-
ملالي إيران والإدارة الأمريكية بين التهديد والوعيد
-
هل انتهى عصر الملالي؟

منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 لم تتوقف التوترات بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية. لطالما شهدت العلاقات بين الطرفين تصعيداً وتهدئةً، لكن ذلك لم يصل إلى حد الحرب المباشرة، ومع ذلك فإن التهديدات والوعيد المتبادلين لم يتوقفا مما جعل المنطقة بأسرها تعيش في حالة من عدم الاستقرار.
لقد شهدت العلاقة بين النظام الإيراني والإدارة الأمريكية تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة خاصة مع تغير السياسات الأمريكية تجاه طهران بعد وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض. هذه التحولات تطرح تساؤلات حول مستقبل النظام الإيراني، ومدى قدرته على الصمود في وجه الضغوط الداخلية والخارجية، وما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة جادة في تغيير نهجها تجاه إيران، أم أنها ستستمر في سياسات مربكة تزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة.
عصر الملالي: بين التحديات الداخلية والضغوط الخارجية
منذ قيام الثورة الوطنية في إيران عام 1979 سيطر نظام الملالي على مقاليد الحكم مؤسساً دولة ثيوقراطية تقوم على مبدأ "ولاية الفقيه". وعلى الرغم من أن النظام قد تمكن من خلال القمع من في البقاء في السلطة لأكثر من أربعة عقود إلا أنه واجه تحديات كبيرة سواء من الداخل أو من الخارج.
في الداخل يواجه النظام احتجاجات شعبية متكررة تطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتحسين مستوى المعيشة، واحترام الحريات الأساسية انتهت بالرفض الكلي التام لنظام الملالي؛ الشعب الإيراني وخاصة الشباب يعبر عن سخطه المتزايد من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية فضلاً عن القمع السياسي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، وهذه الاحتجاجات وإن كانت تتفاوت في حدتها إلا أنها تشير إلى وجود أزمة شرعية عميقة يعاني منها النظام.. أما على الصعيد الخارجي فإن نظام الملالي يواجه عزلة دولية متزايدة بسبب سياساتها المثيرة للجدل مثل دعم الجماعات المسلحة في المنطقة، وتطوير برنامجها النووي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقد ألحقت العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإيراني مما زاد من معاناة المواطنين العاديين.
الإدارة الأمريكية: تغيير في النهج أم استمرارية؟
مع وصول إدارة ترامب الأولى إلى البيت الأبيض؛ كانت هناك توقعات بتغيير في السياسة الأمريكية تجاه إيران، واتبعت هذه الإدارة سياسة "الضغط الأقصى" والتي شملت فرض عقوبات اقتصادية قاسية، والانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. لكن إدارة جو بايدن أبدت استعداداً للعودة إلى طاولة المفاوضات والبحث عن حل دبلوماسي للأزمة النووية مع إيران.
من المرجح أن تفرض إدارة ترامب الحالية المزيد من العقوبات على قطاعات إيرانية حيوية، مثل النفط والغاز والصناعات التحويلية، لزيادة الضغط على النظام الإيراني. وتستهدف حلفاء إيران بتوسيع نطاق العقوبات ليشمل دولًا وكيانات تتعاون مع إيران مثل الصين وروسيا ودول أخرى تتعامل مع إيران اقتصادياً، وفي حالة استمرار التوترات قد تتبنى إدارة ترامب ردودًا عسكرية أكثر قوة ضد أي هجمات أو استفزازات إيرانية سواء عبر وكلائها في المنطقة أو بشكل مباشر، وقد تعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري في الخليج بحجة حماية حلفائها وردع أي تهديدات إيرانية، وتواصل الضغط على الحلفاء الأوروبيين وحلفاء الناتو لتقليل التعاون مع إيران خاصة في المجالات الاقتصادية
والعسكرية، وقد تزيد إدارة ترامب من الضغوط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لفرض رقابة أكثر صرامة على الأنشطة النووية الإيرانية، وقد تسعى الإدارة إلى إجبار إيران على التفاوض بشروط أمريكية مع التركيز على قضايا مثل البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي الإيراني، وترفع سقف مطالبها في أي اتفاق جديد مثل وقف تخصيب اليورانيوم
بشكل كامل وإنهاء دعم إيران للجماعات المسلحة في المنطقة، وقد تزيد إدارة ترامب من دعمها للحركات المعارضة داخل إيران، سواء عبر وسائل الإعلام أو العقوبات التي تستهدف قمع النظام للحريات. وتستخدم منصات إعلامية ودبلوماسية لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. وقد تعمل إدارة ترامب على تعزيز تحالفاتها مع دول مثل والسعودية والإمارات لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وتواصل جهودها لتوسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية كجزء من استراتيجية عزل إيران.
دعم الشعب الإيراني: بديل عن الضجيج السياسي
في خضم هذا الجدل السياسي القائم يبرز سؤال مهم: أليس من الأفضل دعم الشعب الإيراني في نضاله من أجل الحرية والديمقراطية بدلاً من الانخراط في سياسات خارجية مربكة قد تزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة؟ لقد أثبت الشعب الإيراني مراراً وتكراراً أنه يرفض نظام الملالي، ويطالب بتغيير جذري يضمن له حياة كريمة وحريات أساسية.
دعم الشعب الإيراني يمكن أن يأخذ أشكالاً متعددة بدءًا من الدبلوماسية الدولية وصولاً إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي للمقاومة الشعبية، وبدلاً من التركيز على المفاوضات مع النظام يمكن للدول الديمقراطية أن تعمل على تعزيز ودعم صوت الشعب الإيراني، وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام.
الخلاصة: الأيام المقبلة ستكشف الحقيقة
العلاقات بين النظام الإيراني والإدارة الأمريكية معقدة ومتشابكة، ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه في المستقبل. ولكن من الواضح أن المنطقة بأسرها تعيش في حالة من عدم الاستقرار بسبب هذه التوترات، وفي النهاية ندرك أن مستقبل النظام الإيراني يعتمد على العديد من العوامل من بينها قدرته على مواجهة التحديات الداخلية، ومدى جدية الضغوط الخارجية، وتواجه الإدارة الأمريكية الجديدة اختباراً حقيقياً في سياستها تجاه إيران سواء كانت ستتبع نهجاً دبلوماسياً حقيقياً أم ستستمر في سياسات مربكة، والأهم من ذلك كله هو دعم الشعب الإيراني في نضاله من أجل الحرية والكرامة.
فبدلاً من إثارة الضجيج السياسي يمكن للعالم أن يقف إلى جانب الشعب الإيراني ويدعم تطلعاته المشروعة في بناء مستقبل أفضل بعيداً عن قمع النظام الحالي، وستكشف الأيام المقبلة ما إذا كان عصر الملالي يقترب من نهايته، أم أن النظام سيتمكن مرة أخرى من الصمود في وجه العاصفة، وفي النهاية فإن الشعب الإيراني هو الذي سيقرر مصيره بيده؛ فإما أن يستمر في تحمل قمع النظام وإما أن يصعد من انتفاضته لإسقاط نظام وفكر الملالي ونيل الحرية.
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذه السياسة الجديدة تعكس تغييراً حقيقياً في النهج الأمريكي، أم أنها مجرد تكتيك مؤقت؟ وهل تصدق الإدارة الأمريكية الجديدة في توجهها ضد النظام الإيراني على عكس ما شهدناه من قبل؟ هذا ما ستثبته الأيام المقبلة...!
ليفانت: د. سامي خاطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!