الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
المسألة الكردية وتعقيداتها السياسية
حسين احمد

يبلغ عدد الكرد في عموم الجغرافيا الكردستانية في تركيا و إيران والعراق و سوريا حوالي خمسين مليوناً ليس لهم وطن ولا كيان سياسي مستقل، في المقابل هناك بعض الدول تعداد سكانها أقل من مليون نسمة ولها سلطة وكيان سياسي وجغرافي مستقل، لذلك يشعر الشعب الكردي عبر تاريخه الطويل بالغبن والظلم من الدول الكبيرة التي سعت لأن يبقى الشعب الكردي دون كيان سياسي وجغرافي، فلجأ هذا الشعب عبر العديد من الثورات والانتفاضات للمطالبة بحريته واستقلاله وتأسيس كيان سياسي له ليعيش بأمان كما يعيش الشعوب المجاورة له.


ولكن قبل أن نخوض الجدال والنقاش في المسألة الكردية التي تعتبر من أعقد القضايا العالمية ولعل أكثرها تشابكاً، لا بد لنا أن نعود بالتاريخ إلى بدايات المشكلة ودراسة حيثياتها وأسباب تكوينها وسراديب تعقيداتها وكتحليل منطقي يمكننا تحديد بداية المشكلة الكردية وبصورة واضحة في العصر الحديث، هي عندما اصطدمت الدولتان الصفوية والعثمانية عام 1514م في معركة (جالديران ) التي كانت غير حاسمة، وكانت من أهم نتائجها تقسيم كردستان التي كانت قبل تاريخ 1514عبارة عن إمارات مستقلة تدير شؤونها الداخلية بشكل منتظم، ومن ناحية أخرى لا بد من سرد مقتضب حول هذه القضية وتعريف المتابع للشأن الكردي بمعاناته التاريخية، فعندما انتهت الحربان العالميتان حيث أُحرقت معها الأخضر واليابس بنيرانها فدمرت عالماً وبنت عالماً آخر جديد بانتهاء أربعينيات القرن الماضي، واندثرت إمبراطوريات على أثرها وخلقت جمهوريات من العدم، وظهرت دولاً كافحت شعوبها حتى تحررت بينما سحقت تلك المرحلة شعوباً أخرى تحت أقدام المنتصرين في الحرب العالمية الأولى والثانية، فضاعت كل آمال شعوبها بين خفايا السياسات لدول كبيرة ومصالح الدول المختلفة.


ولتسليط الضوء أكثر على إحدى القوميات أو أحد الشعوب التي كانت قرباناً للمساومات الدولية هو الشعب الكردي وقضيته العادلة، حيث أن التداخل والغبن وجهل الآخرين بهذه القضية، أي القضية الكردية، المصنفة بالمسألة التي تعتبر من أهم المسائل السياسية والإنسانية تعقيداً وتشابكاً في العالم، وأيضاً تعتبر قضية الشعب الكردي من أبرز القضايا التي تستدعي إيجاد الحلول السريعة بما يتناسب تاريخ وجوده القومي وعلى أرضه التاريخية وما وصل إليه الشعب الكردي من معاناة بسبب التداخلات التاريخية والسوسيولوجية و تقسيم بلاد الكرد عبر اتفاقيات متعددة، آخرها اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي قسّمت كردستان إلى أجزاء، لكل جزء منه مصالحه و سياساته المرتبطة بسياسات عالمية مختلفة، حيث تم تقسيم كردستان بين عدة دول، أهمها أربع من دول المنطقة وهي ( إيران وتركيا والعراق وسوريا )، إضافة إلى أجزاء ألحقت بروسيا أثناء حروبها مع الدولة العثمانية، وهكذا صار الشعب الكردي من أكبر الشعوب التي بقيت حتى الآن محرومة من كافة حقوقها القومية، ويتم أحياناً إنكار وجودها وطمس ثقافتها.


أسئلة كثيرة تطرح نفسها اليوم بالدخول إلى دهاليز السياسة وخفايا المصالح الدولية وهي: 1- لماذا كل هذا التحامل والإصرار عبر التاريخ على تقسيم كردستان؟ (ما الغاية وما المبررات)؟ 2- لماذا لم يستطع الكرد خلال المائة عام الماضية جذب انتباه الدول الكبرى والعمل على ذلك وربط مصالحها مع مصالح الغرب الاستراتيجية؟ 3-هل دولة كردستان قادمة وانتهى كابوس سايكس بيكو؟ أم أن سايكس بيكو يتم صياغته بصيغة جديدة؟


إن السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط مبنية على ركائز أساسية وهي التعامل مع الدول التي تعتبرها حليفة بكامل قوتها وتعرض عليها المساعدة في كافة المجالات (الاقتصادية والعسكرية والاستخبارتية واللوجستية)، ولكنها تخلق لحلفائها عدو يهددها لكي تبقى هذه الدول تحت هيمنتها وإطاعة أوامرها، وأي لعب لهذا الصديق بذيله فيعطي الضوء الأخضر للعدو الشعب الكردي- المفترض- بإطلاق تهديدات ضد حلفاء أمريكا، فيضطر الحليف الاستغاثة بها لحمايتها على سبيل المثال أمريكا سلطت إيران على الخليج وأعطت لتركيا بعض الصلاحيات في المنطقة، بالمختصر أمريكا تريد لأصدقائها المفترضين أن لا تملك استقلالية القرار وأن تكون تحركاتها ضمن الدائرة التي رسمتها لهم.


إن القضية الكردية في عموم كردستان، بأهمية لتوزعها على أربع دول في المنطقة وللأهمية الجيوسياسية الإستراتيجية والاقتصادية خصوصاً بوجود النفط والغاز ومادة السيليكون - المكتشف حديثاً في المنطقة - إضافة إلى كونها تحفل بصراعات قومية ودينية وبمشاكل إثنية وعرقية غير قليلة، تؤثر على دول المنطقة وعلى المصالح الإقليمية والدولية.


إن الدول التي اغتصبت كردستان هم أدوات للدول الغربية في الشرق الأوسط ويتم استخدامهما بطريقة ممنهجة لتمرير أجنداتهم وتحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية في المنطق، على حساب الشعب الكردي كون الدول الغربية التي تقف مع الدول التي تقمع الشعب الكردي بأسلوب ممنهج، والأهم بالنسبة لمصالح الغرب هي استمرار مصانع الأسلحة بالإنتاج وتوفير سوق لبيع منتجاتها واستنزاف اقتصاديات الدول المذكورة وجعل شعوبها تحت الفقر والجهل والتشرد، وخلال النظر لكل هذه التحولات السياسية التي جرت للشعب الكردي في كافة أجزاء كردستان، ولأول مرة يتم تدويل القضية الكردية في كردستان العراق بشكل رسمي وقانوني ومطالبة دولية بحلول عاجلة وسريعة، وذلك بالارتباط بحرب الخليج الثانية ومشاهد الهجرة المليونية المرعبة للشعب الكردي بعد قمع "الانتفاضة"، وقد كان صدور القرار 688 في 5 أبريل/نيسان 1991 من مجلس الأمن الدولي عودة جديدة بالقضية الكردية إلى الأروقة الدولية، وتحديداً في إطار الأمم المتحدة منذ معاهدة سيفر 1920، لذلك خرجت القضية الكردية في الجزء الملحق بالعراق أو في المنطقة كلها من الدائرة المحلية إلى الدائرة الدولية لتصبح من أكثر القضايا الدولية المعقدة التي تتطلب المعالجة السياسية من قبل الأمم المتحدة، وقد كان لهذا الحدث تأثيراتها على أجزاء أخرى من كردستان والسؤال الذي يطرح نفسه في المشهد السياسي الدولي، هل حان الوقت كي يتم رسم خريطة جديدة في الشرق الأوسط وينال فيها الكورد حقهم في امتلاك دولتهم المستقلة؟


كاتب سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!