-
(الإسلام السياسي) يحتمي بالمسلمين.. ومُواجهتهم لفرنسا تكشف (عورتهم) بسوريا
لعلّ غالبية المتابعين قد استمعوا إلى حديث الرئيس الفرنسي الأخير عبر إحدى القنوات القطرية، والتي أكد فيها أنّ الجانب الفرنسي “لا يعادي الدين الإسلامي”، لكنه لفت إلى أنّه لن يسمح للإسلام السياسي بأخذ جزء من المسلمين الفرنسيين كرهائن حتى يضحوا منفصلين عن المجتمع الفرنسي انفصالاً أخلاقياً واجتماعياً، فيكونون في فرنسا “جسداً”، لكنهم راغبون بتطبيق شرائع متعارضة مع القانون الفرنسي “روحاً”، مشدّداً أنّه لا يتبنى الرسوم المسيئة لرسول الإسلام، لكنه يتبنى حق الفرنسيين في التعبير عن آرائهم، والتي تطاله شخصياً كما تطال باقي الأديان.
فرنسا تُقرّر المُواجهة
ومنه، بدأت فرنسا منذ بعض الوقت بعمليات استئصال “الانفصالية الإسلامية” عن باقي مكونات المجتمع الفرنسي، ففي منتصف أكتوبر الماضي، طالب وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد درمنان، بطرد 231 أجنبياً متطرّفاً من البلاد، بجانب إغلاق 12 داراً للعبادة تشجع على التطرّف‘ في سبتمبر، بينها مسجد غير معلن، ومدرسة خاصة، ومركز ثقافي وخمسة محلات، معلناً كذلك إغلاق 73 مكاناً يشتبه في انتهاجها التطرّف في فرنسا، منذ مطلع العام.
ثم جاءت حادثة مقتل صموئيل باتي، في السادس عشر من أكتوبر، إذ قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مساءها، إنّ المعلم الذي قطع رأسه كان ضحية “إرهابي إسلامي بامتياز”، وأضاف الرئيس الفرنسي أنّ الإرهابي أراد مهاجمة الجمهورية، وضرب حرية التعبير، وتابع قائلاً: “تعرّض أحد مواطنينا للقتل اليوم لأنّّه تعلم حرية التعبير، والحرية في الإيمان وعدم الإيمان”، مشدداً على “أنّ الإرهاب لن يقسم فرنسا، وأن التكفير لن يفوز”، داعياً الأمة للوحدة، وهو يعني بذلك الأمة الفرنسية التي تتضمن المسلمين أنفسهم.
إدراك إسلامي لخطورة الإسلام السياسي
لم تؤثر حادثة باتي وحديث ماكرون إلا على قلة قليلة من المسلمين، ممن يخلطون بين هدف فرنسا في مواجهة الإسلام السياسي، ولا يستطيعون التمييز بينه وبين الإسلام الشعبي، الذي لا يتدخل في السياسة ولا يسعى لأن يضحى أصحاب العمائم متحكمين بقرار الدول، كما في إيران ودول أخرى تتحكم فيها تنظيمات الإسلامي السياسي كتركيا، التي لا يمكن إنكار دورها التحريضي على فرنسا، من خلال تحريف أحاديث ماكرون وتصويرها على أنّها عداء للإسلام والمسلمين.
إذ سعت تنظيمات الإسلام السياسي للاحتماء بالمسلمين خلال المواجهة مع فرنسا، عبر خلط الأوراق وتحويل حملات مقاطعة البضائع التركية التي تنتهج سياسات عدائية لشعوب المنطقة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، برفع شعارات دوافعها مزيفة، كشعار “إلا رسول الله”، الذي جاء لدغدغة مشاعر المسلمين ودفعهم للظهور وكأنّهم مناصرون لتنظيمات الإسلام السياسي.
لكن الدول الإسلامية تدرك أكثر من غيرها خطورة تنظيمات الإسلام السياسي الساعي لهيمنة العثمانية من جديد، وعليه كانت المملكة العربية السعودية، سباقة في إدانة مقتل مدرس التاريخ في ضواحي باريس، حيث أعربت الخارجية السعودية، بتاريخ السابع عشر من أكتوبر، عن “إدانة المملكة واستنكارها الشديدين لعملية الطعن الإرهابية التي وقعت بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، وأودت بحياة مواطن فرنسي”، معبرةً عن تضامن المملكة مع فرنسا “جرّاء هذه الجريمة النكراء، مقدمة العزاء والمواساة لذوي الضحية وللحكومة والشعب الفرنسي الصديق”، مع التأكيد على “موقف المملكة الرافض للعنف والتطرّف والإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه”، كما جددت دعوتها لاحترام الرموز الدينية والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان.
كما استنكرت الحكومة المصرية جريمة قتل المدرس، وأعربت الخارجية في بيان عن “بالغ إدانتها للحادث الإرهابي”، وتقدمت بخالص التعازي إلى أسرة الضحية والحكومة والشعب الفرنسيين، مؤكدةً على “وقوف مصر مع فرنسا في ذلك الظرف الأليم والتضامن من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرّف بكافة أشكالها وصورها”.
المُحرّض على الإرهاب
ويدرك الفرنسيون أنّ تنظيمات الإسلام السياسي والدول التي تدعمه، وعلى رأسها تركيا، قد كانت المحرّض الأساس لحملات التشويه والتضليل، وبالتالي شجعت على الهجمات التي نفذها شبان غُرّر بهم نتيجة خطاب الكراهية المُنبعث من أنقرة، وهو ما أشار إليه رئيس الأركان الفرنسي السابق، الجنرال بيار دوفيليه، في الرابع والعشرين من أكتوبر، عندما قال إنّ تركيا لم تعد دولة علمانية، وإنّه لا بد من التصدّي لسياسات زعيمها رجب طيب أردوغان “الطامح لاستعادة عظمة الدولة العثمانية”، مضيفاً: “تركيا أردوغان الآن، حسب تصريحاته هو نفسه، تتمسك بإستراتيجية إعادة الدولة العثمانية، وتجسد تركيا هذا البيان بتحركات، مثل إبادة الأكراد في سوريا أو ما تقوم به في إقليم قره باغ”.
وتابع دوفيليه: “في يوم من الأيام، يجب على المجتمع الدولي، وفرنسا على وجه الخصوص، وضع حدّ لهذا، لا يمكننا أن نوافق على أن تواصل دولة كتركيا التي لم تكتمل بعد مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي رسمياً، التمسك بمثل هذا الخطاب والإجراءات وهي عضو في الناتو”، مُشيراً إلى أنّ “تركيا من بين الذين دعموا (الإسلاميين)”، قائلاً: “لقد موّلت بعض هذه الحركات، وهذا أمر معروف، أعتقد أنّ تركيا لم تعد دولة علمانية، فمن الواضح أنّها دولة إسلامية، بل وليست بعيدة عن الإسلاميين، وهذا من دواعي قلقي الخاص”.
كشف المستور في سوريا
حديثٌ هامٌ للغاية، فهو قد جاء عقب ثلاثة أيام من معلومات أفاد بها مصدر مطلع على قضية مقتل معلم في فرنسا بقطع رأسه، حيث قالت صحيفة “لو باريزيان”، في الثاني والعشرين من أكتوبر، إنّ الشخص الذي يشتبه بأنّ القاتل أنزوروف كان على اتصال به موجود في إدلب، وذلك بناء على عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص به، ومن المعروف أنّ إدلب هي منطقة نفوذ تركية في شمال غرب سوريا، على الرغم مما تدّعيه من تحكم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في المنطقة، لكن الجيش التركي يتعايش بسلام مع ذلك التنظيم، وهو أمر لن يكون بمقدور أي جيش آخر في العالم القيام به، ما يشير لمتانة العلاقات التي تربط الطرفين رغم ادعاءات العداء الظاهرية.
وما يشير أكثر إلى علاقة تركيا بأحداث فرنسا، المظاهرات التي خرجت في مناطق تستولي عليها أنقرة عسكرياً بجانب مليشيات ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، وهو ما حصل في الخامس والعشرين من أكتوبر، عندما رفع متظاهرون في مدينة “رأس العين” شرقي الفرات، علمي تنظيمي “داعش” و”النصرة” أثناء مسيرة منددة بفرنسا وماكرون، وتكرر الفعل نفسه في “عفرين”، في أقصى الشمال الغربي من سوريا، وكلتا المنطقتين هُجّر منها سكانها الأصليون الكُرد، لصالح مليشيات أنقرة ومناصريها.
ويوماً بعد يوم، يتبين للعالم خطورة التنظيمات المستترة بالدين، والتي باتت معروفة بـ”الإسلام السياسي” ويتبوّأ تنظيم الإخوان المسلمين صدارته، إذ يسعى إلى الحكم باسم الله، وينطلق من مفاهيمه الشعبوية عن أحقيته بذلك، بناءً على تفاضلات مقيتة لا علاقة لهم بالعلم والمعرفة ومقدار التقدّم الثقافي، فتبرر لنفسها القتل والتنكيل للآخر المختلف، دينياً أو طائفياً أو عرقياً، من خلال وصمه الفوري بالكفر والشرك أو غيرها من التلفيقات.
تلفيقات هدفها الأول تسويغ عمليات سفك الدماء للقضاء على منافسيها، والتفرّد بالحكم، انطلاقاً من قواعد يقوم المُنظرون لتلك التنظيمات برسمها لاتباعهم ومريديهم، من قبيل أنّ الأرض تركة الله لهم، وأنّهم وحدهم من يجب أن يتنعموا بخيراتها، مُنصبين بذلك أنفسهم وكلاء لـ”الله” على الأرض، وهي وكالة لم يعد للأرض من قدرة على تحملها، وقد أثبتت للقاصي والداني زيفها وبطلانها، والدليل ما جرى ويجري في سوريا وليبيا والعراق وأذربيجان وغيرها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!