-
الربيع الصهيوني في دول الممانعة
بخلاف الربيع العربي الذي اجتاح تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان والجزائر ، والمرشح للامتداد نحو الأردن ودول الممالك العربية (والذي يتآمر عليه الغرب والصهيونية لافشاله واستعادة الحكم الاستبدادي الفاسد) ... فإن الصهيونية العالمية تستغل ذلك الربيع لافتعال ربيع ذو نكهة صهيونية في دول الممانعة والمقاومة ، لضربها داخليا في الصميم وتدميرها ، خدمة لمشروعها الرامي للهيمنة على المنطقة،
لقد حركت الصهيونية العالمية فئات من الشعب السوري وسلحتهم بهدف الإطاحة بالنظام المقاوم في دمشق مستغلة مناخ الربيع العربي ، مما تطلب تدخلا سريعا من محور المقاومة لسد هذه الثغرة ، وافشال المخطط الرامي لضربها في عقر دارها بقوى محلية ، وهكذا وبعد أن فشلت الصهيونية وعملائها في اسقاط النظام السوري بفعل تدخل فاعل من ايران وحزب الله ، وبعد أن عجزت اسرائيل عن اضعاف المقاومة لجأت اليوم وبشكل خبيث لاشعال ربيعها الصهيوني في العراق ولبنان أيضا ، لضرب قدرات المقاومة في مواجهة العدوان (الصهيوني الغربي) المستمر على المنطقة ، طامحة لنقل ذلك الربيع لداخل ايران ذاتها التي تقود مشروع المقاومة الإسلامية في وجه الشيطان الأكبر ، بعد أن أدركت عجزها عن هزيمتها عسكريا.
بماذا نفسر إذا هذا التوقيت المتزامن لثورات لبنان والعراق والأحواز مع الحصار الأمريكي والهجمة الصهيونية الشرسة على ايران ؟ ولماذا يصبح سلاح ونظام المقاومة هو الهدف الحقيقي لهذه الثورات ؟
الربيع الصهيوني يستغل مطلب الحرية لخدمة التيارات الاستسلامية والتطبيعية مع العدو الصهيوني ، ويستغل مطلب الديموقراطية للتشويش على التزام هذه الدول بمعايير المقاومة ومتطلباتها وأولوياتها ، ويستغل مطلب محاربة الفساد لتجفيف تمويل منظمات ومليشيات الممانعة ، ومطلب العلمانية لإلغاء مشروع المقاومة الإسلامية وتمييع جبهة الصمود في وجه الغرب الصهيو-صليبي الذي يسعى لتقويض الإسلام . هذا الربيع الذي يسمى ثورات هو في الواقع مؤامرة تسعى لضرب الممانعة وجوديا وتقويضها ، و تدمير النظم السياسية الحارسة لها ، بهدف تسهيل تفكيكها وسحب سلاحها وفرض حالة من الاستسلام والإذعان للعدو الخارجي المتربص بالمنطقة كلها.
في هذه الحال هل يجب أن يستسلم محور المقاومة ويسلم هكذا من دون حرب ، أمام تظاهرات غوغائية تحركها أذرع خفية ، أما يستمر في المقاومة والممانعة في كل الجبهات الداخلية والخارجية ؟ ويقف حجر عثرة أمام هذا الربيع ذو النكهة الصهيونية ؟
عندما تخدم ثورات الربيع في لبنان وسورية والعراق أهداف الكيان الصهيوني وتتلقى الدعم المنظور والمستور منه ، وتسعى فعليا لتدمير محور المقاومة الذي بنى تحالفاته السياسية والاقتصادية ليعزز وجوده في المنطقة ، بماذا تسمى هذه الثورات ؟ هل هناك من يناقش في أنها ربيعا صهيونيا !!!
هذا المنطق، الذي يستخدمه محور المقاومة في المنطقة ، مبني على فكرة أساسية : أن الشر متمركز ومتمحور ومختزل في وجود الكيان الصهيوني ، وأن التصنيف على محور الخير والشر يعتمد أساسا على الموقف منه ، بحيث تصبح المقاومة هي محور الخير وعنوانه ، ويبرر به استخدام العنف للدفاع عن المقاومة كائنا من كان عدوها ؟
لكن ذلك المنطق لا يجيب على أسئلة كثيرة تطرح نفسها :
كيف أصبح الفساد والاستبداد أدوات للمقاومة (بعد أن كانت من أدوات الغرب في استعباد الشعوب) ؟ وكيف يمكن اعتبار الفساد والاستبداد عناصر قوة لمواجهة العدو الخارجي المفترض ؟ هل حدث هذا بسبب عجز الشعوب عن انتاج نظم غير استبدادية وفاسدة ؟ أي بسبب العجز المطلق عن تجاوز حالة التخلف والضعف والهزيمة ؟ أم بسبب استخدام شعار المقاومة لتبرير وتكريس نظم الفساد والاستبداد ؟ وهنا هل يمكن اعتبار مشروع المقاومة خادما للهيمنة الاستعمارية الخارجية بعكس كل أيديولوجيته طالما هو يخدم بقاء الفساد والاستبداد والتخلف ؟ أم أن الفساد والاستبداد والتخلف ليس عدوا طالما وجدت اسرائيل ؟
هل المقاومة هي حليف وأداة للصهيونية ؟ ولماذا تستهدفها بالضربات الجوية وبالحصار الاقتصادي ثم تدعم الثورات ضدها ؟ كيف أصبحت الحرية والديموقراطية أدوات للمشروع الصهيوني ( بعد أن كانت اسرائيل متهمة في دعم الاستبداد والفساد والطائفية ) ؟ هل اسرائيل مجنونة ؟ هل هي في مرحلة التأسيس تختلف عنها في مرحلة الاستقرار ؟ هل تغيرت اسرائيل أم أن تصوراتنا عنها مغلوطة ؟ هل يوجد حليف دائم وعدو دائم في السياسة أم هي من المتغيرات ؟ ... هل تمكن معاداة المقاومة من دون أن تعتبر خدمة لإسرائيل ؟
كيف أصبح السلام مع العدو الخارجي الذي يحمل معنى الاستسلام هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحقيق الحرية والعدالة وحكم القانون ؟
كيف تلاقت وتطابقت متطلبات الشعوب مع متطلبات العدو الخارجي ؟ هل هذا يجعل منه صديق وحليف ولو مرحليا؟ هل سيكون التخلي عن المقاومة بوابة للسلام تسمح بنهوض المنطقة واستقرارها ، بعد الغاء جيوش وأجهزة ومنظمات لم تستخدم إلا في قمع شعوبها ؟
أسئلة كثيرة وصعبة تطرحها الأحداث السياسية الراهنة في الشرق الأوسط المشتعل ، لا يجيب عليها سوى مفاهيم المنطق الديالكتيكي التي تحكم ديناميكية تغير التشكيلات الاجتماعية السياسية باعتبارها حالة استقرار نسبي قائمة على تكوين ضدي بنيويا ، تتحد فيه الأضداد وتتصارع وتنفي بعضها ، وتنتقل من حالة لحالة جديدة محكومة بالنفي أيضا .
المشكلة كما يبدو فلسفيا تكمن في العقل الدوغمائي الذي يتثبت عند نمط ضدي معين ، ولا يستطيع ادراك ظاهرة الوجود الاجتماعي السياسي بديالكتيكيتها ... أي أنه فقط عندما نتخلى عن هذا العقل الدوغمائي قد نفهم الأحداث والمتغيرات ونتفاعل معها بإيجابية ، لنرسم مسار التقدم والإزدهار المتعرج حتما ، من دون التسمّر عند ثوابت وأصنام فكرية وآيديولوجية وسياسية مضللة ، و نرتب أولوياتنا وتحالفاتنا وفقا لمصالحنا وليس وفقا لأنماط آيديولوجية جاهزة تفرض علينا ...
عندها قد نفهم الربيع العربي كربيع واحد متشابه في كل الدول العربية ، ينقل العرب من واقع بائس لواقع مختلف ، يحدث قطيعة مع قرون من التخلف والجهل والاستبداد القائمة على الدوغمائية ... بتبني نمط عقلي مختلف يرى الأمور والأحداث والوقائع بطريقة واقعية مختلفة ، ويرسم طرق مختلفة للتعامل معها ، حتى لو كانت هذه الطرق تمر بعملية السلام والتطبيع مع اسرائيل وتقويض محور مقاومتها ... لأن اسرائيل ليست سبب كل مشاكلنا كما يدعي محور المقاومة ، بل إن أغلب مشاكلنا اليوم هي بسبب طريقتنا في مقاومتها ( أقصد نظم الفساد والاستبداد والإجرام ) ... التي لا مستقبل لنا من دون اسقاطها كلها .
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!