-
حقيقة اليتم الاجتماعي
"اليتم الاجتماعي موضوع واعد جداً بسبب الوضع المتأزّم في مجتمعنا ووجود أزمة منهجية وروحية.. فيجد المجتمع العربي الحديث نفسه فيها".
ترجع أهمية الموضوع إلى الحاجة لفهم شامل لظاهرة اليتم الاجتماعي، لأن هذه الظاهرة الاجتماعية غالباً ما تؤثر سلباً على الحالة الاجتماعية بأكملها.. مشكلة القضية هذه أنها ذات طبيعة مشتركة بين القطاعات، وتقع عند تقاطع المجالات الإشكالية لعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم التربية، بما في ذلك قضايا الأصول الاجتماعية والمحتوى النفسي الاجتماعي لظاهرة اليتم، والسياسة الاجتماعية فيما يتعلق بهذه الفئة من السكان، ومشاكل التعليم، والأزمات النفسية والاجتماعية.
ما تزال مشكلة اليتم الاجتماعي في المنطقة العربية غير مفهومة بشكل كافٍ فالوضع معقد، والتوتر الاجتماعي يتضاعف، والزيادة حادة في عدم المساواة الاجتماعية والتمييز الاجتماعي، الذي يتفاقم بسبب العديد من الصراعات الاجتماعي، فيتم النظر في قضايا اليتم الاجتماعي كمشكلة نفسية واجتماعية مستقلة بشكل مجزأ، في جوانبها الفردية.
من الواضح أن المجتمع العربي الحديث يواجه ضرورة موضوعية لإدراك ماهية مشكلة اليتم الاجتماعي فيما يتعلق بالزيادة المكثّفة في عدد الأيتام الاجتماعيين، لذا لا بد من إعطاء لمحات لأنشطة الخدمات الاجتماعية والعامة، وسيتم تقديم التحليل اللازم لعمل السياسة الإعلامية الاجتماعية، والتي ينبغي أن تكون مسؤولة عن كيفية إيضاح إنشاء قواعد قانونية تنظيمية فعالة، وكذلك تطوير التقنيات الاجتماعية لدعم ومساعدة الأيتام الذين يستوفون المتطلبات الحديثة.
الأهم في الظروف الحديثة هو أسباب ظهور الأيتام الاجتماعيين، وطرق حل المشكلة، والبحث في الجانب النفسي والاجتماعي والمؤسسي لمشاكل اليتم والتكيف الاجتماعي، والحماية الاجتماعية، والدعم الاجتماعي للأيتام كمجموعة مستقلة، وتحليل المحتوى الاجتماعي لليتم، والبحث عن الوضع والآفاق الاجتماعية لهذه الفئة الاجتماعية، وحل قضية الحماية الاجتماعية للأيتام.
في الوثائق التنظيمية لمعظم البلدان، مصطلح "اليتم الاجتماعي" غائب، ويتم استبداله بمفاهيم مثل "الأطفال الذين تركوا دون رعاية الوالدين"، "الأطفال المحتاجون إلى حماية الدولة، "الأطفال المحرومون من الأسرة"... إلخ. وإن أساس صياغة التعريفات لليتم الاجتماعي هو تقسيم الأطفال إلى فئتين رئيسيتين: الأطفال الذين نشؤوا في الأسرة، والأطفال الذين نشؤوا خارج الأسرة البيولوجية. والفئة الثانية تشمل: الأطفال الذين فقدوا والديهم بسبب وفاتهم، والأطفال الذين تُركوا دون رعاية الوالدين، الأطفال الذين تُركوا في مستشفيات الولادة، ودور الأطفال، والمأخوذون من والديهم، وما إلى ذلك). وكذلك الأطفال الذين يجدون أنفسهم في مواقف حياتية صعبة (الآباء لا يعملون، يهيمون على وجوههم، ويقودون أسلوب حياة غير أخلاقي، وما إلى ذلك).
ففي القرن العشرين، أدت الحروب العالمية والثورات والاضطرابات الاجتماعية الأخرى في معظم دول العالم ليس فقط إلى اليتم البيولوجي، ولكن أيضاً إلى اليتم الاجتماعي، والذي تسبب في إبعاد الوالدين عن واجباتهم المتعلقة لأطفالهم.
ظرف مهم آخر يشكل نمو مستوى إهمال الطفل، وهي أزمة مؤسسة الأسرة، والتي لا تسبب فقط الفقر، ولكن أيضاً بسبب الظروف غير المواتية للغاية للحياة الأسرية، وتشوه القيم الأخلاقية التقليدية وتدميرها. إن مخاطر الأزمة الوشيكة هي الأكثر تعرضاً. وفي كثير من الحالات، ينتهي الأمر بالأطفال في الشوارع نتيجة طلاق والديهم. والطلاق، كونه عامل صدمة نفسية للطفل، يؤدي إلى الرغبة في الاستقلال الذاتي عنده، عندما يقوم الشخص المتنامي بتقليل التواصل مع الوالدين إلى الحد الأدنى، محاولاً تجريد نفسه من حالة الصراع في الأسرة. وبطبيعة الحال، بالنسبة للأطفال الذين نشؤوا في أسر غير مكتملة، يتحول هذا الوضع إلى فقدان الثقة في أمن وحرمة العالم الاجتماعي للأسرة، والشكوك حول الحاجة إلى تكوين أسرة، مما يؤثر سلباً للغاية على الصحة الاجتماعية والنفسية. إن أزمة الأسرة الحديثة تؤدي إلى إضعاف قدرتها التربوية، وتدمر، علاوة على ذلك، القيم العالمية الأساسية التي ينبغي أن تكون أساساً موحداً راسخاً.
وهناك عامل إضافي آخر.. وهو موقف المؤسسات التعليمية الحديثة، عندما كانت الفرق التربوية، مع مراعاة المتطلبات التعليمية التي يتم الوفاء بها على الورق فقط، تنأى بنفسها باستمرار عن المشاركة في حل مشاكل الحياة. للأطفال والمراهقين.. فماذا ننتظر؟ لذا يمكن اعتبار الأسباب الرئيسة لظهور ونمو إهمال الأطفال اليوم هي "تدمير البنية التحتية للدولة للتنشئة النفسية والاجتماعية وسوء التعليم العام للأطفال في ظل ظروف الثورة التكنولوجية ودرك عواقبها الأخلاقية وانحدار خطير بالعوامل والأحوال التي حولت وتحولت بحياة الأطفال والمراهقين إلى حياة بلا هدف.
وفي الختام، يمكن استخلاص الاستنتاجات التالية:
• اليتم الاجتماعي من المشاكل الرئيسة في المجتمع الحديث. في الوقت الحاضر يستخدم مفهومان "اليتيم" و"اليتم الاجتماعي" على نطاق واسع في الدراسات النظرية.
• بالإضافة إلى اليتم الاجتماعي، يمكن التمييز بين ظاهرة أخرى، اليتم الاجتماعي الخفي، وهي أسر كاملة لا يشارك فيها أحد في تربية الأطفال، ونتيجة لذلك يقع هؤلاء الأطفال في فئة غير اجتماعية.
• اليتم الاجتماعي، الذي يميل إلى النمو في المنطقة العربية، في رأينا، مرتبط ليس فقط بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والروحية في المجتمع، ولكن أيضاً بنقص الإصلاحات الضرورية.
• الأيتام والأيتام الاجتماعيون والأيتام الاجتماعيون المختبئون معرضون للخطر، فمن المهم تثقيف وتعليم كل طفل كفرد.. لتحقيق نجاحهم في التنشئة الاجتماعية، ولكن هذه المشكلة تتصاعد بسرعة كبيرة لدرجة أن تجاهلها سيؤثر بالمستقبل القريب جداً لذلك من المهم تغيير الموقف تجاه اليتم في المجتمع ككل.
• لو قمنا بدراسة استقصائية عن هذه القضية، فيعكس تقييم المستجيبين لمشكلة اليتم الاجتماعي، الخصائص العامة للمزاج الاجتماعي للسكان، والتي تشمل التشاؤم الاجتماعي، وسنكتشف إثر سوء الوضع الاجتماعي والنفسي والفكري والروحي في البلاد العربية، والحتمية الضرورية للإصلاح الاجتماعي.
ليفانت - ميثاق بيات الضيفي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!