الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • عمائم إيران ومفعول السحر المُهلِك

  • في يوم اللاجئ ألبانيا تقتل لاجئ إيراني وتصيب مئة من أقرانه اللاجئين
عمائم إيران ومفعول السحر المُهلِك
محمد الموسوي  

في تصرف غريب من نوعه وغير متوقع وغير مبرر اقتحمت قوات الشرطة الألبانية مخيم أشرف3 الذي يأوي لاجئين إيرانيين عزل من عناصر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، ويخضع مخيم أشرف3 لحماية السلطات الألبانية بموجب اتفاق دولي وتحت إشراف الأمم المتحدة، وقد سعى النظام الإيراني مراراً منذ توليه السلطة إلى القضاء عليها وأعدم عشرات الآلاف أنصار وقادة المنظمة الذين من بطش دكتاتورية الشاه وسجونه وإعداماته أيضاً؛ إلا أنها رغم مؤامرات النظام والظروف الصعب التي ألمت بها ما زالت قائمة وتهدد وجود النظام الحاكم باسم الدين في إيران ويدرك النظام أن سقوطه سيكون على يدها لذلك يلاحقها في كل مكان في العراق في مخيم أشرف1 وفي مخيم ليبرتي واليوم في أشرف 3 في ألبانيا.

وعلى الرغم من أن منظمة مجاهدي خلق منظمة سياسية إسلامية لكنها لم تتقبل في حينها أي بعد الثورة عندما تسلق ملالي إيران المشهد واستولوا على السلطة وأقصوا الآخرين؛ لم تتقبل فكرة أن تكون جزءاً من النظام الإسلامي المزعوم إقامته ذلك لأنها لم تكن تتفق مع جماعة خميني على مجموعة الأمور ومنها أن يكون الإسلام مجرد وسيلة من أجل الحكم، وكذلك إقصاء الآخرين الذين كانوا جزءاً فعالاً في الثورة فقد كانت الثورة ثورة شعبية وطنية عامة تنشُد إسقاط دكتاتورية الشاه وإقامة الديمقراطية كخيار للجميع في دولة مترامية الأطراف متعددة المشارب والرؤى والانتماءات، عرقياً ودينياً ومذهبياً وفكرياً، إذ تؤمن منظمة مجاهدي خلق أن أي سلطة للملالي باسم الدين ستكون دكتاتورية جديدة في إيران حلت محل دكتاتورية الشاهنشاهية العنصرية وستقوض مفهومي الديمقراطية والحرية كمفهومين أساسيين ارتكزت عليهما ثورة فبراير 1979 الوطنية، وأن أي شراكة أو مهادنة مع الملالي بشأن هذه السلطة هو إجرام بحق الشعب الإيراني وخيانة لثورته التي أراق لها الدماء من أجل نجاحها.

سؤال هام

ما الذي حدث من مستجدات بين ألبانيا وملالي طهران خاصة بعد فترة من سوء العلاقات بين البلدين على أثر انتهاكات أمنية للنظام الإيراني بحق ألبانيا؟ وجاء هذا الهجوم الغريب والمفاجىء الذي زجت فيه الداخلية الألبانية أكثر من 1000 شرطي وراح ضحيته شهيد واحد وأكثر من 100 مصاب هو هجوم استغربته الكثير من الأوساط السياسية والدبلوماسية بالتزامن مع يوم اللاجئ ضد لاجئين لهم خصوصية سياسية وأمنية وقبلت ألبانيا باستضافتهم بالتنسيق مع الولايات والمتحدة والأمم المتحدة اللتين عجزتا عن حمايتهما في العراق.

لقد تزامن هذا الهجوم مع عدة مستجدات سياسية على الساحة الدولية منها مكالمة هاتفية استمرت 90 دقيقة بين إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية النظام الإيراني، والرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، وكذلك زيارة وزير الخارجية الأميركي للصين حليفة إيران، وكذلك الحديث عن مفاوضات محتملة بين الغرب والنظام الإيراني حول البرنامج النووي الإيراني؛ تلا ذلك مباشرة قرار السلطات الفرنسية بعدم السماح للمقاومة الإيرانية بإقامة تجمعها وتظاهراتها السنوية الكبيرة ثم الهجوم على مخيم أشرف ثم تبرير الخارجية الأمريكية للهجوم ثم تصريح الخارجية الأمريكية بأن منظمة مجاهدي خلق لا تمثل الشعب الإيراني وجملة لا تمثل الشعب الإيراني جملة خطيرة وحساسة في مضمونها القانوني واللفظي والدبلوماسي فمنظمة مجاهدي خلق منظمة إيرانية والخارجية الأميركية وزارة في دولة أجنبية.. فما الذي حدث أو ما الذي يجري خلف الكواليس مفاوضات محتملة ومكالمة لمدة 90 دقيقة بين سلطان طهران وباريس وهجوم على أشرف 3 وتصريحات رسمية أمريكية غريبة وكل ذلك قد صب باتجاه إرضاء نظام حكم الملالي.

يذكرني ما أحدثته العمامة السوداء في مكالمة الـ 90 دقيقة مع باريس بما أحدثته عمامة محمد خاتمي السوداء في تحركاتها مع الولايات المتحدة والغرب حيث كان لها ذات مفعول السحر المُهلِك على الشعب الإيراني وقواه المعارضة وعلى منطقة الشرق الأوسط أيضاً، وكنا نعتقد مخطئين بأن التأثير السحري المُخِدر لهذه العمامة السوداء له قدرته الشديدة على السحر والعبث في أوساط بسطاء الشيعة فقط، ويتضح اليوم أن تأثيرها تأثيراً كونياً إذ لا نعلم ما قد تخبئه العباءة التي تحت العمامة فبمقدورها تخبئة وحمل الكثير من المكارم خاصة في ظل عالم المنافع السائد اليوم.. وفي ظل هذه الظروف العالمية الحرجة وفي ظل تقدم البرنامج النووي الإيراني واقترابه من مرحلة تصنيع السلاح النووي إن لم يكن قد صنعته إيران التي لا تملك اليوم قدرات تهدد بصناعة السلاح النووي فحسب بل تملك قدرات صاروخية وتسليحية جديدة تهدد الأمن والسلم الإقليميين ولا تهدد الامن والسلم العالمي المحفوظ والمحكوم بمنطق الإتاوات والمساومات.

لاجئون إيرانيون مهددون في العراق وألبانيا

اضطرابات سياسية واقتصادية وأمنية داخلية نتيجة لفشل دام 44 سنة وقمع وقتل وتشريد وفقر وبطالة وتضخم، وفشل سياسي ودبلوماسي خارجي كل ذلك أدى إلى أزمات خانقة تحمل الشعب تبعاتها ولم تمس عصابتي النظام بسوء، وطفح الكيل من تراكمها، وكلما انتفض الشعب ألقى النظام باللائمة على ما يسميهم بأعداء اوطن والتيارات الانفصالية ليبرر عمليات القمع التي يقوم بها بحق الشعب.

كان سنة 2003 عند احتلال العراق سنة ذهبية لملالي طهران الذين لا يكنون سلاماً ولا خيراً لأحد إذ من خلال تعاونهم مع قوات الاحتلال سيحققون مكاسب لم يكونوا ليحلموا بها طيلة حياتهم كالانتقام من العراق والقضاء على كابوسهم المرعب منظمة مجاهدي خلق المعارضة لهم وقد كان لهم ما أرادوا حيث قاموا بتوجيه طيران الاحتلال لضرب مواقع منظمة مجاهدي خلق علماً بأن مواقع المنظمة محددة من قبل على أنها مواقع لقوات غير عراقية محايدة وقام الطيران بقصفها، وقد مهد لهم ذلك القصف للقيام بالتحشيد لهجوم هائل على معسكر جلولاء التابع لمنظمة مجاهدي خلق، وشاركت في الهجوم قوات الحرس وقوات لما يعرف بفيلق بدر وقوات للبيشمركة ودارت هناك معركة حامية الوطيس وغير متكافئة لعدة ساعات كان طيران التحالف الدولي جزءاً منها وامتلأت مستشفيات خانقين بالجرحى وعلت النداءات للتبرع بالدم لإسعاف جرحى الحرس وبدر والبيشمركة، وقد أحدثوا مجزرة إبادة جماعية في معسكر جلولاء ارتكبوا فيها جرائم بربرية، وتوالت جرائم نظام الملالي بحق منظمة مجاهدي خلق بعد أن خضعوا للحماية الدولية كأفراد عزل وفق اتفاقية جنيف الرابعة وبموجب اتفاق مع سلطات الاحتلال والأمم المتحدة في العراق، وعلى الرغم من هذه الحماية الدولية فقد تعرضوا لمجازر إبادة بين الحين والآخر على مرأى ومسمع الحامي والمجتمع الدولي وقد استخدمت القوات المهاجمة لهم أدوات لا تنم عن وجود جيوش نظامية لها ضوابط وقوانين ومن هذه الأدوات مناجل وفؤوس وقامات من حديد كالسيوف والبنادق، واستمر هذا النوع من الهجمات الوحشية والحصار الإبادي المتعمد حتى تم نقلهم جماعياً إلى ألبانيا.

المعارضة الكردية الإيرانية

 تتواجد المعارضة الكردية الإيرانية بشكل رسمي على الأراضي العراقية ويتواجد ذويهم وعائلاتهم في مخيمات لجوء برعاية الأمم المتحدة، ولم تسلم الأحزاب الكردية الإيرانية ولا مخيمات اللجوء التي يقطنها نساء ومسنون وأطفال من هجمات النظام الإيراني سواء من قبل الحرس أو من قبل الجيش، وقد شهد العالم على هجمات الصواريخ التي قام بها النظام الإيراني ضد هذه المخيمات بذريعة أنها -أي المعارضة الكردية الإيرانية- تدعم مظاهرات ودعوات انفصالية داخل إيران وهذا الأمر عارٍ عن الصحة فالاحتجاجات اجتاحت جميع المحافظات والمدن والقرى الإيرانية ولم يرفع أياً من المتظاهرين شعارات انفصالية بل طالب الجميع بإسقاط النظام كمطلب وطني موحد اجتمع عليه كل المواطنين من مختلف مكونات الشعب؛ لكن الحقيقة هي أن مخاوف النظام من السقوط تدفعه أعماله الإجرامية ضد المعارضة الإيرانية.. فبالأمس كان مجاهدو خلق في أشرف بالعراق واليوم في ألبانيا، وكذلك المعارضة الكردية الإيرانية التي كانت مستهدفة بالأمس واليوم يسعى نظام الملالي للقضاء عليها في العراق وإخراجها منه كما فعلوا مع مجاهدي خلق.. ولا نعرف هذه المرة هل سيترك النظام الإيراني الكومله والديمقراط الأكراد سالمين في العراق، أم هل سيتركون له العراق. لن يتمكن ملالي طهران من النيل من حزبي الكومله ولا من الديمقراط الإيرانيين لكنه سيتجه نحو تصعيد أشد ضد مخيمات اللاجئين الأكراد العزل في العراق وكالعادة تعرفون كيف كانت مواقف المجتمع الدولي ضد نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران.. إدانة شكلية لا تثمن ولا تُغني من جوع في العلن، ومهادنة واسترضاء وتسهيلات في الخفاء تصل إلى الحد السماح بقمع المعارضة سواء كانت في ألبانيا أو في العراق.

لم يحمِ المجتمع الدولي قيمه التي لطالما تغنى بها.. وتفرّج على قتل وإصابة اللاجئين في يوم اللاجئ فماذا ننتظر بعد من النظام العالمي؟

ساندوا الشعب الإيراني وشعوب منطقة الشرق الأوسط في الخلاص من طغاة العصر.

ليفانت - د. محمد الموسوي  

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!