الوضع المظلم
الأربعاء ٠٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تعاملوا معنا باحترام.. لسنا سوق خردة
إبراهيم جلال فضلون (1)

ماكر+ون)، من الـ (مكر مَاكِرٌ)، وامْتَكَرَ الشيءُ: اختضَبَ بالمَكْر فـ (مَاكَرَ، يُمَاكِرُ)، لكن صَدقَ وعدُ الله لأمثالهم في قوله تعالي: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ سورة آل عمران 54، فجازاه على المَكْر أو أمهله ومكَّنه من الدُّنيا، حتى تأتيهُ مواقفها وتكشف عنهُ ستائرها التي يختبئ وراءها، كما اختبأ إخوان مصر بالبرقع، وتلعنهُ الدُنيا ومن عليها.

مواقف عكستها تسريبات باريس عن ماكرون الرئيس وبلد المليون شهيد، الذي نعت رئيسها بـ ”الساذج” و”عديم القرار”، ووصف وطن الأحرار الجزائرية" بـ "سوق الخُردة الروسية"، وهو منَ قام مُؤخراً بتكريم جنود بلاده الذين شاركوا في حرب الجزائر مُدافعاً عنهم، فهل انحنى الرئيس الجزائري لجماجم اللصوص بدلاً من رفعة أبطال التحري؟ وتلك الانطباعات السلبية والانتقادات الشديدة للجزائر وصلت لدرجة الإهانة، في تلميح إلى تحكم المؤسسة العسكرية في شؤون البلاد، مما أثار احتجاجاً شعبياً في ساحة الجمهورية على ذلك، في تواطؤ من السلطة الجزائرية ونظيرتها الفرنسية وقمعاً للمعارضة، وعليها أجلت زيارة الرئيس "تبون" إلى باريس، وكأنها ترجمة واقعية لنظرة النخب الحاكمة في فرنسا ورئيسها إلى الجزائر. حيث اختصر ماكرون موقفهُ علاقة البلدين بـ"قصة حُب" اعترضتها "مراحل مُؤلمة".

وكيف يلعنا وهو الذي حض الأوروبيين على التعامل الذكي مع النظام الجزائري، لأنه مصدر أساسي لتموين القارة الأوروبية بالنفط والغاز، وهو من قال: "إن بناء الجزائر كأمة، ظاهرة تستحق المشاهدة. فهل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال، بغض النظر في الفترة التاريخية الممتدة بين بداية الاستعمار (1830) حتى الاستقلال (1962)، وحتى من داخل الإليزيه ومجلس الشيوخ الفرنسي من يتأسف لحال فرنسا الحرة على يد ماكرون، فأين أحرار وأحفاد "الباستيل" وأصحاب السترات الصفراء؟ وأين التاريخ الفرنسي الذي يُطأطئ رأسهُ خجلاً من مواقف ومُتناقضات إيمانويل ماكرون؟ الذي اعترف بنفسه بأنه ليس بصدد {التوبة والإنكار} إلى درجة وصف الإعلام والتلفزيون الجزائري ماكرون بأنه (جلاد التفرقة وعراب المحارق). وفي الداخل أعربت كاثرين مورين ديسيلي عن أسفها لعملية الإعادة "الفاشلة، التي تمّت على نحو خبيث" واستعادة 6 جماجم فقط من أصل 24 جمجمة لمقاتلي المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر، وقدّمت الجزائر ما يزيد عن مليون شهيد في معارك التحرير، لتُبنى جمهورية على أساس إعلان حقوق الإنسان والمواطن، بل وتساءل المؤرخ بنيامين ستورا بعبارات أكثر دقة: "كيف نميز بين المقاوم السياسي الواعي المناهض للاستعمار، الذي يقتل بالسلاح، وبين اللصوص المعارضين للاستعمار؟ الحدود بين الاثنين رفيعة للغاية".

لقد أكدها الغازي، بأنه لن يطلب "الصفح" من الجزائريين وبدلاً من تحمل المسؤوليات السياسية والأخلاقية للحقبة الاستعمارية، اتهم ماكرون النظام "السياسي – العسكري بالجزائر" أنه يُقدم لشعبه "تاريخ رسمي لا يستند إلى حقائق"، وقال بملء فيه: "إن أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول (نحن نعتذر) وكل منا يذهب في سبيله، وأن عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، بل عكس ذلك تماماً"، ولم يقدم ما يُجبر خواطر الجزائريين، في رسالة واضحة بأن قضية "الاعتراف والاعتذار" لا مكان لها في أجندة قصر الإليزيه.. والحق يُقال أن لا مكان لسياسة الإليزيه بوطن المليون شهيد، ولا  في مستعمراته القديمة التي يحلُم بها مُنذُ 2017 م، وأُهين فيها، بل وصرخ بها رئيس الكونغو محرجاً ماكرون على الهواء "تعاملوا معنا باحترام"، ويقصد الأفارقة. وجاءت الضربة الأخيرة للنفوذ الفرنسي من مالي بإجلاء آخر جندي من جنودها.

وأخيراً: عانت فرنسا في الآونة الأخيرة، وإن صح منذ 2017 مع قدوم ماكرون، انهيارًا فوضويًّا للعلاقات مع بعض مستعمراتها السابقة في غربي أفريقيا، (الكونغو والجابون وأنغولا والكونغو الديمقراطية) كمثال، ليُثقل الداخل الفرنسي كاهلهُ بالمظاهرات ضده وضد قوانينهُ التي أربكت المشهد السياسي له، فهل يفيق من غفلته قبل الأوان؟! في ظني لا.

 



ليفانت - د. إبراهيم جلال فضلون

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!