الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
أيلول طهران الدامي وأكتوبر كييف الممضي 
محمد محمود بشار

أمضت طهران ثلاثة وأربعين عاماً وهي واثقة الخطى في سيرها نحو إنتاج نظامها الخاص إدارياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً. 

لم يلتفت حكام بلاد فارس إلى الوراء، فأمست إيران قوة إقليمية كبيرة، وهي تشارك اليوم بشكل فعلي في صناعة القرار في أربعة عواصم عربية ولها اليد الطولى في عدة دول أخرى، وأصبحت شؤونها الداخلية شؤوناً دولية بامتياز، وخاصة ملفها النووي الذي بات يُناقش على طاولة كبار دول العالم نفوذاً وسيطرةً وقوةً. 

من واشنطن إلى إيران.. تجدد لعنة سبتمبر بعد عقدين 

لعنة سبتمبر التي أصابت الولايات الأمريكية المتحدة قبل أكثر من عقدين، حلت اليوم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 

شهر أيلول هذا، كان شهراً مختلفاً عن كل الأشهر التي مضت على إيران خلال العقود الأربعة والسنوات الثلاث التي تلتها، لم يواجه نظام ولاية الفقيه غضباً شعبياً عارماً، كما هو عليه الحال اليوم في مختلف أنحاء الجمهورية. 

كانت (مهسا أميني) تلك الفتاة الكردية العشرينية كلمة السر في إشعال فتيل هذه النيران التي اقترب لهيبها من عباءة خامنئي. 

قبل هذه الهبة الجماهيرية الغاضبة، واجه النظام الإيراني العديد من المظاهرات والانتفاضات الجماهيرية الغاضبة، ولكنه -أي نظام طهران- بقي كما هو، وانتهى كل ذلك الحراك الجماهيري فيما مضى. 

رسائل الشارع الإيراني وخارطة المفاوضات الدولية 

يبدو أن هذه المرة أيضاً سينجو حكام طهران، لأن المجتمع الدولي والقوى الكبرى، على وجه الخصوص، لا تريد إسقاط ولاية الفقيه. وبالتالي تلك القوى العظمى تسعى إلى إطالة أمد (الثورة الإسلامية في إيران) وفي المحصلة الإبقاء على التهديد التي تشكله إيران على دول الخليج بشكل خاص، تلك الدول التي ترى أنه لا بد من حماية دولية لها في وجه أطماع وتهديدات طهران، وفي النتيجة هي مستعدة لإنفاق المليارات من الدولارات كي تكسب حليفاً دولياً قوياً يستطيع الوقوف في وجه نفوذ وسلطة مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية. 

إن إخماد هذه الانتفاضة لا يعني إطفاء فتيل النيران التي اشتعلت غضباً في شوارع مدن وبلدات إيران انطلاقاً من كردستان، بل استطاعت الشعوب الإيرانية، وفي مقدمتها الشعب الكردي، من إرسال رسائل قوية للغاية لصناع القرار الدولي، مفادها بأن الشرخ أصبح كبيراً جداً بين الشارع الإيراني والمرشد، ومن خلفه الحرس الثوري والباسيج والجيش والحكومة، فما إن تتغير الحسابات الدولية سيكون من الممكن الوصول إلى باب قصر الخامنئي وقلب الكرسي، ولكن بعد إراقة الكثير من الدماء، وهذا لن يحصل ما دامت الدول الكبرى مستفيدة من وجود التهديد الإيراني على الخليج العربي. 

ثقة حكام العواصم المهددة.. من طهران إلى كييف 

خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آخر يوم من أيلول/ سبتمبر، معلناً عن توقيعه لقرار ضم شرق أوكرانيا وأجزاء من جنوب تلك الدولة التي قدمت ترشيحها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، مخاطباً العالم أجمع بأن القوة هي التي ستحدد شكل ومصير العالم بعد اليوم. 

الحرب التي بدأت في شباط هذا العام، عندما اجتاحت القوات الروسية أجزاء من أراضي أوكرانيا، جوبهت بمقاومة كبيرة من قبل الجيش الأوكراني وأبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ثقة كبيرة وجبروتاً عظيماً في مواجهة غطرسة موسكو قبل ثمانية أشهر. 

صحيح أن الثقة ضرورية ولكن هي ليست كل شيء في حسم نتيجة الحروب، فموازين القوة على الأرض هي التي تغرز مخالبها في الخرائط السياسية ومستقبل كل دولة أو منطقة تتعرض لعملية عسكرية، وبوتين كانت له كلمة الفصل في هذه الأشهر الثمانية ليجدد أمجاد أكتوبر الروسية.  

فمن شباط هذا العام إلى شهر أكتوبر من نفس العام تم قضم مساحات شاسعة من أوكرانيا وباتت لروسيا سيطرة شبه كلية على شواطئ البحر الأسود التي كانت قبل أكتوبر تابعة لأوكرانيا. 

وتقول لنا صفحات التاريخ لا مجد من دون دماء والبقاء للأقوى، ولكن تبقى واشنطن التي تراقب عن كثب وتدير كل هذه الخيوط المتشابكة هي التي تقرر في أغلب القضايا، فكما كان عام 1979 عاماً لتغيير النظام الحاكم في إيران، وكما كان عام 1991 نهاية للاتحاد السوفييتي قد يكون في التقويم الأمريكي أعوام قادمة تستند إلى الرسائل التي تلقتها واشنطن من شوارع إيران وثقة حكام كييف ومن مناطق ودول أخرى، فلا يوجد عاقل على وجه البسيطة لن يحمل كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على محمل الجد، عندما قال: القوة هي التي ستحدد المستقبل السياسي في العالم.  

ولكن ليست موسكو لوحدها تملك كل أوراق القوة، فهناك من هو أقوى عسكرياً واقتصادياً، وستبقى دوامة الاستقطاب دائرة بين سبتمبر واشطن وأكتوبر موسكو.


 

ليفانت - محمد محمود بشار 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!