-
الإستراتيجية الأمريكية في سوريا.. استنزاف الجميع والنصر الكبير
إنّ السياسة الناجحة التي اتبعتها الإداره الأمريكية في سوريا من أجل استنزاف جميع الأطراف الدولية والإقليمية في سوريا، عن طريق إنهاك أدوات هذه الأطراف في ضفتي الصراع السوري، من معارضة فاسدة ونظام مستبد، نجحت في تحويل سوريا لمستنقع كبير، يتخبط فيه الكثير من أقطاب الصراع الإقليمي والدولي في سوريا.
من يراقب هذه السياسة ويعيها، خلال السنتين الماضيتين، ونجاحاتها في تحويل انتصارات النظام المستبد وحلفائه، إلى كومة من قش وتلال من رماد “عسكرياً”، عبر وسائل كثيرة، وضغوطات هادئة لاصخب بها، وصلت لمبتغاها ولم يتبقَ لها لتحقيق ماتريد، إلا إقناع الحليف القوي بالتخلي عن ذلك النظام، وهذا ما لم يحدث بعد.
لايختلف جميع المعنيين بالشأن السوري، أنّ الوضع الكارثي الذي يعيشه النظام السوري وحلفائه، والذي يعدّ التهديد الأبرز لوجود هذا الاستبداد من عشر سنين، فعودة الاحتجاجات المحدودة في درعا والمظاهرات العاصفة في السويداء وريفها، رغم ماحدث سابقاً من تجارب مع باقي المحافظات، يبين حقيقة واحدة، أنّ النهاية وشيكة وأنّه لا استقرار في سوريا بوجود هذا النظام ومشغلاته أو هذه المعارضه البائسة وداعميها.
إنّ الخناق الاقتصادي الكبير الذي فرضته الإدارة الأمريكية على هذا النظام، أسهمت بدفع الاقتصاد السوري إلى الانهيار والهاوية، محوّلاً الساحة السورية إلى مستنقع سيغرق الجميع به، عاجلاً أم آجلاً.
إنّ السياسة الامريكية الجديدة وضغوطاتها، منعت نظام الأسد وداعميه من إعادة الشعب السوري إلى حظيرة العبودية، وإلى الوضع ماقبل ٢٠١١، وحولت سوريا من مكسب لبلدان دعمت نظام الأسد، إلى عبء كبير يحاولون جاهدين اليوم مساومة الجميع للتخلص من هذا العبء.
إنّ السياسة الأمريكية وإستراتيجيتها الفعالة اتجاه تحقيق أهدافها في سوريا خدمة لمصالحها، اعتمدت على هذا الأسلوب في الضغط الاقتصادي على نظام الأسد وحلفائه، واستغلّت حاجة حلفاء الأسد للمال من أجل إعادة الإعمار، وعجز هؤلاء الحلفاء عن تقديم الدعم المالي لإعادة إعمار بلد مزقته الحرب، ومارافق هذا العجز من انهيار لأسعار النفط وجائحة كورونا، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على حليفي الأسد، الروسي والإيراني. هذه العقوبات التي حدّت كثيراً من إمكانية استمرار تقديم الدعم اللازم لهذا النظام، لاستمرارية بقائه وإنقاذه من الانهيار، على كافة الأصعدة، وفي مقدمتها الصعيد الاقتصادي.
ومما لاشك فيه، أنّ تكلفة إعمار مامزقته ودمرته الحرب، هو مبلغ كبير إذا ماقورن بالناتج المحلي لسوريا، لمدة سنه قبل الحرب، وغياب هذا الدعم لإعادة الإعمار في ظل وجود نظام الأسد، وغياب التمويل اللازم لإعادة الإعمار، والمضي قدماً في تفعيل قانون قيصر وتنفيذ استحقاقاته، ومايشكله من ضغوط كبيرة على الأسد وحلفائه، ودفعه بلاهواده للقبول بالحل السياسي للمسألة السورية.
ولم تكتفِ السياسة الأمريكية بهذا الضغط، بل شكلت جبهة موحدة مع حلفائها الأوربيين، لمنع حصول الأسد وحليفه الروسي على أيّة أموال لإعادة الإعمار، ولو بشكل جزئي، طالما أنّه يرفض ويماطل في تنفيذ القرار ٢٢٥٤.
ومن خلال قراءتي المتواضعة لهذه السياسة، أكاد أجزم أنّ السياسة الأمريكية التي تقولها للجميع، بصوت واضح ومسموع (طالما أنّ الروس يرفضون التفاوض على رحيل الأسد، فإنّ نظام الأسد لن يحصل على أي تمويل، في أي مجال، وسيكون مهدداً بالانهيار بأيّة لحظة)، فقانون قيصر هو السد الذي يقف حائلاً بين نظام الأسد، وبين الحصول على أي دعم اقتصادي لنظامه، ولو كان قليلاً. لاشك أنّ الولايات المتحده الأمريكية، حولت انتصار الأسد وحلفائه في سورية إلى هزيمة ستتضح معالمها قريباً، فالبرغم من توقف الحرب ووصولها لنهايتها، فالأسد في سوريا وحلفاؤه لايسيطرون إلا مايزيد على نصف المساحة بقليل، ولايسيطرون إلا على عشرين في المائة من ثروات البلد الاقتصادية.
لم تتوانَ الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم حلفائها الإقليمين في الملف السوري، وحالت دون إتمام سيطرة النظام وحلفائه على ماتبقى من الشمال السوري، وردّت بشكل حازم على أي عدوان يطال حلفاؤها في سوريا، وأيّ خطر يتهدّد مناطق سيطرته على منابع الطاقة في الشرق السوري، ومن المؤكد أنّ السياسة الأمريكية ستمضي قدماً في هذه السياسة، حتى إرضاخ جميع الأطراف في سوريا، ومن خلفهم حلفائهم، على القبول بحلّ سياسي، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لايشارك بها الأسد، وما لم يتحقق ذلك سيزداد يوماً بعد يوم وتيرة الضغط الأمريكي، ويأخذ أشكالاً أقسى بكثير من هذه البدايات، وسيترافق بعمليات ترهق داعمي الأسد وتستنزف كل القوى التى تعرقل الحل السياسي في سوريا، والأمر هنا ينطبق على طرفي النزاع، سيعود الجميع لاتفاق ٢٢٥٤، وستنتهي بالتأكيد جميع مسارات سد الفراغ، وملء الوقت من أستانا إلى سوتشي، وستثبت الولايات المتحدة وسياستها أنّها صاحبة القرار في إنهاء أي صراع أو بدايته، في أي بقعة من العالم، فهي من توزّع الأدوار على الجميع، وترسم مساحات التحرّك لكل الأطراف، سواء كانت قوى إقليمية أو دولية.
وختاماً، فعلى السوريين الاستفادة من هذا الحراك الكبير الذي يسعى لإنهاء واستنزاف وإنهاك طرفي الصراع، والمضي قدماً في مسألة إنهاء الصراع، والالتفاف حول الفكرة الوطنية البعيدة عن المشاريع الأخرى، التي سوّقتها الأطراف التي تدعم أطراف الصراع في سوريا، ولابد من زيادة الوعي لدى السوريين من أجل إعادة بناء نسيجهم الاجتماعي، والوصول لقناعة مفادها أنّ سوريا هي وطن لجميع السوريين بجميع مكوناتهم وإثنياتهم، وأنّ المسألة الوطنية والمواطن، هي اللبنة الأساسية في إعادة بناء المجتمع السوري على قاعدة العدل والمساواة والحرية لجميع أفراد الشعب السوري، وإنّ مسألة إنهاء هذا الصراع ورواسبه والحد من نتائجه الكارثية على الشارع السوري، هو واجب كل مواطن في سوريا، كلّ من موقعه ومكان وتموضعه، فسوريا تنتظر من أبنائها أن يعودوا سوريين، أولاً، ليبنوا ما هدمه استبداد النظام، وجهل المعارضة، وهيمنة الإقليمي والدولي على قرار الانسان السوري، لعقود مضت.
ليفانت – عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!