الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الكرد بين عهدين مختلفين
عبد الباري أحمه


عندما يواجه الكرد حقيقتهم السياسيّة القادمة في عهد بايدن فهي ليست أقل صعوبة من ولاية ترامب، وما يمكن إنقاذه من مكتسبات يكمن في قراءتهم السياسية لمجمل سياسات دول الجوار والمجتمع الدولي، من هنا يمكن أن يدركوا ما سيعمل عليه بايدن في إستراتيجيته حيالهم، وخاصة في العراق وسورية، ويستلزم ذلك بادئ ذي بدء ترميم البيت الداخلي والعمل على التآلف الفكري والسياسي في مواجهة كل الاحتمالات العسكرية والسياسية.



“سنتناول الكرد في سوريا خلال العهدين وباقتضاب”.


رغم الانتصارات الساحقة على تنظيم داعش من قبل قوات سوريا الديمقراطية ضمن التحالف، إلا أنّ الكرد في سوريا عاشوا أسوء أربع سنوات من عمر الأزمة السورية، فقد خسروا مساحات واسعة من مناطق ومدن كانت تحت سيطرتهم، فكانت البداية بدخول تركيا والموالين لها من مقاتلي ما يسمى “بالجيش الوطني” مدينة عفرين 2018، وتبعتها باحتلال رأس العين وتل أبيض 2019، بهذا الصدد أكّد بايدن في تشرين الأول من عام 2019 أنّ الأكراد جزء لا يتجزأ من مساعدتنا على هزيمة داعش، وفقد الكثيرون حياتهم، إنّ تخلّي الرئيس ترامب عنهم أمر مخز.


بذات السياق، أكد “جويل ريبورن” بديل جيفري لسوريا (أنّ قوات سوريا الديمقراطية حاربت مع التحالف ضد داعش)، وما يمكن استخلاصه بأنّ ريبورن سوف يعمل على تقوية العلاقات مع هذا الحليف، وقد يطرأ تغييرات على سياسة أمريكا حيال الملف السوري، بشكل عام، ومنطقة شرق الفرات، بشكل خاص، وليس مستبعداً أن تحافظ أمريكا على سياساتها في المنطقة والتي تتلخص بخمس نقاط، هي: دعم قوات سوريا الديمقراطية الحليف الميداني للتحالف ضد الإرهاب، مواصلة ضغطها على النظام السوري، اقتصادياً وسياسياً، ومنع الدول العربية والغربية من تطبيع علاقاتها مع النظام، إلى جانب دعم إسرائيل بضرب المواقع الإيرانية في سورية، ودعم السياسة التركية في شمال غربي البلاد.


هذه الملامح في تغيير بايدن للسياسة الأمريكية حيال الكرد جاءت نتيجة طبيعية لتصحيح مسار سياسات ترامب الخاطئة حيال حليفتهم، ففي حديث متلفز أوضح بايدن بأنّه سوف يتبع نهجاً مغايراً ومخالفاً لسياسات ترامب التي انتهجها حيال تركيا، لقد أكد على دعم المعارضة التركية وتشجيعهم على تولّي زمام الأمور عن طريق الانتخابات وهزيمة أردوغان وليس بالانقلاب، لم يأتِ هذا الحديث المتلفز لبايدن بشكل مفاجئ، بل جاء نتيجة مواقفة المسبقة والعدائيّة تجاه أنقرة، وقد أكّد على موقفه الحاد من أردوغان بعد تصريحاته الأخيرة التي تدعو لإثارة النعرات الطائفية والتوتر في منطقة الشرق الأوسط وتأجيج الصراعات في منطقة القوقاز (الكلام لأردوغان)، وقد توعد أردوغان بأنّه سوف يدفع ثمن شرائه منظومة “إس 400” من روسيا، وسوف يعمل على استبعاد تركيا عن تدخلاتها في اليونان وحرب أرمينيا وأذربيجان، لكن ما يهم الكرد أكثر أنّه -أي بايدن- عارض انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا.


أمام هذا المشهد نجد الرؤية المحددة لدى الكرد بتحقيق الوحدة أو التقارب بين الرؤى أو التوافق المبدأي لتشكيل مجلس أعلى يمثّل الكرد في المحافل الدولية، قد تكون سبباً لفشل أغلب المشاريع الخاصة لضمان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، في شمال وشرق سوريا، ومن أجل تذليل كافة الصعوبات بين الطرفين الكرديين المتحاوريين، لا بد من حوار جدّي بعيد عن الصفة الحزبية والعقائدية، بل وضع هذه العقائد الأيديولوجية والنظريات في خدمة إحياء الروح في جسد المجتمع الكردي، وبناء منظومة قناعات مشتركة، والعمل وفق مبدأ النقد في تطوير وتفعيل هذه الروح وخلق عقلية حرة.


وبغضّ النظر عن إمكانيّة التوصّل إلى اتفاق بين الطرفين، يمكن رسم الملامح التاريخية والثقافية لدى الكرد، باعتبار هذه الملامح تمثّل الوجدان الحقيقي المتمثّل في أصالة الثقافة الكردية وكينونتها، إنّ تحقيق هذه المحاور والمنطلقات بين الكرد قد تكون أسباباً جوهرية بخروجهم من محيطهم المحلي، وتبقى إشكالية تجاوز الوحدة المجزأة في الداخل والخروج إلى فضاءات السياسات الإقليمية والدولية، وبقواعد مرنة وجاهزة، وبادئ ذي بدء يبقى الحوار مع أمريكا بشخص الرئيس المنتخب (بايدن) من أولويات القيادة الكردية المشتركة، والذي أبدى -أي بايدن- شيئاً من المرونة بتعاطفه مع الكرد وقيادتهم.


وفي عام 2019، وتأكيداً لهذا التعاطف، عرض بايدن مزيداً من الدعم للأكراد، وخاصة عندما سمح ترامب لتركيا بالهجوم مرة أخرى على قوات سوريا الديمقراطية واحتلالها لمدينة رأس العين، حينها قال: (إنّ ترامب باع قوات سوريا الديمقراطية، الذين قاتلوا معنا لسحق خلافة داعش)، من هنا نجد بأنّ بايدن يؤكد على فشل ترامب في سوريا، وأعلن عن خطة بديلة يعمل من خلالها على تجديد الالتزام بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض، والضغط على جميع الفرقاء في سوريا بمتابعة وتحقيق الحلول السلمية.


والسؤال الأهم، هل سيختار بايدن الأكراد كحليف حقيقي وإستراتيجي في سوريا ويصطدم مع أنظمة أربعة دول (إيران ـ تركيا ـ العراق ـ سوريا)؟ ربما نجد الجواب من بايدن حين رفض بنعت قوات سوريا الديمقراطية بصفة الإرهاب بسبب صلتهم بحزب العمال الكردستاني، وهذا ما أثار استياء تركيا، قد يكون هذا الخطاب تأكيداً وتأييداً للأكراد بل ومعادياً لتركيا في شخص أردوغان.


وبالنتيجة، هل سيحافظ بايدن على مواقفه الثابتة ويدخل اختباراً حقيقياً مع أنقرة وبغداد وطهران ودمشق وحلفائهم ويكسر المقولة (اللعنة) بأن ليست الجبال وحدها أصدقاءهم الوحيدين؟ أم كان خطابه حاجة تسويقية وإعلامية في حملته الانتخابية؟



ليفانت – عبد الباري أحمه








 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!