الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / يناير / ٢٠٢٥
Logo
  • رحلة معاناة أخي مع النظام الأسدي المجرم

  • ((اسم اخي آلان زين العابدين محمود مواليد 1963 اعتقل في سجن تدمر عام 1981 مع تفاصيل اعتقاله ))
رحلة معاناة أخي مع النظام الأسدي المجرم
عز الدين ملا

سقط نظام الأسد المجرم الدكتاتوري، ولكن مازالت عذابات السوريين تدقُّ ذاكرة الزمن، ومازال أنين أرواح من اُعتقل، وعُذّب لرأيه المخالف أو لـ لا شيء، كُلّما أتذكر ظروف أخي الحياتية وأنا صغير وكبرتُ مع ظروفه وعذابات أنينه من جراء ما تلقّاه في مُعتقله بتدمر ومعاناة والدي بكاءً وحزناً على ما حصل لأخي، زاد كرهي وحقدي لهذا النظام الأسدي المجرم، وكان إصراري للوقوف في وجه نظام الاسد المجرم بإمكانياتي المتواضعة، وكانت كل كتاباتي عن ظلم واستبداد عائلة الأسد ضد السوريين، لقد رأيت عذابات كلّ السوريين ومآسيهم في عذاب أخي ومأساته.

 

 وهُنا سوف استرسل بالحديث عن معاناة والدي وعائلتنا من جرائم نظام الأسدي المجرم الذي بدأ منذ أربعين عاماً، معاناته مثل معاناة ملايين السوريين الذين ذاقوا الويلات، لم يهنأ السوريون ولا للحظة خلال حكم الأسد.

 

وكان لوالدي وعائلته نصيب من إجرامهم، سأروي القصة كاملة، ستكون سطور الكتابة طويلة بعض الشيء، أرجو قراءته كاملة.

  

بدأ ذلك في بداية الثمانينيات حيث اشترى والدي فندقاً في مدينة حلب، كان الفندق ملاذاً للكورد الذين كانوا يسافرون إلى حلب للعلاج أو لغرض ما، كثيرون من كوردنا في الحسكة وعامودا والدرباسية يعرفون ذلك، وناموا في فندق والدي اسم الفندق آنذاك كان (شتورة) وتغيّر الاسم فيما بعد.

  صورة المعتقل آلان زين العابدين محمود


 أراد والدي نقل أعماله شيئاً فشيئاً إلى حلب ونقل عائلته والسكن فيها. كان تجري في ذلك الوقت أحداث حماة، وانتقلت تداعياتها إلى حلب، وكانت الأفرع الأمنية لنظام الأسد المجرم تقوم بوضع حواجز أمنية في شوارع مدينة حلب، وتغيير أمكنة تلك الحواجز من شارع إلى آخر حسب ما يتطلّب منهم الأوامر، وبعد عدة شهور من سكن والدي هناك، وكان وقت امتحانات المرحلة الثانوية، حيث كان أخي طالباً في البكالوريا وحلمه أن يدخل كلية الفنون الجميلة لإحساسه الرائع في فن الرسم وهاويا لهذا الفن منذ الصغر، وعندما ذهب هو وصديقه لتقديم الامتحان في شهر حزيران عام 1981 وكان امتحانه الثاني ولمادة اللغة الإنكليزية، وفي طريق الذهاب إلى مركز الامتحان، ومن سوء حظّه مرَّ من شارع كان حاجز الأمن موجوداً فيها، وعندما أوقفهم عناصر الحاجز، وسألهم عن سبب مرورهم من هذا الشارع لأنه مفروض حظر التجوال فيه، (حيث كانت الأفرع الأمنية تفرض حظر التجوال على بعض الشوارع)، حقق عناصر الحاجز معهما، والاستفسار عن سبب خروجهما من البيت ومرورهما من هذا الشارع، ذكر أخي وصديقه لهم أنهما ذاهبان لتقديم امتحان البكالوريا، وأنهما لا يعلمان أن هذا الشارع محظور من التجوال، وعند طلب هوياتهما، لم يكونا يحملانها لأنهما يحملان بطاقات الامتحان، ولكن كان سوء حظ أخي، عندما قال إنه نسي هويته في جيب جاكيته في الفندق، وعندما سأله عن اسم الفندق، هنا كانت الكارثة، حيث أن اسم الفندق آنذاك كان شتورة تمَ تغيير الاسم فيما بعد، وعندما ذكر أخي اسم الفندق، جاءت ضربة قوية على وجهه، ( فقد كان اسم شتورة لمدينة في لبنان معقل الإخوان المسلمين )، لم يكن أخي يعلم أن اسم الفندق سيكون كارثة عليه، وعندما ضربه العنصر ذاك الكف، قام أخي هو وصديقه ومن خوفهم بالهروب، فأطلق عناصر الأمن الرصاص فأصاب فخذ أخي ومن ثم اعتقلوهما، وبعد البحث من قبل والدي جاءه الخبر أنه  في سجن تدمر.

   هنا بدأت مرحلة البحث والواسطات، والدي وبعد أن تواصل مع الكثيرين ممّن لهم معارف مع النظام المجرم، وبعد عام تمكّن من إخراجه من السجن، بعد أن باع كل شيء من الفندق وأملاكه وعقارته.

   لكن بعد أن خرج أخي من المعتقل، انصدم والدي وجميع الأهل والأقارب، حيث خرج أخي بمرض نفسي شديد وفقدان للذاكرة، لم يكن يتذكر شيئاً سوى ما حصل معه في السجن.

وتحدث عن رحلته في السجن، حيث قال أخي لوالدي أنه وبعد أن أصيب بطلق ناري في فخذه اعتقلوه مع صديقه، وأخذوه إلى سجن تدمر (الكثيرون يعرفون ما هو سجن تدمر؟ والجرائم التي كانت تحدث فيه لا تقل عما جرى في سجن صيدنايا، كان سجن تدمر البشع المكان المخيف والمرعب، بعدها انتقل ذاك الرعب والخوف إلى سجن صيدنايا الذي تمَّ بناؤه في بداية التسعينيات من القرن الماضي وعلى ما اعتقد عام 1990 أو 1991 من قبل شركة من ألمانيا الشرقية).

تحدّث أخي، أنهم أدخلوه إلى سجن تدمر دون أن يعالجوه، أو يحاكموه، بقيت الرصاصة في فخذه مدة عشرة أيام، وبعد أن تفاقم جرحه ونتيجة صراخه من الألم وتمّ نقله المشفى، وبعد أن أرجو الرصاصة من فخذه وقبل أن يلتئم الجرح أرجعوه إلى معتقله وهكذا الألم والصراخ إلى جانب التعذيب الجسدي والنفسي حتى إنهار كلياً، يتحدث وهو يرتجف خوفا ورعبا ويلتفتُ إلى من حوله عن عذاباته ومشاهداته من قلع الأظافر والضرب بالهراوات والعصي والصواعق الكهربائية، إضافة إلى جرِّهم بالسيارة العسكرية من الخلف وهم عراة وسحبهم في ساحة سجن تدمر المّزفتة ومليئة بالحجارة الصغيرة، حتى تسيل الدماء من أجسامهم، عدا عن الإرهاب النفسي من خلال الأضواء القوية ليلاً نهاراً مسلطة عليهم والأصوات القوية والموسيقا المرعبة.

  لم تنته قصة اعتقال أخي هنا بل بدأت مرحلة عذاب أخرى بعد خروجه من السجن، حيث الخوف والرعب لازماه، وقام والدي بإدخاله إلى مشفى للأمراض النفسية لمعالجته وتناوله لأدوية مهدئة ومنومة لكي ينسى، لم يُشفَ أخي ولم ينسَ الرعب والخوف وما جرى معه في السجن، كان يخاف الخروج والاختلاط مع الناس، بقي هكذا عشرين عاماً، وفي عام 2001 وبينما كُنت في زيارة إلى دمشق، حيث كان أخي يسكن مع والدته أي زوجة أبي، لأنني أنا من زوجة والدي الثانية، وفي إحدى الليالي عند الساعة الرابعة صباحاً سمعت صراخ أمي الثانية أي زوجة والدي، ما رأيته كان الرعب، حيث قام أخي بحرق يديه على نار غاز الطبخ في المطبخ، قمنا بإسعافه إلى المشفى، في المشفى كان قد تفحّم أصابع يديه، الأطباء أكدوا أنه يجب قطعها، وبعد ثلاثة أيام في المشفى تُوفّي أخي بعد معاناة طويلة مع آثار اعتقاله المرعب في معتقلات نظام الأسد المجرم.

اعتبرُ يومَ سقوط نظام الأسد المجرم والهروب المُهين والمُذل لبشار المجرم، أن أخي حصل على حقه، وإن عدالة السماء أقوى من كل محاكم العالم.

كتبت هذه السطور لكي تهنأ روح أخي الذي لم يهنأ في حياته.

الرحمة والسلام لروح أخي ولجميع أرواح من ذاق عذابات هذا النظام الإجرامي الذي لم تشهده سوريا أبداً.

أرجو من الله أن تكون سوريا المستقبل، سوريا لجميع السوريين بكل أطيافهم.

عاشت سورية حرة أبية.

عاش الشعب السوري الحر.

كاريكاتير

سوريا وهيئة تحرير الشام

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!