الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حزب الله في لبنان.. الحضور على حافة الانهيار
رامي شفيق

يعكس الانفجار المروع الذي ضرب مرفأ بيروت، مساء (الثلاثاء) الماضى، وقضى فيه المئات، إضافة إلى إصابة نحو خمسة آلاف آخرين، خريف الغضب الذي ضرب المنطقة العربية، خلال السنوات الاخيرة، ومنح فراغ القوى العربية للأطماع التركية والإيرانية، لاستغلال الجغرافيا الساخنة في الإقليم، بواسطة قوى الإسلام السياسيـ، في نسختها السنية أو الشيعية.


تبدو أحداث لبنان الدامية والمحتدمة، منذ اندلاع الحرب الأهلية، منتصف سبعينات القرن الماضي، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، مروراً بحرب تموز (يوليو) العام 2006، مقاربة واقعية لحال الشرق الاوسط، وأزماته التي يعاني منها منذ لحظة الحرب على العراق، وما اتصل بها من ثورات العام 2011، في عدد من دول الشرق الأوسط.


إذ لبنان منذ لحظة استقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، تحت وطأة أزمة وانسداد سياسي، يمتد بعدها الإقليمي والدولي في العمق الداخلي؛ حيث تقع لبنان تحت طائلة حزب الله الذي يرتبط عقائدياً بالنظام الإيراني، وميدانياً بالحرس الثوري، وعلى خلفية ذلك وتأثيراته، يتحرك زعيم الحزب، حسن نصر الله، بأهداف طهران السياسية والإقليمية والأيدولوجية في الداخل اللبناني، ومحيطه الإقليمي، خاصة بعد سقوط  سوريا في صراعها الداخلي، وحربها الأهلية الممتدة منذ تسع سنوات، وقد اصطفت ميلشيات حزب الله لصالح أهداف الولي الفقيه، بينما ألقت بتداعياتها المباشرة على واقع النظام السياسي في لبنان، الذي شهد تعطيلا للانتخابات البرلمانية، وكذا اختيار رئيس جمهورية حتى يمرر حزب الله أجندته السياسية والإقليمية، ووضع حكومة لا تقف عائقاً أمام دوره العلني والخفي في سوريا.


ما بين استقالة سعد الحريري، وتفجيرات مرفأ بيروت، مروراً باحتجاجات تشرين (أكتوبر) الماضي، ثم تنصيب حسان دياب رئيسا للحكومة، لم يبرح الغضب الشارع اللبناني، بمكوناته المختلفة، والتي احتشدت ضد الطبقة السياسية، كما لم تنل حكومة دياب ثقة المواطن، خاصة بعد التداعيات الاقتصادية غير المسبوقة، وتأثيراتها الصعبة على المواطن الذي وقع تحت مطحنة الغلاء، وارتفاع معدلات التضخم، ناهيك عن قضايا الفساد التي بدت جلية في عين المواطن وهو يواجه شح السيولة النقدية وآثار التضخم، بينما آخرون ينجحون في تحويل مبالغ ضخمة من البنوك الى خارج البلاد.


إن واقع البؤس الطائفي والمحاصصة في لبنان بدا كابوساً، حينما خرج حسن نصر الله ليتحدث إلى الشعب اللبناني في محاولة للتبرؤ من تفجيرات المرفأ، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المترتبة عليها؛ الأمر الذي دفع العديد من القوى المواطنين إلى الخروج في مظاهرات احتجاجية، واقتحام عدد من الوزارات، في تصريح شعبي على إخفاق النخبة السياسية والطبقة الحاكمة. فالمواطن يدرك أن رئيس الدولة والحكومة ومجلس نوابه قد خذله في حق الحياة وأمنه، لا سيما وأن ملامح نصر الله التي ضحكت بسخرية أثناء الخطاب وضعته في تناقض مع بكائه على مقتل قاسم سليماني، حيث فضح ذلك حقيقة ولائه.


تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية الذي وجهها عقب التفجيرات، وأكد فيها على ضرورة محاسبة المسئولين عن كارثة المرفأ، وأن ما حدث جاء نتيجة مباشرة للفساد، ومن ثم، ضرورة تحمل الجميع لمسؤولياته الوطنية، لم تستطع أن تواجه الغضب الهادر في نفوس اللبنانيين الذين يدركوا فداحة وعمق أزماته الحقيقية، وأثر القوى الإقليمية والخارجية على طوائفه السياسية المحلية، وأن الاخيرة لا تدرك سوى مصالحها، كما لا تتعقب سوى أهداف الأطراف الرئيسية.


وعلى وقع ذلك نستطيع فهم الجانب الأخطر في تصريحات دياب، وذلك حين وصف الأزمة في لبنان بأنها "أزمة بنيوية "، وأنه لا يمكن تجاوز عقباتها سوى بإعادة انتاج طبقة سياسية جديدة، وأنه لا يتحمل ما وصلت إليه البلاد من ازمات. تلك التصريحات الواضحة والمباشرة من رئيس الحكومة في مقابل الظهور المتلفز لحسن نصر الله يلخص كثيراً من أبعاد الأزمة السياسية التي تطل بوجه اقتصادي يهدد حياة المواطن واستقراره المعيشي، ويقدم تبريراً منطقياً لصورة الأزمة اللبنانية وهي تراوح مكانها منذ سنوات دون أي تغيير سواء في المعطيات وعناصر الأزمة أو في النتائج التي يترتب عليها داخلياً واقليمياً ودولياً.


زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى بيروت تبلور إلى حد كبير أزمة الشرق الأوسط التي تتعاظم أحداثه، خلال الفترة الأخيرة، جراء الانخراط التركي والإيراني في عدد من العواصم العربية، وسط صراع على ثروات الطاقة في شرق المتوسط خاصة، وأن لبنان تعاقدت في العام 2018 مع ثلاث شركات دولية للتنقيب في مياهها الإقليمية، كان من بينهم شركة توتال الفرنسية، بالإضافة الى شركة ايني الايطالية وشركة نوفاتيك الروسية.


الواقع السياسي في لبنان الذي يبدو معه حزب الله يطبق بكلتا يديه على رقبة البلاد والعباد، من ناحية، ويمثل أحد أوجه الصراع التقليدي مع تل أبيب منذ أحداث حرب تموز، من ناحية أخرى، يضع لبنان في حال مأزوم داخل التنافس على ثروات شرق المتوسط، وذلك فيما بين الدخول في مسار تل ابيب والاستفادة من البنى التحتية التي شيدتها اسرائيل أو الانخراط في المحور الذي ترغب  تركيا في إقامته بالتحالف مع موسكو، فضلاً عن مسألة وضع إسرائيل يدها على بعض الحقوق اللبنانية في مياهها الإقليمية.


وفي كلا الأمرين، ستواجه لبنان تلك السيناريوهات وسط فراغ القوى العربية، وهشاشة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، وتنازع الأطراف الإقليمية والدولية على استقطاب الداخل اللبناني، بحسب أهدافها وأطماعها الاقتصادية والسياسية.


لبنان الذي يغرق في أزماته الداخلية، يعاني من توتر نقاطه الحدودية مع إسرائيل، ما يجعل الأخيرة تمارس ضغوطا متعاظمة على بيروت عبر واشنطن، بهدف دعم تل ابيب وخططها في الشرق الاوسط من ناحية، وممارسة كافة آليات الضغط على إبران من خلال وكيلها في لبنان حزب الله، من ناحية أخرى، بعدف ترويضه وتطويعه للخطط المستحدثة في الإقليم، فضلاً عن عقاب دول الخليج التي تهمل عمداً الازمة اللبنانية نتيجة الانخراط المباشر لحزب الله في الحكومة اللبنانية واضطلاعه بمهام محددة ومسؤوليات تنفيذية في الحكومة اللبنانية.


رامي شفيق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!