-
فرع فلسطين.. وفكرة العدالة التي تبقى تراودنا (1)
تبقى فكرة العدالة بالنسبة لنا كسوريين حلماً ترادونا في أحلامنا، ننسج منها مقاومة فكرية وروحية جديدة لمراحل قادمة في الملف السوري، حيث تكتظّ السّاحة السّورية بميليشيات الإخوان المسلمين والميليشيات الإيرانية المتحالفة مع النظام السوري بقتل السوريين.
اليوم تمرّ سبعة أعوام على ذكرى اعتقالنا من قبل فرع فلسطين التابع للأمن العسكري بدمشق، حيث داهمت قوّة من عناصر الفرع إحدى المقاهي في حي ساروجا وسط دمشق، وتمّ اصطحابنا كمجرمين وإرهابيين إلى الفرع ذي الصيت المعروف سوريّاً وعربيّاً. فرع فلسطين
هناك لم تكن لكلمة العدالة معنى، ولا لكلمات الحرية والديمقراطية، وما شابهها من مصطلحات فكريّة، إنسانيّة، وقانونيّة أيّ مكان، الصيت الوحيد كان للجلاد والمحقق، وحدهما كانا من يحققان العدالة والقانون لرأس الهرم القابع في حيّ المهاجرين بدمشق “بشار الأسد”، وحدهما من كانا يقرران أنّ العدالة هي باعتقال “الجماعات الإرهابيّة” وقتلها لتدمير مدنيّة الثورة السورية، وفتح الطريق أمام المتطرفين والإسلام السياسي لسرقة تلك الشعارات البرّاقة (وهو ماحصل لاحقاً).
في ذلك البناء البرجي نحو الأعلى والأسفل “أسفل الأرض” على المتحلّق الجنوبي بدمشق، تمّ تكديسنا على شكل علبٍ بشريةّ، وتجريدنا من ثيابنا وأسمائنا وابتساماتنا، ننتظر الموت في أقبية الفرع
في فرع فلسطين، ذلك البناء البرجي نحو الأعلى والأسفل “أسفل الأرض” على المتحلّق الجنوبي بدمشق، تمّ تكديسنا على شكل علبٍ بشرية، وتجريدنا من ثيابنا وأسمائنا وابتساماتنا، ننتظر الموت في أقبية الفرع، وكأنّه نحن من صنعنا شعارات الحرية والكرامة للسوريين، وحملنا على أكتافنا مجداً أبداياً للحركات التحرريّة في سوريا، هناك تمّ اتهامنا بالقتل عمداً وصولاً إلى دعمنا من قبل الإسرائيليين والأمريكان واليابانيين، والمخلوقات الجديدة التي بدأت بالظهور مؤخراً على المرّيخ، وبالتالي لنكون متّهمين بأهم الجرائم التي تلقى على المتّهمين في محكمة الإرهاب التابعة للنظام السوري.
23/04/2013 تاريخ امتدّ لما يقارب العامين ونصف، تحتفظ بها ذاكرتي، حيث أصوات الجلادين التي تدقّ أدمغتنا ليعلنوا لنا أنّ الموت على حافّة قلوبنا، وأنّ القبور الجماعيّة تحت الأرض بانتظار ماتبقّى من نبضاتنا هناك، لوأدها وجعلها عبرة للسوريين. فرع فلسطين
في مثل هذا اليوم، اعتقلنا بسبب عملنا الإعلامي ونشاطنا الثوري المناهض للديكتاتور القابع في قلعته دمشق، حيث نُسب إلينا القيام بأعمال إرهابيّة والتعامل معهم، والترويج ودعم تلك الأعمال، علماً أنّنا كنّا مدنيين ومستقلّين بشكل كامل، إلا أنّ فكرة القضاء على الروح المدنيّة كانت الفيصل الوحيد الذي اكتشفه أغلب المعتقلين للقضاء على نشاطات المجتمع المدني لصالح الأعمال العسكرية المؤدلجة، والتي تحوّلت فيما بعد إلى ساحة حرب ليست لنا علاقة بها من حيث التنظيم والتأسيس والوصول إلى الغايات المنشودة للطرفين.
بقيت فكرة العدالة لدي مرتبطة أكثر بمعالجة آلامنا وأوجاعنا في تلك الأقبية العفنة، حيث طلب مني المحقق “أبو حبيب” أن أنسى اسمي، وليلقبني باسم جديد عبارة عن رقم 101/14، بعدها ليتمّ اصطحابي أنا وزملائي إلى المقبرة الجماعيّة الزنزانة التي كانت عبارة عن 3/4 أمتار وفيها مايقارب 110 معتقلاً
هناك طلب مني المحقق “أبو حبيب” (وهو أحد المحققين المقيمين في حي المزة 86، يمتلك ولاءً كبيراً لآل الأسد وآلة القتل في سوريا)، أن أنسى اسمي، وليلقبني باسم جديد عبارة عن رقم 101/14، و14 هنا يرمز إلى رقم الزنزانة التي وضعت فيها تحت أقبية الفرع، بعدها تمّ اصطحابي أنا وزملائي إلى المقبرة الجماعية _الزنزانة_ التي كانت عبارة عن 3/4 أمتار وفيها مايقارب 110 معتقلاً، على أجسادهم آثار الدم والعفن والقيح وبدايات “غارغرينا” في الرجلين واليدين.
رغم قساوة المشهد، والألم المحاط بداخل الزنزانة، استقبلني المعتقلين بكل محبة ليسألونني عن أخبار دمشق وسوريا والمعارضة التي تاجرت فيما بعد بقضيتهم الأولى بتحقيق الكرامة، حيث كانت الأعمار تتراوح بين 15/90 عاماً، يذرفون الدموع على مصيرهم العفن كوجه ذلك الديكتاتور، هناك بقيت ثلاثة أشهر ولأكملها إلى عامين ونصف في سجن عدرا المركزي، ولأكون شاهداً على حالات موتٍ شبه يوميّة، بقي أغلبهم ضحية مطالبة السوريين بالكرامة، وتحقيق العدالة لهم. فرع فلسطين
في تلك المرحلة، والمراحل التي تلتها، بقيت فكرة العدالة لدي مرتبطة أكثر بمعالجة آلامنا وأوجاعنا في تلك الأقبية العفنة، فالعدالة ليست كلمة وشعار برّاق يسعى الجميع من السياسيين والحقوقيين المنتفعين منها برفعها على لوائح برونزية كبيرة، للمصطلح بحدّ ذاته مفاهيم واسعة تُنادي بها جميع الشعوب وتطمح لتحقيقها، هي أداة لتحقيق أو تأسيس نوع من المساواة بين أبناء الشعب الواحد في إحدى الرقع الجغرافية في العالم، وفق القوانين الإنسانيّة داخل المجتمعات البشريّة المختلفة. فرع فلسطين
نعم، بالنسبة لي لن تتحقّق العدالة أبداً، وستبقى الكلمة جزئيّة، طالما مازال الأسد على رأس ذلك الهرم، يُشرّع أبواب سوريا أمام مرتزقة الإخوان المسلمين، وبمساندة إيرانيّة روسيّة ميليشياويّة، لا تسعى إلا لقتل هويّة السوريين وكرامتهم، وجعل مصطلح العدالة مرتبطاً بمواد وقوانين محكمة الإرهاب بدمشق. ليفانت
كاتب وصحفي -مدير تحرير ليفانت نيوز
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!