-
اليمن والورم الإيراني.. التشخيص السليم بداية للخلاص منه
مُستغلة حراك اليمنيين الساعين للخلاص من حكم علي عبد الله صالح، تمكّنت أذرع إيران من الوصول إلى اليمن الواقع في أقصى الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية، ضمن منطقة جغرافيّة مطلّة على واحدة من أهم الممرات والمضائق البحرية على مستوى العالم، في إطار مساعي طهران لتشديد قبضتها على صادرات العالم ووارداتها المارة من مضيق باب المندب باتجاه البحر الأحمر، ومنه إلى قناة السويس المصرية.
فمنذ العام 2011، سعت طهران كما توضح لاحقاً، للنيل من تلك البلاد والتحكم بمصير شعبها، عبر الاعتماد على مليشيا الحوثي، من خلال تمويلها وتسليحها وجعلها كالخنجر في خاصرة الدول الخليجية والمملكة العربية السعودية على التحديد، لما تمثّله من ثقل وقوة في المنطقة، بالذات وقد دخلت المنطقة نفقاً مظلماً يهدّد معظم دوله، وما يزال النور في نهايته غير واضح المعالم، مع المزيد من تشابك الخيوط، وتدخل الأطراف الإقليمية الساعية للتمدّد وتوسيع مناطق النفوذ، في غفلة من الشعوب التي ما تزال تلطم ذاتها على حكومات شردت شعوبها كما في سوريا، وحروب أهلية تأكل الأخضر واليابس، كما في ليبيا والعراق وغيرهما.
تمويل وتشجيع الاعتداءات
كل تلك العوامل وغيرها، دفعت مجموعة من الدول الخليجية لتشكيل التحالف العربي لدعم الشرعيّة في اليمن، في الخامس والعشرين من مارس العام 2015، عبر إطلاق عملية عاصفة الحزم، التي ما تزال توجّه الضربات المتتالية لمليشيا الحوثي، بيد أنّ الأخيرة تتمكن من المقاومة من خلال الدعم القوي الذي تتلقاه من طهران، وهو ما يمكن الإشارة إليه من العمليات المتواصلة خلال أكتوبر الماضي.
فقد أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية، في السابع من أكتوبر، أنّ قواته اعترضت طائرة مفخخة في الأجواء اليمنية، أطلقتها جماعة “أنصار الله” الحوثية باتجاه المملكة، وصرّح المتحدّث الرسمي باسم التحالف، العقيد الركن تركي المالكي، بأنّ قوات من “اعتراض وتدمير طائرة بدون طيار (مفخخة) بالأجواء اليمنية أطلقتها المليشيا الحوثية الإرهابية بطريقة ممنهجة ومتعمدة لاستهداف الأعيان المدنية والمدنيين باتجاه المملكة”، وهي باتت عملية شبه روتينية لمليشيا الحوثي، فيما يؤكد تواصلها على الدعم والإسناد الإيراني، على الرغم من وقع العقوبات الأمريكية عليها، والتي يعد وقفها تمويل وتسليح المليشيات في مجموعة بلاد عربية أحد الأسباب الرئيسة لفرضها ومواصلتها.
ولإدراك الرياض ذلك، فقد أكدت في منتصف أكتوبر، على ضرورة تفعيل برنامج الأمم المتحدة لمنع الإتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والخفيفة ومكافحته والقضاء عليه، وخاصة في مكافحة ظاهرة تزويد المسلحين، حيث طالب المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة “عبد الله بن يحيى المعلمي”، خلال كلمة ألقاها أمام اللجنة الأولى لأعمال الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، المجتمع الدولي للوقوف بشدة ضد ما تقوم به طهران من تزويد للمليشيات بالأسلحة والدعم اللوجيستي في اليمن ولبنان وغيرهما من بلاد الشرق الأوسط، في خرق صارخ لكل القرارات الدولية بهذا الخصوص، ومنها قرار مجلس الأمن رقم 2231.
كما شدّد المعملي على ضرورة الجهود التي تحقق أهداف إزالة الأسلحة النووية، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنّ استتباب الأمن والاستقرار في أي منطقة، لا يأتي عن طريق امتلاك أسلحة ذات دمار شامل، وإنما يمكن تحقيقه عن طريق التعاون والتشاور بين الدول، والسعي صوب تحقيق التنمية والتقدم، وتجنّب السباق في امتلاك ذلك السلاح المدمر للبشرية، واستطرد بالقول: “من المؤسف أن تظل منطقة الشرق الأوسط مستعصية أمام الجهود الدولية والإقليمية لجعلها منطقة خالية من الأسلحة النووية في ظل توفر إجماع دولي ورغبة إقليمية ملحّة في جعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية”.
إصرار إيراني على الصمم
ولكن تلك الدعوات وغيرها، الدولية منها والعربية، لم تقابل إلا بحالة صمم إيرانية، في إطار الإصرار على العبث بأمن المنطقة واستمرار حالة الاحتراب بين دوله، وهو ما يمكن استنتاجه من تعيين طهران بعثة دبلوماسية جديدة لها في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لمليشيا الحوثي، وهو ما أدانته الحكومة اليمنية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، في الثامن عشر من أكتوبر، إذ اعتبرت أنّ ذلك يعدّ مخالفة صريحة للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، بما فيها القرار الدولي رقم 2216، وقالت وزارة الخارجية في بيان: “إنّ استمرار النظام الإيراني بانتهاج سلوك العصابات والمنظمات الإرهابية بتهريب الأسلحة والأفراد إلى مليشيا الحوثي الانقلابية، يؤكد على عدوانية هذا النظام ونواياه الخبيثة تجاه اليمنيين”، داعيةً “المجتمع الدولي ومجلس الأمن لإدانة هذه الممارسات والانتهاكات الإيرانية غير القانونية وتدخلها السافر والمستمر في الشؤون الداخلية للجمهورية اليمنية”.
بينما شنّ وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، في الثالث والعشرين من أكتوبر، هجوماً لاذعاً على السياسات الإيرانية تجاه الأزمة في اليمن، متهماً إياها بمحاولة “نشر الفوضى والإرهاب” في اليمن والمنطقة، وصرّح الإرياني أنّ “الأحداث التي شهدها اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة، أكدت أنّ الحكومة والجيش والشعب اليمني، بدعم وإسناد من تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة، يخوضون معركة تاريخية فاصلة في الدفاع عن الأرض والهوية”، وأكد الوزير اليمني على أنّ “الهدف من المعارك القائمة (في اليمن) هو التصدّي للمخطط التوسعي الإيراني بخلفياته التاريخية والعنصرية منذ الأزل، ودحض سياسات نشر الفوضى والإرهاب في المنطقة”، داعياً شعوب المنطقة العربية إلى “عدم الاكتفاء بموقف المتفرّج مما يحدث في اليمن من عدوان إيراني واضح وصريح”، حاضّاً الدول العربية، على “إدراك طبيعة التحديات وحجم المخاطر المحدقة بأمتنا العربية وحضارتنا وتاريخنا، والوقوف في وجه الخطر الذي يتهددنا جميعاً، ويهدّد الأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
التحالف الإقليمي في وجه إيران
ذك الصمم الإيراني المشير إلى مواصلة غمار المجازفة بحاضر المنطقة ومستقبلها، خلط الأوراق، وشجع الدول الخليجية على إعادة ترتيبها، وهو ما يمكن الإشارة إليه من اتفاقيات التطبيع المتتالية مع إسرائيل، التي لفت وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، في التاسع عشر من أكتوبر، إليها بالتأكيد على “أنّ اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل يساهم في مواجهة أنشطة إيران بالمنطقة”، فيما كشف إيلي كوهين، وزير الاستخبارات الإسرائيلي، في السابع والعشرين من أكتوبر، أنّ ما تعيشه المنطقة في الوقت الراهن، ناتج عن قوة إسرائيلية وإصرار أمريكي، أدّى إلى تشكل جبهة تضم مصر والسودان والبحرين والإمارات بمواجهة إيران والرئيس التركي، منوّهاً إلى أنّ إسرائيل تستمر في اتصالاتها مع عدد من الدول، بهدف تطبيع العلاقات معها، بيد أنّ ذلك سيجري عقب ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية.
مبيناً أنّ إسرائيل تسعى إلى تأسيس علاقات مع السعودية وعُمان وقطر والنيجر والمغرب في الفترة المقبلة، وذكر أنّ “ما تشهده المنطقة حالياً يأتي في إطار تحولات تاريخية كبيرة، ومن منطلق قوة اقتصادية وعسكرية إسرائيلية، فضلاً عن إصرار أمريكي للمضي في هذه المسيرة، التي تسفر عن تشكل جبهة قوية تضم كلا من مصر والسودان والبحرين والإمارات، في مقابل محور الشر الذي تقوده إيران وأردوغان”، وعليه، يبدو أنّ دول الشرق الأوسط وشعوبه المناوئة لمطامع طهران وأنقرة التوسعية، قد التقت أخيراً على مواجهتهما بكل ما أوتيت، والأكيد أنّها ستكون قادرة على معالجة واستئصال تلك الأورام الخبيثة التي زرعت في أجساد مجموعة دول، بما أنّها تمكّنت من تشخيصها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!