-
السلام نحو غد أفضل
مرّ الكثير على هذه المنطقة الملتهبة على الدوام بالصراعات الإثنية والصراعات الإقليمية، بحيث تحوّلت منطقه الشرق الأوسط ساحة لعدّة صراعات، أبرزها ما يسمى الصراع العربي الإسرائيلي الذي تم الترويج له لعقود ماضية، شهدت المنطقة نتيجته الكثير من المآسي، على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لدول المنطقة.
وتألمت الشعوب العربية كثيراً بسبب تبعات هذا الصراع الذي أدخل تلك الشعوب في عقود من الاستبداد وكبت الحريات، في زمن تشهد معظم شعوب العالم تحولات كبيره باتجاه بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
ومن خلال رؤيتنا وقرائتنا المتواضعة لسير الأحداث، مؤخراً، والدفع باتجاه عملية السلام بين الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، والدولة العبرية، والمكاسب التي يمكن أن تحققها شعوب المنطقة أولاً، وحكوماتها ثانياً، والانعكاسات الإيجابية لهذه الاتفاقيات على المنطقة، على مختلف الأصعدة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
لابد من الإشارة إلى الدوافع التي سرعت في المضي بهذا الطريق، فقد آن لهذه المنطقة أن تنعم بالهدوء والاستقرار والسلام والتنمية الاقتصادية، بعد أن تعرضت شعوبها لكثير من الصراعات التي فتكت بها و بددت آمالها وطموحاتها لفتره طويلة.
ولابدّ من التحدّث بواقعية في هذا الخصوص، فقد فوتت تلك الشعوب والأنظمة فرصاً كثيرة ضاعت سابقاً في سبيل إيجاد الطريق الصحيح، وتلمّس سبل الوصول للسلام الذي يصل بالشعوب لحياة مزدهرة عقب عقود من الانغلاق السياسي والجمود والتشدّد غير المبرر في مواقف الدول من قضية السلام، ومسألة التخلف عن ركب السلام ونتائج هذا التأخير في مواكبة هذه العملية يتحمل مسؤوليتها أجيال متعاقبة من السياسيين وأشكال الحكم في المنطقة، ومن جميع الأطراف.
فالدول التي قامت بعقد اتفاقيات السلام، سابقاً وحالياً، سعت إليه وهي متمسكة بجميع حقوق شعوبها، بشكل خاص، والحقوق العربية، بشكل عام، ولم تكن يوماً إلا مع حقوق الشعب الفلسطيني الذي تاجر بها الكثير لغايات سلطوية ولأجندات ومشاريع إقليمية، أخرى هدّامة، وجميعنا يدرك ويتذكر الجهود الدبلوماسية الكبيرة والجهود الاقتصادية والدعم الكبير الذي قدمته الدول التي وقعت مؤخراً على اتفاقيات السلام للقضايا العربية والشعوب العربية، لحل مشاكلها انطلاقاً من مصلحة وطنية خالصة، وبدون إملاءات من أحد، اللهم إلا بتوافق المصالح الوطنية والدولية في هذه الاتفاقيات، وعند استجابة دول كمصر والبحرين والأردن والإمارات لمتطلبات السلام، فهذا قرار سيادي شجاع يتطلب جرأة سياسية وحنكة دبلوماسية، في ظل هذه السياسة التي ما زالت تطالب بجميع الحقوق، مع تفريط ومتاجرة أصحاب الشأن الأكبر بهذه الحقوق سابقاً.
فعندما عقد الأخوة الفلسطينون اتفاقي السلام مع الدولة العبرية، كانت تلك الدول من أشدّ الداعمين للحكومة الفلسطينية، وكانت وما زالت تعتبر هذا قراراً يخصّ الفلسطينين أولاً، والعرب ثانياً، لذلك سعت لدعم ذلك التوجّه الفلسطيني في ذلك الوقت، ومنع كتلة النفاق السياسي للأنظمة المستبدة المرتبطة بالمشروع الإيراني من التأثير على القرار الفلسطيني المستقل.
إنّ القرار المتّخذ، مؤخراً، بإحلال السلام في المنطقة، إنما هو مستمدّ من المبادرة العربية التي تقدّمت بها المملكة العربية السعودية، في أحد القمم العربية الرسمية، ووافق عليها جميع ممثلي الشعوب العربية، والتي تنصّ على المضي في طريق السلام وصون الحقوق وتقدير المصالح العربية، وجاءت خطوة دولة الإمارات العربية ومملكة البحرين وفق هذا الخط المتمثّل بالمحافظة على المصالح الوطنية والعربية وفق واقعية سياسية بعيدة عن الشعارات والهتافات والأيديولوجيات الكاذبة، وحفاظاً على مصالح الشعوب في المنطقة، وتحقيقها لأمانيها بالسلام والاستقرار، والتخلص من تسلّط الأنظمة بحجج واهية، كالصراع الإستراتيجي وغيره من شعارات التدليس وإفقار الشعوب عبر سياسيات وهمية، كالتوازن الإستراتيجي وغيره من شعارات رنانة.
السلام هو الغد المشرق الذي يمكن أن ينقذ هذه المنطقة، ومكاسبه لشعوب المنطقه ما تزال واضحة وجلية وموجودة، فماذا حققنا كعرب وشعوب عبر الحروب؟ لا شيء سوى آلاف الضحايا وانهيارات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بينما ماذا حقق السلام من مكاسب للدول التي مضت بركبه؟
منذ عقود، استعاد المصريون بالسلام ما لم يتم إعادته بالحرب، فها هي سيناء أرض مصرية، والأردنيون استعادوا أرضهم وسيادتهم، والفلسطينيون أصبح لهم أرض، وأقاموا حكومتهم الشرعية عليها، وجميعنا يعلم أنّ كثيراً من الدول العربية والإسلامية تقيم علاقات كلية أو جزئية خدمة لمصالح شعوبها أولاً، ولما يحققه السلام من مكاسب لها، وما قامت به، مؤخراً، دولتا الإمارات والبحرين هو حق مشروع لهما كدولتين ذات سيادة تقدّر مصلحتها الوطنيّة بغضّ النظر عما يريده الآخرون أو ما يرغب به أصحاب مشاريع الهيمنة على دول المنطقة وحلفائهم.
نعلم جميعاً أنّ عملية السلام توقفت لفترة ليست بالقليلة، بين مدّ وجزر، ورفض وموافقة، وضغوط هنا وهناك، ولكن في النهاية انتصرت مسألة متابعة مسيرة السلام، وسنرى في القريب العاجل الكثير ممن امتنعوا في البداية، لأسبابهم الخاصة، ملتحقين بركب السلام، لدوافع معروفة للجميع، منها مصالحهم الوطنية وأخرى تتعرّض للأخطار التي تحيط بالجميع، المتمثلة بتمدّد الإرهاب والمشروع الإيراني الذي يدعم هذا الإرهاب، بشكل أو بآخر، ويحاول الهيمنة والسيطرة على شعوب المنطقة ومقدراتها، وفق مشروع أيديولوجي يهدف لتفكيك البنية الاجتماعية لدول المنطقة أولاً، والتسبب بصراعات كبيرة، كما يحدث في العراق وسوريا ولبنان.
من حقّ جميع الحكومات تحصين أنفسها أمام هذه الأخطار، توافقاً مع مصالحها الوطنية والسياسية، فأيّ دولة تكون بوصلتها الحقيقية مصلحة شعبها بالتأكيد ستنجح وتستمر، بغض النظر عمن يوافق أو يرفض.
ليفانت – عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!