-
صدمات اقتصادية تصاعد وتآكل الطبقة الوسطى في إيران
تشهد الطبقة الوسطى في إيران صراعاً متزايداً نتيجة الصدمات الاقتصادية. حالياً، تُعد تسعة من أصل عشرة شرائح اجتماعية في إيران عرضة لهذه الصدمات. ويكشف فحص دقيق لأنماط الإنفاق عبر هذه الشرائح عن فجوة واسعة بشكل ملحوظ بين الشريحة العاشرة والشرائح الأخرى.
وتُظهر بيانات الإنفاق على الأسر الحضرية لعام 2022 أن نسبة الإنفاق بين الشريحة العاشرة (أعلى 10٪ من السكان) والشريحة التاسعة تبلغ حوالي الضعف. ومع ذلك، فإن فجوة الإنفاق بين الشرائح الأخرى أصغر بكثير، مما يعمّق التباين بين الشريحة العاشرة وبقية المجتمع. وهذا يعني أن معظم الشرائح تُعتبر عرضة للصدمات الاقتصادية، وحتى بعض الأسر في الشريحة العاشرة قد تصبح مهددة بالتقلبات الاقتصادية الجديدة.
ونتيجة لذلك، يمكن القول إن جزءاً صغيراً فقط من المجتمع محصن من الصدمات الاقتصادية. هشاشة 9 من أصل 10 شرائح تعني أن العديد من الأسر قد تسقط بسهولة نحو خط الفقر. وعلى الرغم من أن الشريحة العاشرة قد تبدو محصنة من هذه التقلبات، إلا أن نظرة أعمق تكشف عن فجوة دخل كبيرة حتى داخل هذه الشريحة. وبالتالي، قد تؤدي الاضطرابات الاقتصادية الجديدة إلى دفع الأسر في أدنى مراتب الشريحة العاشرة إلى الشرائح الأدنى.
وفي عام 2023، بلغ إجمالي إنفاق الأسرة الحضرية المتوسطة في الشريحة العاشرة حوالي 589 مليون تومان، بينما في الشريحة التاسعة كان حوالي 316 مليون تومان. هذا يعني أن إنفاق الشريحة التاسعة يمثل حوالي 53٪ من إنفاق الشريحة العاشرة، مما يجعل إنفاق الشريحة العاشرة تقريباً ضعف الشريحة التاسعة.
ويبرز هذا الفرق الكبير التباين الواضح في مستويات المعيشة والقوة الاقتصادية. في عام 2022، كانت هذه النسبة 59٪، مما يوضح اتساع الفجوة بين هذه الشرائح. تنفق الأسر في الشريحة العاشرة أكثر بكثير من الشرائح الأدنى، خصوصاً على السلع غير الغذائية مثل الإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية، والترفيه.
وفي العام الماضي، بلغ متوسط الإنفاق على الطعام والتبغ للأسر الحضرية في الشريحة العاشرة حوالي 95 مليون تومان، بينما تم إنفاق 494 مليون تومان إضافية على السلع غير الغذائية. بعبارة أخرى، يتم تخصيص 16٪ فقط من نفقات الأسر الإيرانية ذات الدخل المرتفع لاحتياجات الغذاء.
وفي المقابل، ترتفع نسبة الإنفاق على الطعام في الشريحة التاسعة إلى حوالي 22٪ من إجمالي التكاليف، وتزداد هذه النسبة في الشرائح الأدنى. على سبيل المثال، في عام 2023، بلغ إجمالي الإنفاق المتوسط للأسرة الحضرية في الشريحة الأولى حوالي 47 مليون تومان، وتم تخصيص حوالي 43٪ من هذا المبلغ للاحتياجات الغذائية.
وعلى مدى السنوات الماضية، واجه الاقتصاد الإيراني العديد من الصدمات، بما في ذلك العقوبات وتقلبات أسعار الصرف. وخلال هذه الفترات من الاضطرابات الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم أو الأزمات المالية، تتأثر الشرائح الأدنى بشكل أكبر. وتُظهر البيانات المتعلقة بإنفاق الأسر الحضرية السنوي أن الشرائح الأولى والثانية، التي تتمتع بمصروفات سنوية أقل بكثير مقارنة بالشريحة العاشرة، تنفق معظم دخلها على الغذاء.
يعني هذا أنه عندما ترتفع أسعار الغذاء أو السلع الأساسية، تكون الأسر ذات الدخل المنخفض أكثر تأثراً وتواجه صعوبة أكبر في التكيف مع هذه التغيرات. في المقابل، تكون الأسر في الشريحة العاشرة، التي تخصص جزءاً كبيراً من إنفاقها على السلع والخدمات غير الأساسية مثل الترفيه والرعاية الصحية والتعليم، أقل تأثراً بزيادة أسعار السلع الأساسية، ويمكنها تعديل إنفاقها في مجالات أخرى.
تشير الفجوة الاقتصادية بين الشريحة العاشرة والشريحة التاسعة إلى تزايد عدم المساواة الاقتصادية في إيران. هذا التفاوت لا يرجع فقط إلى اختلافات في الدخل، بل أيضاً إلى الفجوات في الوصول إلى الفرص الاقتصادية، والخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، والسكن. تمنح القوة المالية للشريحة العاشرة هذه الفئة وصولاً أكبر إلى خدمات عالية الجودة، مما يجعلها أقل عرضة للأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، بينما تكون الشرائح الأدنى أكثر عرضة للخطر بسبب دخولها المحدودة. اتساع هذه الفجوات مع مرور الوقت يفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
في الوقت الحالي، يمكن القول إن الطبقة الوسطى في إيران قد ضعفت بشكل كبير، وأن تسعة من أصل عشرة شرائح دخلية معرضة للتقلبات والصدمات الاقتصادية. وعلى الرغم من أن الشريحة العاشرة قد تبدو قادرة على الحفاظ على مستوى معيشتها بغض النظر عن التغيرات الاقتصادية، إلا أن التحليل الأعمق يكشف وجود فجوة كبيرة في الدخل حتى داخل هذه الشريحة. وهذا يعني أن الاضطرابات الاقتصادية الجديدة قد تدفع بعض الأسر في المستويات الدنيا من الشريحة العاشرة إلى الشرائح الأدنى. علاوة على ذلك، ازدادت فجوة الفقر خلال السنوات الأخيرة.
ويمكن أن تؤدي الصدمات الاقتصادية الجديدة إلى دفع بعض الأفراد الذين لا يُصنفون حالياً كفقراء إلى ما دون خط الفقر. ويُمكن لانعدام المساواة الاقتصادية أن يؤدي إلى آثار سلبية طويلة الأمد على الاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنية، خاصة عندما تشعر شرائح كبيرة من المجتمع بأنها متخلفة عن دورات الاقتصاد وغير قادرة على الاستفادة من فرص النمو. بالنظر إلى الفجوة الكبيرة بين الشريحة العاشرة وحتى الشرائح الثامنة والتاسعة، قد تتمكن فقط المجموعة ذات الدخل الأعلى من الحفاظ على مستويات معيشتها السابقة.
في السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع التضخم، حاولت الحكومة دعم الشرائح ذات الدخل المنخفض من خلال تقديم مختلف أنواع الدعم لمنع زيادة فجوة الثروة. ومع ذلك، لم تؤدِ هذه السياسات إلى تقليص الفجوة الطبقية بشكل كافٍ. لا تزال الأسر ذات الدخل المنخفض تنفق جزءاً كبيراً من دخلها على الاحتياجات الأساسية ولديها قدرة محدودة على الادخار أو الاستثمار.
وبالرغم من أن السياسات مثل الدعم والمساعدات المالية وبرامج الضمان الاجتماعي تلبي بعض احتياجات الشرائح ذات الدخل المنخفض، إلا أنها تظل غير كافية. تظل الشريحة العاشرة، بفضل مواردها المالية الكبيرة، أقل تأثراً بالأزمات الاقتصادية. وفي مثل هذا الوضع، تتحمل الحكومة عبئاً مالياً ثقيلاً في محاولتها دعم الفئات الضعيفة، لكن هذه السياسات لم تحقق النتائج المرجوة حتى الآن.
وعلى الرغم من المزايا النسبية التي تتمتع بها الشريحة العاشرة، إلا أن الفجوة الاقتصادية قد تؤدي إلى استياء اجتماعي طويل الأمد وعدم استقرار اقتصادي. فالشرائح الأدنى، التي تنفق معظم دخلها على الاحتياجات الأساسية، أقل قدرة على تحسين وضعها الاقتصادي مع استمرار التضخم وتراجع القوة الشرائية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تزايد عدم المساواة الاقتصادية إلى تآكل التضامن الاجتماعي وتوسيع الفجوة بين مختلف الفئات الاجتماعية. وقد تسهم هذه الظروف في نهاية المطاف في تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة البطالة وحدوث اضطرابات اجتماعية.
تُظهر تجارب السنوات الأخيرة أن السياسات التوزيعية الحكومية لم تكن فعالة في تحسين الأوضاع الاقتصادية للشرائح ذات الدخل المنخفض.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!