الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
نورٌ ..غيّب في غياهب الظلام
نورٌ ..غيّب في غياهب الظلام


 ليفانت نيوز-رهف الحمصي 


خلال أحداث الثورة السورية، التي بدأت بالمظاهرات السلمية كان أكثر ما يثير النظام السوري ويقضّ مضجعه، العمل المدني، خاصة من قبل النساء الناشطات في العمل السلمي. غياهب الظلام


الشابة (نور) من مدينة دمشق، واحدة من السوريات اللواتي كان لهنّ دور فاعل في النشاط المدني، قبل اعتقالها نهاية العام 2013، والتي تروي أحداث اعتقالها ومعانتها داخل السجون السورية.


عمل مدني..ونشاط سلمي


تقول نور: “بدأت القصة مع بداية الثورة في سوريا، حين قمنا بتشكيل فريق عمل مدني، ضمن مجموعة من الشباب والشابات، الذين كانوا يطالبون بالحرية ويدعون إلى إسقاط النظام، من خلال المشاركة بالمظاهرات السلمية ومساعدة النازحين في دمشق”.


اقرأ المزيد: غرائبية وهامش قصص.. “يوم لبست وجه خالتي الغريبة” للقاصّة سلوى زكزك


وتتابع (نور) سرد تفاصيل تلك المرحلة، “كنا نعمل على تأمين مساكن لهم، وتوزيع بعض المعونات الغذائية… ومع مرور الوقت بدأ الاعتقال التعسفي يطال أصدقائي، واحداً تلو الآخر، وبدأ الخوف يتسلّل إلى قلبي، خشيةً عليهم من الموت تحت التعذيب، وخشيةً على نفسي من الاعتقال، فأنا أجهل كيف تجري أمور التحقيق، وهل اعترف أحدهم بأنني أعمل معهم أم لا؟! حيث أننا سمعنا كثيراً عن وسائل التعذيب التي يستخدمها عناصر النظام في الضغط على المعتقلين… إلى أن وصلتني بعض الأخبار من أحد المفرج عنهم الذي كان في زنزانة أحد أصدقائي، بأنه تمّ ذكر اسمي نتيجة التعذيب، وأصبحتُ مطلوبة لأحد الأفرع الأمنية.


تسهب (نور) في وصف تفاصيل تلك اللحظة، وكأنها ما تزال تستشعر الرهبة والخوف نفسهما، وتقول: “عندها قرّرت الهرب من مخالب النظام السوري باتجاه لبنان، والنجاة بنفسي، وبدأت بالتواصل مع بعض السماسرة والوساطات، من خلال دفع مبالغ مالية لتسهيل خروجي من دمشق… إلى أن وصلت إلى الحدود السورية اللبنانية وتحديداً في منطقة (جديدة يابوس) وهناك تم اعتقالي وتحويلي الى الفرع 215 الواقع في منطقة كفرسوسة بدمشق”.


وتتابع: “بدأ استقبالي بالفرع بطريقة مهينة، لم تخلُ من السُباب والشتم والركل من قِبل العناصر، لم أكن أتوقع أنّ التفتيش سيحمّلني ألما أشدّ وقعاً من الضرب والشتم، حيث قام السجّان بتفتيشي عارية وقام بإذلالي… بعدها تمّ اصطحابي إلى مهجع النساء في الطابق السادس من مبنى الفرع، الذي كان يكتظ بالنساء، ضمن مساحة ضيقة لا تسمح لهنّ بالحركة أو النوم، كانت ليلةً عصيبةً لم أتذوق فيها طعم النوم، في اليوم التالي قام أحد العناصر باستدعائي إلى مكتب التحقيق وعند وصولي إلى غرفة المحقق سألني عن اسمي فأجبت… ثمّ طلب مني خلع ملابسي، وأنا بحالة ذهول وخوف لم أستطع الرد أو النطق بحرف واحد… وبدأ يصرخ لعناصره “”اخلعوا ثيابها”” وانهالوا عليّ ضرباً بالعصا والهروات، حتى أعترفُ بما اعترف به أصدقائي تحت التعذيب من أعمال، لم يقم أحد منّا بارتكابها لكني رفضت ذلك.


بقيت على هذه الحال مدة شهرين داخل الفرع، كنت أتعرض خلالها بشكلٍ يومي لشتى أنواع التعذيب، من ضرب بالكابل أو على الدولاب، وحتى التعليق من يديّ مدة أكثر من ساعتين يومياً، إلى أن تصبّغ جسدي من الضرب وخارت قواي واعترفت بكل ما طلبوه مني. غياهب الظلام


تتابع (نور) سرد حكايتها، بعيون يملؤها الحزن: “كانت الأيام تمضي ببطء بين جدران تلك الزنزانة العفنة التي لا تدخلها الشمس أبدا، كان الأمل ما يمنحني الصبر والجلَد… وذكريات عائلتي التي أحملها كانت حافزاً لي على التمسك بالحياة. لم أكن الوحيدة داخل تلك الغرفة، بل كان هناك العديد من النساء اللواتي لديهن ما يحفزهن أن تتغلب على الظلم والواقع المرير الذي تعيشه، حيث كنا محرومات من أبسط حقوقنا الإنسانية في الطعام والشراب والطبابة، وحتى المستلزمات النسائية لم تكن متاحة لنا”. غياهب الظلام


التحويل إلى سجن عدرا


تروي (نور) تفاصيل تلك الذكريات المؤلمة، فتقول: “بتاريخ 10 يناير 2014 تمّ تحويلي من الفرع إلى سجن عدرا المركزي، والذي استقبلني فيه العناصر بشتمي وسب عائلتي… لكن ما جعلني أشعر بالقليل من الراحة النفسية أنه لم يكن هناك تحقيق وتعذيب، إضافة إلى أنني أستطيع رؤية الشمس كل يوم… كان ذلك السجن الكبير أشبه بمدينة صغيرة، تضمّ نساء من مختلف المحافظات والمدن السورية، لكنّها تقبع ما بين القضبان… حاولت التواصل مع عائلتي من خلال زيارات أهالي المعتقلات، وبالفعل جاء لزيارتي والديّ اللذان كانا يظنان أنني قُتلت طوال فترة اختفائي في الفرع، كانت سعادتي برؤيتهما لا توصف، فقد منحاني البسمة والأمل في الحياة من جديد.


اقرأ المزيد: الفرع 215 ..مقبرة النساء الباقيات على قيد الأمل


استمرينا على منوالٍ واحد وروتين قاتل داخل ذلك السجن، إلى أن جاءت فترة الانتخابات الرئاسية منتصف العام 2014، وقام عناصر السجن بوضع صور لبشار الأسد داخل الجناح المخصص لمعتقلات الثورة السورية، ما يسمونه (جناح الإرهاب) لأجل استفزازنا… وهنا ثار غضبنا فكيف نستطيع تحمّل رؤية صورة المسؤول الأول عن القتل والتهجير والاعتقال… بدأتُ أُمزقُ الصور بحرقة، وراحت بعض المعتقلات يشاركنني ذلك… ما جعل عناصر وضباط السجن يقتحمون الجناح فجأة، وانهالوا علينا ضرباً، وتمت معاقبتنا بالسجن، داخل الزنزانات المنفردة مدة اسبوعٍ كامل دون طعام حيث كانوا يقدمون لنا الماء ورغيف خبزٍ واحد فقط طوال اليوم…


ما أذكره أيضاً داخل سجن عدرا أنّه ومع بداية العام 2014، اكتظّت غرف وأجنحة السجن بالنساء اللواتي تمّ اعتقالهنّ بشكلٍ عشوائي نتيجة الإعلان عن مبادلة قريبة ما بين النظام وإحدى فصائل المعارضة، وغالباً ما تكون تلك الصفقات سبباً رئيساً لزيادة نسبة الاعتقالات بالنسبة للنساء. غياهب الظلام


خارج الأسوار..أخيراً


تختم (نور) حكايتها، بصوت مخنوق، يظهر تماماً أن الحكاية لم تنته بع: “بعد حوالي عام من الاعتقال، تمّ إطلاق سراحي في 24 سبتمبر 2014، مع توقيعي على التعهد بمتابعة جلسات محكمة الإرهاب وكنت مدركةً حقاً معنى ذلك… أنهم سيعيدون اعتقالي مرة أخرى، بعد أسبوع في بيت عائلتي قررت السفر خارج مناطق سيطرة النظام بطرق التهريب (على اعتبار أني ممنوعة من السفر) في رحلةٍ مضنية وشاقة خشية الملاحقة الأمنية والاعتقال مرة أخرى… وكما كنت أتوقع، في العام 2016 أخبرتني عائلتي بوصول ورقة من محكمة الإرهاب، بالحكم الغيابي الذي صدر بحقي من المحكمة وهو السجن مدة 15 عاماً!!!

استطعتُ بعد عناء تجاوز كل تلك المِحن والأزمات النفسية التي سبّبها لي الاعتقال، وكنت محظوظة بأنني استطعت السفر والهروب من نظامٍ وحشي مجرم لا يؤمن له، فلا رادع لديه بأن يعتقل ويقتل ويهجّر شعباً برُمته ليبقى هو السلطة الحاكمة إلى الأبد”..


ليفانت








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!