-
رؤساء سورية وطنيون أم موظفون ؟! الرئيس الخامس هاشم الأتاسي
يحسب للرئيس هاشم الأتاسي أنه أكثر من حذر العرب من أخطاء العسكر قبل أن تقع بعض البلدان تحت براثن حكمهم وسطوتهم وغلوهم في القسوة ، كسب احترام خصومه قبل مؤيديه ، زاره شارل ديغول والجنرال كاترو في منزله بمدينة حمص ، شيعه جمال عبدالناصر ، ناضل من أجل الاستقلال في العهدين العثماني والفرنسي ، وقف ضد الوحدة مع مصر "يعتقد أن عبدالناصر صغير السن عديم الخبرة" وقال : ( يريدون أن يحولوا سوريا إلى قمر صناعي مصري ) شجع وعمل على الوحدة مع العراق وفي عهده تمت صياغة قانون انتخابي سمح للمرأة ولأول مرة في التصويت 1949 .
كان وطنياً نصيراً للشرعية والدستور، رئيساً للوزراء ورئيساً للمؤتمر السوري العام ورئيساً للكتلة الوطنية ورئيساً للجنة صياغة الدستور مرتين ورئيساً لسوريا لفترتين ( 1936-1939) و( 1949-1955 ).
ولد الرئيس السوري الخامس هاشم خالد الأتاسي في مدينة حمص عام 1875 وتتلمذ على يد والده مفتي المدينة التي نشأ بها ثم انتقل إلى اسطنبول لدراسة الإدارة العامة في الكلية الملكية ، بدأ حياته موظفاً في بيروت ومتصرفاً لمدينة بوردو التركية ثم محافظاً لحمص وحماه وبعلبك والاناضول .
انتسب للجمعية العربية الفتاة المناهضة لأعمال التتريك وطالب بالاستقلال من الدولة العثمانية، وفي العهد الملكي انتخب رئيساً للمؤتمر السوري العام الذي يعد بمثابة البرلمان الأول للبلاد وتم تكليفه برئاسة لجنة لصياغة الدستور وعينه الملك فيصل رئيساً للوزراء قبل أن تطيح فرنسا بالملكية.
كان له موقفاَ واضحاً من الثورة السورية الكبرى التي لم يشارك بها وقال : ( أن الاستقلال يأتي ثمرة انتصار الحق لا العنف ) .
قام بتأسيس الكتلة الوطنية مع سعد الله الجابري وشكري القوتلي وفارس الخوري عام 1927 التي كان لها بصمات واضحة في الحياة السياسية حتى وصول حكم البعث 1963 ، ولعبت دوراً كبيراً في الدفع نحو انتخاب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور عام 1928 وقادت احتجاجات 1930 المطالبة بنشر الدستور مما دفع السلطات الفرنسية لاعتقال الأتاسي لبضعة شهور في جزيرة أرواد ونجحت الاحتجاجات بنشر الدستور 1932 واجراء انتخابات برلمانية وانتخاب الرئيس محمد العابد .
في عام 1936 فازت الكتلة الوطنية بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية ليتقدم الرئيس العابد باستقالته وتم انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً وخلال هذه الفترة كان شغله الشاغل المطالبة بالاستقلال والمصادقة على معاهدة 1936 التي أكد من خلالها الفرنسيون الموافقة على انهاء الانتداب.
وفي ذلك الحين حشد رئيس حزب الشعب عبدالرحمن الشهبندر الشارع للتظاهر ضد الكتلة الوطنية والأتاسي بحجة عدم اعلان فرنسا عن اتفاقية 1936 وتسليم لواء إسكندرون لتركيا ونتيجة لذلك قام الأتاسي بتقديم استقالته في 7 أيار 1939 وقال : ( أن فرنسا تواصل المماطلة حول الاستقلال السوري وسحب كامل الجيوش ) .
وجدت فرنسا في استقالة الأتاسي الذي كان يقف وكتلته حجر عثر في وجهها فرصة ذهبية لتعليق الدستور واعادة الحكم العسكري المباشر وتزامن ذلك مع دخول القوات البريطانية الفرنسية إلى سوريا بقيادة شارل ديغول الذي زار الأتاسي في منزله ووعده بإنهاء الانتداب فرد عليه قائلاً :( لا يمكن الوثوق بفرنسا).
شهدت البلاد عام 1943 حراكاً شعبياً ضاغطاً أجبر الفرنسيين على عودة الحيادة الدستورية وفازت الكتلة بالانتخابات ودعم الأتاسي ترشح زميله شكري القوتلي للرئاسة وشهدت هذه الفترة تحسناً في العلاقة بين الكتلة والانتداب.
أمام المطالبة الجماهيرية واعضاء الكتلة رشح الأتاسي للرئاسة وأعيد انتخابه عام 1949 وكان من أولوياته الوحدة مع العراق واستطاع أن يقطع شوطاً كبيراً بالمفاوضات وأصبحت الوحدة وشيكة نتيجة للتفاهمات بين الطرفين ، الأمر الذي أغضب رئيس الأركان حسني الزعيم الذي كان مفتاحاً لحكم العسر " بوابة الشر " وقاد أول انقلاب في الشرق الأوسط ونصب نفسه رئيساً للدولة قبل أن يطيح به انقلاب عسكري ثانٍ ( سمي بالانقلاب الديمقراطي ) بعد أربعة أشهر بقيادة سامي الحناوي في أب 1949 ودعا الأتاسي لتشكيل حكومة والعودة إلى الحياة المدنية وبالفعل قام بتشكيل حكومة من جميع الأحزاب وعين ناظم القدسي رئيس حزب الشعب رئيساً لها وميشيل عفلق رئيس حزب البعث وزيراً للزراعة .
كان العقيد أديب الشيشكلي أحد قادة الجيش غاضباً من الوحدة وتردد أن هناك أيدي خارجية دفعته ليقود الانقلاب العسكري الثالث عام 1949 واعتقل سامي الحناوي وبعض أعضاء حزب الشعب والضباط الموالين للوحدة و وافق الأتاسي على شرطه بتعيين فوزي السلو وزيراً للدفاع إلا أن رئيس الحكومة معروف الدواليبي رفض تعيين السلو ليكشر الشيشكلي عن أنيابه ويقوم بانقلاب ثاني واعتقل الوزراء ورئيس الحكومة وجميع أعضاء حزب الشعب ورجال الدولة والضباط المؤيدين للوحدة كما قام بحل البرلمان .
نتيجة للانقلاب قدم الأتاسي استقالته للبرلمان المنحل غير معترفاً بشرعية الشيشكلي وقاد معارضة غير معلنة ضده خلال الفترة من 1951-1954 وعقد مؤتمراً وطنياً في منزله أصدر بياناً جاء فيه : ( الدعوة إلى الديمقراطية والحريات العامة وشجب الحكم الفردي والنظام البوليسي ) وجاء رد الشيشكلي بوضع الأتاسي تحت الإقامة الجبرية واعتقال كل من وقع على البيان ونتيجة لسطوته و دمويته وقصفه لجبل العرب بالطيران والتنكيل بأهله قامت انتفاضة شعبية عام 1954 بالتحالف بين حزب الشعب والكتلة الوطنية انتهت بهروب الشيشكلي وعاد الأتاسي في 1 أذار 1954 ليمارس مهامه كرئيس.
كرس الرئيس فترة حكمه في تثبيت الحكم المدني وحارب نفوذ الضباط بشدة كما وقف ضد الأحزاب اليسارية ونجح في تحييد سوريا للبقاء خارج المعسكر السوفياتي و كانت له اجراءات صارمة ضد الناصريين وكان ميالاً لحلف بغداد لاحتواء النفوذ السوفياتي وهذا لم يقبله الضباط الموالين لمصر .
مع نهاية ولايته 1955اعتزل الرئيس الحياة السياسية وقد تأثر كثيراً بالحكم على نجله عدنان بالإعدام ( تم تخفيف الحكم للمؤبد ) بحجة التحالف مع العراق والتدبير لانقلاب ضد شكري القوتلي الموالي لعبد الناصر .
توفي الأتاسي في حمص عام 1960 بعد رحلة طويلة من النضال من أجل الاستقلال والحرية والتمكين لدولة مدنية تتغنى بها الأجيال إلا أن التقلبات السياسية وسطوة الضباط أبت أن تضع سوريا على الطريق الصحيح .
ليفانت - طه الرحبي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!