وسياسياً ومذهبياً.

وفي سياق محاولات اغتيال فكرة الحرية جرى ويجري تسخيف أي حراك احتجاجي سلمي حالي، بحجة أنه تحرك بسبب الجوع، بينما تظاهر السوريون عام 2011 من أجل الكرامة، وكأنّ الجائع الآن هو بلا كرامة حين يحتج ضدّ من يجوّعه! أي اغتيال لمعنى الحرية أيضاً؟

الحرية هي أن أفعل كل ما أريده من دون محددات سابقة، من دون إرهاب مادي أو معنوي، من دون توجيه سياسي أو اجتماعي، وحين أخالف الحرية تتكفل القوانين الوضعية بمحاسبتي، لا قوانين الجولاني الشرعية ولا مشتقاتها.

الحرية أن أخطئ، وأتعلم من خطئي، لا أن أرتكب جرماً، فالكراهية ليست وجهة نظر والتحريض على الكراهية جرم يعاقب عليه القانون، وحقوق الإنسان ليست رفاهية بشرية اتفق عليه الناس منذ عقود، والسخرية من حقوق الإنسان تتيح لك إنشاء نظام متطرف معزول مثل النظام الأفغاني، أو مثل النظام الإيراني.

السوريون الآن وفي كل وقت يحتاجون للحرية، فالحرية تعادل أوكسجين الحياة، من دونها ستبقى سوريا بين فكي الأسد مدى العمر وبين يدي التطرف وتنظيماته المرعبة.

الحرية جزء أساسي من مختلف الشرائع الإنسانية التي تحمي الإنسان وحقوقه الاساسية. ومحاولات تسخيفها والنيل منها يطيل الواقع السوري الكارثي.

حرية المرأة السورية جزء أساسي من الحرية، وقمع المرأة يصبّ في النهاية في كابوس استمرار الواقع الحالي، فالمرأة السورية التي أهانها الأسد في سجونه، هي نفسها المرأة السورية التي يتم إذلالها عبر مفاهيم الإرهاب.

 تورطت أسماء سورية كثيرة في الخطاب السياسي الشعبوي، وقسّمت الناس إلى أحرار وعبيد.. مما زاد ويزيد في حدة الاستقطاب الاجتماعي، مازال هؤلاء يستخدمون لغة طائفية في معالجة القضية الوطنية، لغة طائفية تقسم الناس إلى أكثرية سنية وأقليات دينية؟ وتتعامل مع السوريين من موقع الوصاية والتعالي وتوظف كل ما تملك من إمكانات لقتل أية إمكانية لإنعاش حلّ سياسي.

وكلما كتب أحد ما "الدين لله والوطن للجميع" تدافع الإخوانيون للهجوم على هذه المقولة، التي لولاها لما وجد لاجئ سوري مكاناً له في هذا العالم.

نحن نعيش في متاهة وضياعاً، فيحلل العسكري في شؤون المدنيين، ويتدخل رجال الدين بشؤون البشر السياسية، ويختفي قسم كبير من رجال القانون حين تحتاجهم الضرورة السورية، ويهرب الديمقراطيون من أجواء الإرهاب الفكري المنتشر في العوالم السورية.. ويتنمر يساريون قريبون من فكر الإخوان من أي رأي حرّ بحجج واهية تبريرية.

حين تريد بناء بيت أو مدينة تذهب لمهندس معماري ومدني، ولا تذهب لشيخ جامع لتطلب منه المخططات الهندسية، وحين تحتاج لحلّ سياسي تحتاج لبشر يفهمون في علم السياسة.

بناء الدولة يحتاج إلى الاقتداء بالنماذج الحضارية التي سبقتنا، وقد ذكر في الحقوق الأساسية، في "الدستور الألماني": لا يجوز انتهاك حرية العقيدة، ولا حرية الضمير، ولا حرية اعتناق أي دين أو فلسفة حياتية". و"كل البشر متساوون أمام القانون، "الرجال والنساء متساوون في الحقوق". وبالمناسبة لولا التزام الدول الغربية- الأوروبية بمواثيق حقوق الإنسان، ومن ضمنها حق اللجوء لما تمكن سوري هارب من بلده من تقديم اللجوء!.

إنها الحرية مفتاح الحياة ومنتهاها. ومن يحتاج لشرح إضافي فليسأل أهل السويداء الذين يحتجون سلمياً منذ عام.

 

 

      

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!