الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • هل تكون إدلب نهاية تحالف الضرورة بين تركيا وروسيا

هل تكون إدلب نهاية تحالف الضرورة بين تركيا وروسيا
محمد الشوا

لا يمكن تحديد العلاقات التركيّة الروسيّة، دون النظر الى العلاقات التاريخيّة بين البلدين فمنذ أيام الإمبراطورية العثمانية، سعت تركيا دائماً الى حرمان روسيا من وجود كبير في جنوب أو شرق البحر المتوسط، كما إنّ الإمبراطورية الروسية كانت على الأرجح واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في تفكيك الإمبراطورية العثمانية من خلال انتهاكاها المستمر لحدودها. حيث اتّسمت العلاقات التركية-الروسية طوال الفترة ما بين ( 1500-إلى نهاية 1800م)، بالتوتّر والصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في أغلب الأحيان، شهدت (17) حرباً بينهما، انتصرت روسيا في أغلبها خلال (300) سنة. تركيا وروسيا


وبعد انتهاء الحقبة السوفييتة وظهور روسيا الجديدة تغيّرت المفاهيم الأمنيّة والاستراتيجيّة لكليهما فأصبحا شريكتين في المجالات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية. وهناك العديد من الملفات الحيوية التي تحقّق التقارب الروسي التركي منها (حجم التبادل التجاري) الذي وصل إلى مستوى 26 مليار ويسعى الطرفان إلى رفع التبادل التجاري حتى 100 ملياراً دولار عام 2023، وحجم التبادل العسكري وخاصة منها الصواريخ الروسية أس 400، والمفاعل النووي التركي الذي تُنشِئه موسكو، واتفاقيّة السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عن طريق تركيا والتي أبرمت عام 2012، وترسل روسيا أكثر من خمسة ملايين سائح سنوياً إليها.


إلا انّ التطورات الميدانية والتصعيد الذي جرى في الأسابيع الأخيرة في إدلب ومحيطها من اقتحام جيش النظام والميليشيات الداعمة له، وبإسنادٍ جويّ روسي على مدينة معرّة النعمان وسراقب في ريف إدلب الجنوبي كان سبباً مباشراً لإثارة أزمة بين روسيا وتركيا لا يستهان بحجمها وتداعياتها عن حسابات وموازين القوى في المشهد السوري وانعكاسها على مستقبل العلاقات بين البلدين والتي وصلت إلى نقطة حرجة. فرغم أنّ الأزمة جرى تطويقها للحيلولة دون انفجارها في اجتماع طارئ في الخامس من الشهر الجاري في موسكو جمع الرئيسين "بوتين" و"أردوغان" والوفد المرافق له، وقد تمّ التوصّل لاتفاق بين الجانبين لوقف إطلاق النار في خطوط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وإنشاء ممر أمني بعمق 12 كيلو متراً، على جانبي الطريق الدولي حلب - اللاذقية (إم-4)، وتسيير دوريّات مشتركة روسية- تركية بين ترنبة غرب سراقب وعين حور في ريف جسر الشغور على الطريق السريع. تركيا وروسيا


ولكنّ الكثير من المراقبين اعتبروا هذا الاتفاق هشّ ولن يصمد طويلاً حتى إنّ الرئاسة الفرنسية قالت:

"إنّه اتّفاق هشّ ويحتوي على نقاط غامضة ومسائل يصعب التعامل معها، خصوصاً بشأن الانسحاب من الطرق الدولية أم 4 وأم 5، وحديثاً عن دعم سياسي وإنساني، لا وضوح بشأن ترتيباته"، وليس من بين هذه البنود الثلاثة عودة قوات النظام السوري إلى خطوط اتّفاق سوتشي لخفض التصعيد وهي المطالبة التي كانت حتى دقائق قبل اللقاء، مطلوبة من قبل الرئيس التركي أردوغان تحت طائلة التهديد بشنّ هجوم عسكري في ريف إدلب حتى نهاية شهر فبراير.


وأدرك الرئيس التركي حاجة موسكو أن تظلّ خطوط مرابطة قوات النظام السوري كما هي يوم اللقاء، لأنّ خطوط سوتشي ستحمل تهديداً لقاعدة حميميم وستجعل من الصعوبة أيضاً بناء قاعدة روسية جديدة في ريف حماة. وقالت ماريانا بلنكايا، الكاتبة في صحيفة (كومرسانت) الروسية: "إنّ بوتين وأردوغان اتفقا على وقفٍ لإطلاق النار في منطقة عدم التصعيد في إدلب. الأهم من ذلك، إنّهما اتفقا على الإقرار بواقع جديد على الأرض". وأردفت قائلة: "إنّ هذا الاجتماع جاء على خلفية تفاقم الوضع في إدلب، عندما كانت روسيا وتركيا على وشك الدخول في اشتباكات عسكرية وذلك من خلال استهداف طائرات النظام السوري لنقاط المراقبة التركية التي تمّ الاتّفاق عليها في سوتشي عام 2018 وقتل العشرات من الجنود الأتراك إذ قتل أكثر من 50 عسكرياً تركياً ما اضطر تركيا إلى تصعيد عسكري ضدّ النظام السوري ففي بداية فبراير، أرسلت تركيا أكثر من سبعة آلاف جندي تركي إلى إدلب، وقامت الطائرات المسيّرة والمدفعية التركية باستهداف قوات النظام السوري ردّاً على ذلك الهجوم فقتل منهم المئات، حمّلت تركيا روسيا المسؤولية لأنّها سمحت للنظام السوري باستهداف المدنيين وخرق اتّفاق سوتشي.


وفي مؤتمر صحفي عقب اجتماعهما في موسكو أقرّ أردوغان وبوتين بصعوبة المفاوضات، وقالا إنهما مستمران في التعاون. وقالت جنى جبور أستاذة العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس والخبيرة في الشأن التركي: "إنّ أيّ صدع في العلاقات بسبب الخلافات بشأن إدلب أمر غير مرغوب فيه، مقارنة مع البدائل الأخرى المتاحة لإنهاء الحرب السورية. ما يهدّد تحالف الضرورة بين البلدين هو ما يتوقّع أن تشهده الأيام المقبلة في إدلب من احتمالية خرق النظام السوري لوقف إطلاق النار والانتهاكات المتكررة ما يضطر تركيا لردّ عسكري على قوات النظام وهذا ما صرّح به الرئيس التركي أردوغان بعد القمة والتي قال فيها إنّ تركيا تحتفظ بحقها في الردّ على الأسد. إنّ المصالح المشتركة بين روسيا وتركيا ما زالت تستدعي "تحالف الضرورة ". تركيا وروسيا


فبرغم حرص الطرفين على إبقاء الأمور تحت سقفٍ يمكن السيطرة عليه، إذ صرّح الرئيس التركي إنّه لا مشكلة له مع روسيا في سورية، في وقتٍ قال الرئيس الروسي: "إنّ بلاده لا تخطّط للدخول في حرب مع أحد"، وهذا ما أكّدت عليه بعض المصادر الروسية إذ قلّلت من انزلاق الأمور إلى السيناريو الأسوأ وهو حدوث مواجهة مباشرة بين الجيشين الروسي والتركي في إدلب، مؤكّداً أنّ أي استهداف للقوات الروسية، سيجبر موسكو على الردّ، ما سيشعل فتيل سلسلة أعمال تصعيدية، قد تفجّر مواجهة حقيقية وربما تتجرّأ أطرف دولية للانخراط فيها ما يرفع احتماليّة المواجهة لاحقاً وتفكيك تحالف الضرورة وانهياره. هذه الشروخ التي تبدّت وظهرت أثناء اللقاء الأخير بين الرئيسين في قمّة موسكو حيث إنّ بوتين تعمّد إيقاف الوفد التركي تحت تمثال كاترين الثانية التي اعتادت هزيمة العثمانيين وهزمتهم في 11 مرة وساهمت في انهيار دولتهم.


كما وُضع بين بوتين وأردغان تمثال عبور الروس للبلقان الذي يجسّد انتصاراً روسيّاً على العثمانيين عام 1878 وهي المواجهة التي خسروا على إثرها صربيا ومونتينيغرو ورومانيا وبلغاريا.


وسبق ذلك اللقاء تدوينة نشرتها وزارة الخارجية الروسية على صفحتها الرسمية في موقع فيسبوك، تناولت ذكرى الحروب بين روسيا والدولة العثمانية بين عامي 1877 و1878. إنّ ما أغضب القيادة الروسيّة والرئيس بوتين وجعلهم يتّخذون هذه المواقف قبل الزيارة وبعدها هي مواقف الرئيس التركي أردوغان واعتقادهم إنّه تجاوز الخطوط الحمراء الروسية، عندما زار العاصمة الأوكرانية كييف، في الثالث من فبراير ووقف أمام حرس الشرف الأوكراني وردّد عبارة: "المجد لأوكرانيا"، وهي تحيّة القوميين الأوكرانيين المناهضين لروسيا، وكرّر أردوغان عدم اعتراف بلاده بروسيّة شبه جزيرة القرم، وإعلانه عن نيّة تقديم دعم عسكري لأوكرانيا ممثلّاً بصفقة طائرات مسيّرة بقيمة 200 مليون ليرة تركية، ووقّع اتفاقات مع وزارة الدفاع الأوكرانية التي تناصب روسيا العداء وتعتبره العدوّ الأول منذ ربيع 2014. وقد اعتبر مراقبون إنّ ما فعله أردوغان كان خصيصاً لإثارة غضب موسكو. تركيا وروسيا


فهل ما ستشهده إدلب من تطوّرات ميدانية وعسكرية في الأيام القادمة يمثّل نقطة تحولٍ فارقة في القضيّة السورية كما إنها ستشكل مستقبل العلاقات الروسية_ التركية. وستنذر بتشظّي "تحالف الضرورة ".


ليفانت - محمّد الشوا 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!