-
الانتخابات الأمريكية في عيون سورية
عدة أشهر تفصلنا عن الانتخابات الأمريكية، ومما لاشك فيه أنّ هذه الانتخابات تتمتع بأهمية كبيرة على المستوى الدولي، نظراً للمكانة العالمية والدور الكبير للولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمي، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبالرغم من الكثير من الدراسات والقراءات والتحليلات التي روّجتها أطراف دولية حول نهاية القطب الواحد، فإنّ هذه الدراسات تدحضها الوقائع والأحداث منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي.
ومن المؤكد أنّ الولايات المتّحدة تتمتع بقوة كبيرة تجعلها بعيدة بكافة مقاييس القوة، من اقتصاد وسياسة وقوة عسكرية ومناطق سيطرة إستراتيجية عن باقي القوى العالمية، التي تأتي في الصف الثاني في مقياس القوة، متموضعة بمدار يدور في فلك المركز أو القوة العالمية التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية.
وكل الحديث عن فقدان الانتخابات الأمريكية لبريقها وأهميتها، مردّه رغبه القوى المتموضعة في المدار القريب من المركز من دول قوى، في لفت انتباه الولايات المتحده لقضايا تهم هذه القوى، ومنها المسألة السورية، تنظر إليها سياسة الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة من منظور الاقتصاد الأمريكي والسياسة الأمريكية، وما يمكن أن تحققه من مكاسب، أو إهمال تلك القضايا إذا كانت لا تفيد هذا الاقتصاد.
وتكتسب هذه الانتخابات بعداً وأهمية إضافية كون الرئيس الأمريكي بموجب الدستور الأمريكي يتمتّع بصلاحيات واسعة تجعل من هذا المنصب محركاً للسياسات العالمية، وإيجاد حلول للأزمات أو إدارتها إن كانت الحلول لا تعنيها ولا تحقق مكاسب لها، كما يحدث مع القضية السورية، التي لا تشغل إلا حيزاً ضيقاً في السياسة الأمريكية وهموم وطموح الناخب الأمريكي، وبالنسبة للمسألة السورية ومدى الحيّز الذي تشغله في اهتمامات الناخب الأمريكي أو البرنامج الانتخابي للمرشحين للانتخابات الرئاسية، فإنّ هذا الموضوع يناقشه المتنافسين على الرئاسة من باب محاربة داعش في سوريا، ومن خلال برنامج مكافحة الإرهاب، فالحديث الذي يتلقّاه الناخب الأمريكي من البرنامج الانتخابي هو الحديث عن الإرهاب في سوريا وعن مكافحة داعش وعن مسألة التغلغل الإيراني في سوريا والتنظيمات المتحالفه معها.
ويأتي الحديث عن إجرام النظام وسلوكه العنيف الدموي ضد الشعب السوري في المرحله الثانية، وهو حديث موظفين أمريكيبن يأدّون وظيفتهم ليس إلا، فالسياسة الأمريكية بوجهيها، الجمهوري والديمقراطي، لاتختلف كثيراً برؤيتها عن المسألة السوررية، فهي غير معنية بتغير سلوك النظام السوري، إنّما تقوم على إدارة الأزمة في سوريا بدلاً من حلّها بشكل مباشر، وهذا ماتقوم به كل الدول وتقوم على توكيل وكلاء دوليين وإقليميين بهذه المسألة، وتراقب عن كثب مايجري حسب الدور الذي أفرزته ووكلت به الأطراف، على أن لا يتجاوز الوكلاء الخطوط الحمر التي ترسمها السياسة الأمريكية ورؤيتها للحل في سوريا.
ومن الملاحظ مؤخراً أنّ الساسة الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية انصبّ حديثهم في الأورقة عن الطابع الجنائي للأزمة السورية، وعن الجرائم المرتكبة، مع تلازم هذه الإشارات وارتباطها بمفهوم الحل السياسي والقرار ٢٢٥٤.
وبالتأكيد مع كل ماذكر سابقاً، لابد أن يكون هناك اختلاف صغير في التفاصيل الدقيقة جداً بين قطبي العملية الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للمسألة السورية، وأعتقد أنّ هناك مصلحة للسوريين في استمرار الإدارة الحالية، كونها تميل لتوجيه السياسة العامة الأمريكية باتجاه مكافحة وإقصاء الدور الإيراني الهدّام في المنطقة، بشكل عام، وفي سوريا، بشكل خاص، لاسيما أنّ أقطاباً مهمة في تلك السياسة بدأت تقتنع أنّ الأسد هو مجرد بضاعة إيرانيّة فاسدة، وأنّ إعطاء الوكيل الروسي الإقليمي الضوء الأخضر لتطبيق هذا التوجّه، بحيث يتّجه لفصل الأسد عن حليفه الإيراني، أو إسدال الستار عن الدور الروسي بدعم الأسد والتوجه لدور أكثر اعتدالاً واقتراباً من الأطراف السورية.
إنّ الساسة الأمريكيين متأكدون ومقتنعون أنّ بؤرة مطالب السوريين الحقيقية هي رحيل الأسد، ولكن بالنسبة للعملية الانتخابية ماذا يعني هذا الأمر للناخب الأمريكي؟ بالتأكيد لا تعنيه بقدر ما تعنيه قضايا أخرى، كالبطالة والاقتصاد والضمان الصحي وعودة القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق أو بقائها، أي وبشكل مختصر أكثر، إنّ السياسة والعملية الانتخابية في الولايات المتحدة الامريكية توجه رسائلها الانتخابية إلى ثلاثة اتجاهات أساسية، وهي الناخب الأمريكي وما يخصّ قضاياه ومطالبه والتنافس على كيفية تحقيق هذه المطالب، وإلى الاقتصاد الأمريكي ورأس المال الحر وقطاع رجال الأعمال والشركات ومخاطبة اهتماماتها وتجارتها وكيفية المحافظة على دوران عجلة الاقتصاد الأمريكي، وإلى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية من أجل المحافظة على مصالحهم، فأين موقع السوريين والمسألة السورية من هذه الاتجاهات؟
بالتأكيد الحيّز ضئيل جداً ولايتناول الأمن خلال مصالح الحلفاء، وهنا إشارة إلى إسرائيل وأوربا وبنسبة أقل للشركاء في الخليج وتركيا. وبرأيي يجب ألا ينتظر السوريون الكثير من الانتخابات الأمريكية، وألا يبنوا آمالاً على تغيير الواقع السوري، بناء على تجاذبات العملية الانتخابية الأمريكية، التي لا تشكل فيها المسألة السورية إلا حيزاً ضئيلاً في المنافسة الانتخابية، ولا يوجد هناك تغيير مفصلي في السياسة الأمريكية على المدى القريب، إن جاز التعبير عن المسألة السورية.
خلاصة القول، إنّ الولايات المتّحدة الأمريكية ليست مهتمة بسوريا إطلاقاً ولا ترى فيها أي فائدة، لاحاضراً ولا مستقبلاً، ومايجب أن يعوّل عليه السوريون هو رأب الصدع فيما بينهم جميعاً، لخلق حالة وطنية تكون غايتها إعادة سوريا كدولة مستقلة ذات قرار سيادي، وإعادة النسيج الاجتماعي لتلك الدولة، وجعل الحوار الحجرة الأساسية والمنطلق الأهم في بناء سوريا الجديدة، وانبعاث الإنسان السوري الذي أنهكه استبداد وإجرام السلطة وتعفن المعارضة وفسادها.
ليفانت – عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!