-
تساؤلات مشروعة في زمن التخوين
عندما طلب مني أحد الأصدقاء أن أعود لكتابة المقالات أمطرتني ذاكرتي بسلسلة لا تنتهي من الأحداث، واكتمل المشهد عندما بدأت أفكار لا نهائية من طرق رأسي المُفعم مسبقاً والتائه. تزامَنَ ذلك مع تواجدي في إحدى مجموعات النقاش الاعتيادية التي نحاول من خلالها أن نثبت أنّنا فاعلين باعتبارنا سوريين وأنّنا جزء من قرار، رغم أننا على يقين في الوقت نفسه من عدم الجدوى.
بداية أودّ أن أستعرض دون استرسال ظاهرة تسود بين جميع السوريين وهي التخوين، فأنت إن لم تكن مع أفكار البعض يعني أنّك ضدها، وبحالات أخرى أنّك مع الطرف الآخر. هذا المفهوم الذي عزّزته التجربة واللامبالاة جعل الكثيرين يعزفون عن التعبير بحريّة، وأحياناً عن مناقشة الأفكار المطروحة كما دفعتهم وباستمرار أن يأخذوا بعين الاعتبار رد فعل الآخر أو ما يمكن أن يظنّه. طبعاً هذا بالنّهاية يحيلنا إلى عصر ما قبل الثورة، بمعنى أّنّنا نعود إلى نقطة الصفر، وهذا أسوأ ما يمكن أن يسود في عصر الثورات، لأنّ هذا يعيد إلى أذهاننا توزيع صكوك الغفران في مرحلة تاريخية ظلاميّة، إنّه يمنعنا من التقدّم، إنّه يقتل الثورة داخلنا.
إنّ عدم القدرة لدى معظم السوريين على الحوار يرجع إلى انعدام الحياة السياسيّة في المجتمع السوري على مدى العقود السابقة، حتى إن البعض يصادر الحق في الاختلاف ورغم محاولة الكثيرين التنظير لهذه الأفكار، لكنّهم هم أنفسهم لم يستطيعوا ممارسة هذا الحق وبالتالي ليس لديهم القدرة على منحه للآخر.
إنّ إشكاليّة رفض الآخر المختلف لا يمكن أن تُحل بمجرّد اتخاذ قرار بحلّها، إنّها أسلوب حياة وثقافة مجتمع. ولكن ذلك لا يعني أنّه من المستحيل أن نتعلّمها أو نمارسها، إنّما يعني أنه يجب التعوّد على التفكير مراراً والتمهّل قبل مهاجمة الآخر الذي يختلف معنا، ربما بذلك نسطيع أن نجعل الحوار سائداً في المرحلة القادمة. هنا أتحدّث بشكل خاص وبالضرورة عن الأفراد الذين يملكون القدرة على الإنجاز وإحداث التغيير.
ما دفعني لأستحضر ما سبق هو ما حدث بعدما حاولت أن أواجه، نفسي أولاً، ومن كان في المجموعة، أنّ محاولات إثبات كفاعلين لا تعني بالضرورة أنّنا فاعلين، وبالتالي لا بدّ من سلوك طريق آخر باتجاه هدف آخر نكون نحن فيه الفاعل الأول.
إنني على يقين في هذه المرحلة أنّ إنجاز أيّ حل لا يمكن أن نحقّقه إلّأ من خلال خلق مشهد جديد في الواقع السوري، لأنّك عندما تكتب السيناريو فإنّك بالنتيجة تختار ممثّليه، وهذا يبدو لي حاليّاً الوضع الوحيد الذي يمكن أن نستطيع من خلاله فرض وجودنا وفاعليّتنا في رسم ملامح ما هو قادم، حتى لو كان على المستوى النّظري بداية، بهدف البدء بالعمل.
بالتأكيد لن يكون ذلك بمنأى عن معطيات الواقع لأنّ تحقيقه مرهون بواقعيّـته، لكن يمكن أن يُحدِث تحويلاً وتطوّراً بالمعطيات، إنّنا هنا ومن أجل إثبات القدرة على التغيير والبناء سنكون أمام إشكاليّة جاهزيّة الإنسان السوري للانتقال إلى مرحلة متقدّمة. لذلك لا بدّ وقبل البدء بتغيير هذا الواقع من المواجهة، أقصد هنا القادرين على إحداث التغيير، لنحدّد إلى أي مستوى لدينا القدرة على تقبّل الآخر والحوار معه. الآخر هنا هو المختلف معنا أو حتى الضد أو المعارض، أسمع هنا ما تتهامسه أفكار بعض من يقرأ مقالاتي بأنني أحاول الإيحاء بأنّ الآخر يمكن أن يكون النظام والمؤيّدين له، وهذا ما سأعمل على توضيحه في المقالات القادمة.
ليفانت - منال محمود
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!