الوضع المظلم
الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • مِـن بـيـعة عـفـريـن إلى بـيـعة أرمـيـنـيـا.. لا صديق لـروســيـا

مِـن بـيـعة عـفـريـن إلى بـيـعة أرمـيـنـيـا.. لا صديق لـروســيـا
روســيـا


سبّب سقوط (عفرين) شمال غرب سوريا، وهي واحدة من ثلاث مناطق رئيسة تتشكّل منها المنطقة ذات الكثافة السكانية الكُردية، بجانب (كوباني والجزيرة)، في ربيع العام 2018، موجة غضب عارم لدى الشارع الكُردي في سوريا، نتيجة ما اعتقد آنذاك أنّه فشل سياسي من لدنهم القائدة، في التعاطي مع الأطراف الدولية ذات الثقل في المسألة السورية، وبقي سؤال واحد مهيمناً: “مَن باع عفرين؟”.


سؤال لم يفارق الكُرد السوريين منذ العشرين من يناير العام 2018، عندما حلّقت 72 طائرة تركية (وفق الإعلام الرسمي التركي) فوق منطقة لا تتعدّى مساحتها الـ 2200 كيلو متر مربع، فاختلفت معها الآراء، بين ما أعاد خسارة عفرين إلى أخطاء السياسة الكُردية في سوريا، التي سمحت لتركيا باقتناصها لإقناع العالم بذريعتها للغزو، فيما ذهب آخرون إلى اتهام واشنطن، على اعتبار أنّها الآمر الناهي في ملفات المنطقة، وبالتالي لم يكن من الممكن الهجوم على عفرين بدون ضوء أمريكي أخضر، وهو ما حصلت عليه تركيا عقب عام بشكل رسمي ودون مُواربة، لدى الهجوم على مدينتي رأس العين وتل أبيض (أو سريه كانيه وكري سبي وفق التسمية الكُردية).


اقرأ أيضاً: إسرائيل متخوّفة من تساهل بايدن مع إيران.. والحلّ: حلف إقليمي


بيد أنّ المتّهم الأبرز، بقي اللاعب الروسي، على اعتبار أنّ عفرين كانت ضمن مناطق نفوذه، بموجب ما عرف بتقسيمات شرق الفرات (الخاضعة للنفوذ الأمريكي)، وغرب الفرات (الخاضعة للنفوذ الروسي)، مع العلم بأنّ الأخير كان يمتلك عملياً نقاط اتصال في عفرين، وقد عمد إلى سحبها قبل يوم واحد من تنفيذ الهجوم العسكري الواسع (أي في التاسع عشر من يناير العام 2018).. وبقيت روسيا مُذ ذلك اليوم، المتّهم الأبرز في نظر أهالي عفرين، بخصوص بيع أرضهم لتركيا، لقاء حصول روسيا على مناطق بديلة عنها، كانت عملياً (غوطة دمشق وريف حمص الشمالي، ومطار أبو الظهور العسكري والمناطق الأدلبية شرق سكة حديد الحجاز)، وغيرها من المناطق.



قره باغ.. عفرين الثانية


معادلة كانت صعبة الفك والتحليل حتى قبل السابع والعشرين من سبتمبر العام الجاري، عندما بدأت أذربيجان هجوماً مسلحاً واسعاً على إقليم ناغوري قره باغ، الخاضع للسيطرة الفعلية الأرمنية منذ العام 1994، عندما انتصرت أرمينيا في حرب خاضتها مع باكو لمدة 6 سنوات، قبل أن يعلن إقليم قره باغ/ آرستاخ، استقلاله عن أذربيجان، رغم أنّه لم يتمتّع بأي اعتراف حتى من أرمينيا، نتيجة لظروف سياسية حكمت توزان القوى في المنطقة، إلى أن بدأت أذربيجان الهجوم مجدداً بعد قرابة 26 عام.


ففي نهاية سبتمبر الماضي، وبعد بدء الهجوم الأذربيجاني، كان واضحاً الدعم التركي المنقطع النظير لأذربيجان، بغية إعادة السيطرة على الأراضي التي كانت ما تزال ضمن أذربيجان من الناحية القانونية الدولية، لكن المنافية لإرادة الشعب الأرمني القاطن في تلك المنطقة، وعلى المنقلب الآخر، كان الموقف الروسي المعروف تاريخياً بأنّه صديق للأرمن، مُبهماً، ورغم أنّ القانون الدولي لصالح أذربيجان، لكن روسيا كانت قادرة بصفتها عضواً دائماً في الأمم المتحدة، الدعوة إلى استفتاء لتحديد مصير الإقليم، من قبل شعبه، وهو ما لم تعجز عنه في شبه جزيرة القرم، التي عمدت إلى ضمها بذريعة رغب شعب القرم في الانضمام إلى روسيا، وأيضاً في إقليم الدونباس في أوكرانيا، التي تدعم فيه روسيا الانفصاليين الروس عن أوكرانيا منذ العام 2014.


اقرأ أيضاً: بايدن رئيساً فـ(عندما تشاء أمريكا.. ترامب لا يشاء)


ولأنّ ذلك قد يعكّر المصالح الروسية-التركية، عمدت روسيا إلى الإدلاء بمواقف تؤكد عملياً أنّها قد باعت قره باغ لأذربيجان بغية تمرير صفقات جديدة مع تركيا، وهو يمكن الاستدلال عليه من جملة مواقف، ففي السابع من أكتوبر، زعم الكرملين أنّ الالتزامات التي تتحملها روسيا أمام أرمينيا ضمن إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي لا تمتد إلى جمهورية قره باغ المعلنة ذاتياً والمدعومة من قبل يريفان، وهو ما اعتبر إقراراً عملياً بامتناع روسيا عن خوض الحرب في الإقليم دفاعاً عن الأرمن.


أرمينيا تستنجد.. والخط الروسي مشغول


فيما أكد رئيس الوزراء الأرمني، نيكول باشينيان، في الخامس والعشرين من أكتوبر، أنّ نشر قوات حفظ سلام روسية في منطقة الصراع في قره باغ، كان له أن يمثّل وسيلة للخروج من الحرب، قائلاً ينبغي على الدول المشاركة في رئاسة مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، دعم وتشجيع نشر قوات حفظ السلام الروسية في منطقة الصراع”، كما أضاف: “لم نرَ أي تحرّك ملموس لمنع حدوث أزمة إنسانية”، دون أن تتجرّأ القيادة الأرمنية على اتهام روسيا بشكل مباشر، بالتخلّي عنها وتركها لقمة سائغة أمام التقنيات العسكرية التي قدمتها أنقرة لباكو، في سبيل الانتصار في حربها، بجانب إرسال آلاف المرتزقة السوريين من مليشيات “الجيش الوطني السوري”، الذين عمدت أنقرة إلى شحنهم باتجاه قره باغ لقتال الأرمن.


اقرأ أيضاً: من سليماني إلى فخري.. نحيب الاغتيالات الحاسمة يتعالى بإيران


وحاولت أرمينيا الالتجاء إلى موسكو مع تدهور الأوضاع العسكرية لصالح باكو، حيث أفادت وزارة الخارجية الأرمنية، في الواحد والثلاثين من أكتوبر، بأنّ رئيس الوزراء، نيكول باشينيان، طلب من روسيا بدء مشاورات حول مساعدة أرمينيا في ضمان أمنها، في ظلّ استمرار القتال بإقليم قره باغ، لتُعقّب وزارة الخارجية الروسية في بيان، بالقول إنّ روسيا ستقدّم المساعدة اللازمة لأرمينيا في حال انتقال الأعمال القتالية إلى الأراضي الأرمنية مباشرة، بمعنى رفض مساعدة قره باغ، وأضاف البيان أنّه “وفقاً للمعاهدة (معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة بينهما للعام 1997)، ستقدّم روسيا ليريفان (أرمينيا) كل المساعدة اللازمة إذا جرى نقل الاشتباكات إلى أراضي أرمينيا بشكل مباشر”.


أرمينيا تخسر الحرب


ومع إدراك أرمينا بأنّ صديقها الروسي تخلّى عنها، لم يتبقَّ من خيار في ظلّ التفوّق العسكري الأذربيجاني-التركي، سوى الانسحاب وتضميد الجراح، وهو ما تم في التاسع من نوفمبر الماضي، عندما أصدر الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والأذربيجاني، إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، بياناً مشتركاً نصّ على إعلان وقف إطلاق النار في إقليم قره باغ، اعتباراً من 10 نوفمبر، مع احتفاظ قواتهما بالمواقع التي كانت عليها قبل التوصّل إلى هذا الاتفاق، وقد وصف علييف البيان بـ”الانتصار لأذربيجان والاستسلام من قبل أرمينيا”، بينما قال باشينيان إنّ هذا القرار صعب وموجع، لكنه ضروري لأنّه منع خسارة ستيباناكيرت (عاصمة قره باغ) ومدن أخرى، مع محاصرة جيش جمهورية قره باغ غير المعترف بها، والذي يضم 20 ألف عسكري.


ولأنّ الأرمن أدركوا أنّ من هزمهم لم تكن أذربيجان أو تركيا، بل عملياً روسيا بتخلّيها عنهم، حاول رئيس الوزراء الأرمني، نيكول باشينيان، القول بأنّ علاقات بلاده مع روسيا ستحافظ على طابعها الاستراتيجي، في إطار مساعيه لضمان عدم إلحاق روسيا أضراراً أكبر ببلاده، فأنكر في السادس عشر من نوفمبر، أن تكون المشاكل في العلاقات بين يريفان وموسكو سبباً لخسارة بلاده الحرب مع أذربيجان في قره باغ، قائلاً: “هناك أكذوبة تقول أنّ خللاً ما في العلاقات (مع روسيا) هو الذي أدّى إلى هذه النتيجة، فعلى مدار السنوات الخمس الأخيرة لم يتغير الموقف (الروسي) إزاء مسألة قره باغ قط”، وذلك وسط تعالي الأصوات الأرمنية القائلة بأنّ خسارة الحرب، جاءت نتيجة لرفض موسكو دعم يريفان.


اقرأ أيضاً: الجزرة الأوروبية لا تجذب أنقرة.. وعصا بروكسل مكسورة


أما روسيا، فقد حاولت تبرير تخلّيها عن أرمينيا، وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في السابع عشر من نوفمبر، عندما قال إنّ منطقة قره باغ تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من أراضي أذربيجان وفقاً للقانون الدولي، مضيفاً أنّ “أذربيجان كانت تستعيد الأراضي التي كانت تعتبرها، والتي يعتبرها المجتمع الدولي بأسره جزءاً من الأراضي الأذربيجانية”، مدعياً أنّه من حق أذربيجان أن تختار حليفاً لها للحصول على المساعدة منه، في إشارة ضمنية إلى تركيا، كما زعم بوتين أنّ منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تعتبر أرمينيا عضواً فيه، لم تتدخل في النزاع، لأنّه لم يكن هناك أي عدوان ضد أراضي أرمينيا، على حدّ وصفه.


اضطرابات داخلية أرمنية


بيد أنّ تبريرات روسيا والقيادة الأرمنية، لم تكن مقنعة للشعب الأرمني، لتضطرب الأوضع الداخلية، حيث أصدر 17 حزباً معارضاً في التاسع من نوفمبر، بياناً طالبت فيه رئيس الوزراء، نيكول باشينيان، وأعضاء حكومته بالاستقالة، فيما أعفى رئيس جمهورية أرمينيا باقتراح من رئيس الوزراء، نيكول باشينيان، في الرابع والعشرين من نوفمبر، ستة من 12 وزيراً في الحكومة من مناصبهم، وشملت الإقالات وزارات الخارجية، الدفاع، الطوارئ، العمل والشؤون الاجتماعية، التعليم، فيما قالت الخبيرة العسكرية الأرمنية، كارين فرتانيسيان، في تعليق لوكالة “إنترفاكس” الروسية، تعقيباً على استقالة وزير الدفاع، إنّ “باشينيان يحاول صرف النظر عن اتهامات الهزيمة في قره باغ، على خلفية تزايد الاتهامات الموجهة إليه من جانب المعارضة”.


اقرأ أيضاً: الإمارات تخطو بثقة نحو عامها الـ49.. رغم التحدّيات الخارجيّة


وفي الصدد لم تتوقّف المظاهرات في أرمينيا منذ لحظة الإعلان عن الاتفاقية في التاسع من نوفمبر، وقد أوقفت الشرطة في العاصمة الأرمنية يريفان، كثير من المتظاهرين ممن طالبوا برحيل رئيس الوزراء، نيكول باشينيان، والذين رددوا عبارات من قبيل “استقل يا نيكول يا خائن!”، حيث اعتبرت المعارضة توقيع باشينيان على البيان الثلاثي “استسلاماً”.


وعليه، من عفرين إلى قره باغ، يضحى واضحاً عدم إيلاء روسيا أي اهتمام بمناطق نفوذها، ما دام ثمنها محفوظاً في مكان آخر، إذ لا تتوانى موسكو عن استبدال المناطق ببعضها، ولا مشكلة لديها في تهجير شعوب أصلية وتوطين آخرين عوضاً عنهم، فلا صديق لروسيا إلا مصالحها، ورغم أنّ تلك قد تكون صفة مشتركة بين جميع القوى الكبرى، إلا أنّ روسيا تتفوّق فيها على غيرها، أو ذلك على الأقل ما قد يجيب به الكُردي أو الأرمني لو سُأل.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!